الدول الفقيرة بين خسائر أزمات المناخ وأعباء ديون المتسببين فيه
منوعات

الدول الفقيرة بين خسائر أزمات المناخ وأعباء ديون المتسببين فيه

صدى نيوز - نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية تقريرًا يكشف فيه كاتبه أن الدول الفقيرة تنفق مليارات الدولارات سنويا لسداد ديونها، في حين تتلقى تمويلًا أقل بكثير لمواجهة أزمة المناخ، مما يفاقم معاناتها ويهدد قطاعات حيوية كالصحة والتعليم.

وأوضح الكاتب نيك فيريس أن تحليلًا صادرا عن المعهد الدولي للبيئة والتنمية كشف أن 59 دولة من بين الدول الأقل نموًا والجزر الصغيرة النامية دفعت في عام 2023 نحو 37 مليار دولار لخدمة ديونها، بالمقابل لم تتلقَ سوى 32 مليار دولار مساعدات مناخية.

وقال الكاتب إن هذه الأرقام تعكس "حلقة مفرغة"، حيث تضطر الدول إلى الاقتراض لتغطية تكاليف أزمة مناخية لم تسهم فعليا في التسبب فيها، مما يؤدي إلى تآكل ميزانيات الصحة والتعليم وتراكم الديون.

ونقل الكاتب عن الباحثة سِجال باتيل قولها إن من المفارقات القاتمة أن الدول الأكثر هشاشة مناخيًا هي الأقل تسببًا في الأزمة، مضيفة أن أعباء الديون الساحقة تعيق قدرتها على التعامل مع الظواهر الجوية المتطرفة والمتزايدة.

وأشار مدير السياسات في شبكة بوند البريطانية غيديون رابينوفيتز إلى ضرورة تحرك الدول الغنية لكسر هذه الحلقة المدمرة من خلال إعادة تمويل المساعدات الدولية والوفاء بالتزاماتها المناخية ودعم برامج إعادة هيكلة الديون.

وأضاف رابينوفيتز أن أعباء الديون في الدول المنخفضة الدخل ارتفعت بشكل حاد، إذ باتت هذه الدول تنفق ما يعادل 15% من إيراداتها الحكومية على خدمة الديون الخارجية، مقارنة بـ6.6% فقط في عام 2010.

وأوضح الكاتب أن 40% من سكان العالم يعيشون في دول تنفق على خدمة الدين الخارجي أكثر مما تنفق على الصحة أو التعليم، مشيرًا إلى أن عددا متزايدا من الدول بات يعاني من "ضائقة ديون"، وهي حالة تعجز فيها الدول عن الوفاء بالتزاماتها المالية الخارجية وتضطر لإعادة هيكلة ديونها.

وتتجلى الضغوط الناجمة عن الديون بشكل خاص في أفريقيا، حيث تواجه 20 دولة منخفضة الدخل خطر الوقوع في ضائقة ديون، وفقًا لصندوق النقد الدولي.

وأشار الكاتب إلى أن تكلفة الديون لا تتزايد فحسب، بل إن التمويل المناخي المخصص لمساعدة الدول النامية على التكيف مع تغير المناخ وتعويض خسائره لا يزال يعاني من نقص حاد، مما يزيد من تفاقم الأزمة المالية في هذه الدول.

وقد ارتفعت الكوارث المناخية بنسبة 83% خلال العقدين الماضيين، وتسببت في نزوح 22 مليون شخص سنويًا منذ عام 2008، في حين تشير التقديرات إلى احتياج العالم لتريليونات الدولارات سنويا لتغطية خسائر المناخ وجهود التكيف وإزالة الكربون في دول الجنوب العالمي.

وتعهدت الدول الغنية بتقديم 300 مليار دولار سنويا فقط في مؤتمر المناخ "كوب 29" العام الماضي، مما يضع عبئا ماليا هائلًا على البلدان التي ساهمت بأقل قدر في أزمة المناخ ويدفعها للاعتماد على ممولين من القطاع الخاص، مما يزيد من مديونيتها.

وقال الكاتب إن تدفقات التمويل المناخي إلى الدول الأقل نموا تراجعت في آخر سنة تتوفر عنها بيانات كاملة، حيث انخفضت من 22.1 مليار دولار في 2022 إلى 15.7 مليار دولار في 2023.

أعباء ضخمة

ومن بين الدول المتأثرة بشدة بأزمة المناخ والديون دولة ملاوي جنوبي أفريقيا، حيث بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 86.4% في عام 2024، في حين بلغت فوائد الدين العام 8.4% من الناتج و49.2% من الإيرادات المحلية.

وأفادت المنظمات الخيرية بأن قطاعي الصحة والتعليم في ملاوي يعانيان من نقص حاد في التمويل، مع اكتظاظ الفصول الدراسية ونقص الإمدادات الطبية، في وقت تكلف فيه الكوارث المناخية، مثل إعصار فريدي في عام 2023، البلاد ما لا يقل عن 1% من الناتج المحلي سنويا.

وأضاف الكاتب أن أحد أبرز أوجه الأزمة في الدول النامية هو أن تصور المخاطر يجبرها على سداد ديونها بفوائد ديون أعلى بكثير من دول الشمال العالمي، رغم أن المستثمرين العاملين في أفريقيا يؤكدون أن هذا التصور مبالغ فيه مقارنة بالواقع.

ويرى الرئيس التنفيذي لمجموعة تطوير البنية التحتية الخاصة فيليب فالاهو أن هناك "فجوة ضخمة" بين الواقع والمخاطر المتصورة في أفريقيا، مشيرًا إلى أن المجموعة جمعت نحو 47.2 مليار دولار لمشاريع البنية التحتية في القارة منذ عام 2002.

وأضاف فالاهو "أنشأنا المجموعة للذهاب إلى أماكن لا يذهب إليها أحد، وإثبات أن ممارسة الأعمال ممكنة هناك"، مؤكدًا أن خسائرهم خلال 23 عاما لم تكن مختلفة عن تلك التي تحدث في أوروبا أو أميركا الشمالية.

وأكد الكاتب أيضا أن ارتفاع تكلفة الديون يحد من قدرة الدول على الاقتراض لتطوير نفسها، مما يعيق النمو ويزيد من الاعتماد على التمويل الخارجي.

ودفعت الدول النامية في عام 2023 نحو 25 مليار دولار أكثر مما تلقته من قروض جديدة، وفقًا لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، مما يثير تساؤلات عن قدرة النظام المالي العالمي الحالي على دعم التنمية.

تنظم منظمات غير حكومية وجماعات الضغط الأخرى حملات لإلغاء الديون، خاصة بعد تقليص المساعدات الذي فاقم الأوضاع، لافتًا إلى أن الكنيسة الكاثوليكية أطلقت حملة "يوبيل 2025" لإلغاء ديون الدول النامية بقيادة البابا الراحل فرانشيسكو.

واختتم الكاتب بالإشارة إلى أن مؤتمر المناخ "كوب 30" الذي سيعقد في البرازيل خلال الشهر المقبل، واجتماعات صندوق النقد والبنك الدولي خلال أكتوبر/تشرين الأول الجاري، سيزيدان من الضغط على الدول الغنية لاتخاذ خطوات ملموسة.

وأكدت المديرة التنفيذية لشبكة العمل المناخي في المملكة المتحدة كاثرين بيتينغيل على ضرورة إلغاء الديون بشكل عاجل وزيادة التمويل المناخي.

وتشير إلى أن الدول التي توجد في الخطوط الأمامية لا تحصل على التمويل العام القائم على المنح الذي تحتاجه لمواجهة أزمة المناخ، وتتعرض في الوقت ذاته لضغوط جمة تحت وطأة ديون غير عادلة وغير مستدامة.

المصدر: إندبندنت