
ورقة سياساتية: إعادة بناء السلطة القضائية وتوحيدها لضمان دستوريتها وتقليص الأعباء على الخزينة العامة
صدى نيوز: أصدر مركز ثبات للبحوث واستطلاعات الرأي الورقة الرابعة ضمن الأوراق السياساتية التي يصدرها المركز للعام 2025. تتناول هذه الأوراق قضايا سياساتية داخلية وخارجية تهم المجتمع الفلسطيني وصانع القرار.
المقدمة:
مما لا شك أنّ كل دولة تُجسم مبدأ فصل السلطات في دستورها ووثائقها القانونية الأساسية عبر رسم معالم طبيعته كي تحتكم إليها عند وضع مؤسسات الدولة التشريعات وقراراتها المختلفة بما ينسجم مع قواعد المشروعية. أي بمعنى آخر، فإنّ جميع التشريعات والقرارات الصادرة عن أجسام الدولة القاضية بتنظيم السلط المنبثقة عن الدستور على أساس مبدأ فصل السلطات، بما فيها السلطة القضائية، محكومة بالانصياع التام للقواعد الدستورية وإلا فقدت دستوريتها ومشروعيتها، أو خرقت مبدأ سيادة القانون الركن الأساس الثاني في النظام الديموقراطي.
السياسيون الفلسطينيون عادة منبهرون بالشكليات الرمزية لسيادة الدولة وتفخيم مسميات مؤسساتها في محاولة لإشباع الهوس الدولاني دون النظر للتفاصيل الدستورية الحاكمة لإنتاجها وانتاجيتها، أو الحاجة المجتمعية إليها أو تكلفتها وأعبائها، أو الضرورة المؤسسية وتأثيرها على المبنى المؤسسية للدولة وأركانها. إنَّ مسألة خيارات تبني إحدى العائلات القانونية الكبرى في تنظيم الجهاز القضائي ووظائفه كالأنجلوسكسوني أو اللاتيني، أو الدمج بينهما، أو خلق نموذج جديد يعود بالأساس للقواعد الدستورية المتبناة في القانون الأساسي "الدستور". بينما مفهوم استقلال القضاء يمثل على الدوام عنصرًا أساسيًا من عناصر توفير ضمانات المحاكمة العادلة، وتنفيذ أمين للقواعد الدستورية الراعية لمبدأ فصل السلطات المُرسم في القانون الأساسي الفلسطيني، فيما يمثل مجلس القضاء الأعلى الأداة الأبرز لحماية هذا الاستقلال.
على مدار العشرين عاماً الماضية جرى تبني عدد من القوانين المنشأة لسلط قضائية جديدة منفصلة عن مجلس القضاء الأعلى كالمحكمة الدستورية والمحاكم الإدارية وإعادة انتاج القضاء الشرعي إلى جانب الهيئة القضائية لقوى الأمن الفلسطينية بشكل منفصل. هذه التطورات أنتجت تعدد السلط القضائية "مؤسسات قضائية منفصلة عن بعضها البعض" على عكس غاية المشرع الدستوري عند صياغة وإقرار القانون الأساسي؛ بخاصة الفصل السادس منه المتعلقة بالسلطة القضائية وتشكيلها وتنظيم إدارتها والمحاكم المتخصصة والخاصة.
على الرغم من وجود أحكام دستورية واضحة تُكرس الوحدة والاستقلال، شهد النظام القضائي الفلسطيني تشرذمًا كبيرًا على مدى العقدين الماضيين. وقد أدى ذلك إلى إنشاء هيئات قضائية متعددة ومتوازية تعمل خارج نطاق الرقابة الموحدة التي ينص عليها القانون الأساسي الفلسطيني. تُحدد هذه الورقة التحديات الحرجة الناجمة عن هذا التشرذم، بما في ذلك تآكل المبادئ الدستورية الأساسية، وتقويض استقلال القضاء، والأعباء المالية الباهظة المفروضة على الخزينة العامة بسبب ازدواجية الهياكل الإدارية وتضخم تكاليف الموظفين. علاوة على ذلك، يكشف التحليل عن قصور واضح في الأداء القضائي في مختلف المحاكم المتخصصة، وهيكلية "الهرم المقلوب" الإشكالية في المناصب القضائية العليا.
تقترح هذه الورقة السياساتية أجندة إصلاح شاملة تُركّز على إعادة توحيد جميع المحاكم المتخصصة - أي القضاء النظامي والإداري والدستوري والشرعي - في ظل مجلس قضاء أعلى مُعزّز وديمقراطي. وتشمل التوصيات الرئيسية مراجعةً تشريعيةً شاملةً وعملية تعديلٍ لتتماشى مع المبادئ الدستورية، وتعزيز شرعية مجلس القضاء الأعلى من خلال عمليات اختيارٍ شفافةٍ وشاملة عبر توسيع العضوية فيه وادخال طرق ديمقراطية في عملية تشكيل هذا المجلس وتكوينه في إطار التنفيذ الدقيق للقواعد الدستورية الناظمة للجهاز القضائي والحفاظ على مبدأ فصل السلطات، وضمان حماية استقلالية الجهاز القضائي، وتقليص حجم الأعباء المالية على الخزينة العامة. ويتمثل الهدف النهائي لهذه الإصلاحات في بناء قضاءٍ مستقلٍّ وفعالٍ يُرسّخ سيادة القانون بفعالية، ويعيد ثقة الجمهور في إطار عملية إصلاح جوهرية وجادة.
يجدر الانتباه إلى أنّ هذه الورقة لا تناقش مسألة إعادة بناء الجهاز القضائي في قطاع غزة إثر الحرب الإسرائيلية وتوحيد القضاء في الضفة الغربية وقطاع غزة التي سيتم معالجتها في ورقة منفصلة.
جهود متعثرة لبناء جهاز القضائي موحد
واجهت عملية بناء الجهاز القضائي على مدار الخمسة والعشرين سنةً الماضية تحديات عديدة أبرزها الانقسام السياسي الحاصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وغياب المجلس التشريعي ومن ثم حله، وتدخل السلطة التنفيذية المتكرر في عمل السلطة القضائية، والصراع بين مؤسسات "قطاع العدالة"، والخلافات بين القضاة أنفسهم ونظرتهم إلى استقلال السلطة القضائية بشكل مطلق على غير غايات القانون الأساسي الذي يشير إلى استقلال القاضي بأحكامه، ومنع تضارب المصالح في حال وجودها، بالإضافة إلى ضعف الإمكانيات المتاحة للسلطة القضائية، وتراكم القضايا في أروقة المحاكم، ومحاولات بعض المتنفذين الحصول على منافع بتكريس تعدد السلط القضائية في خرق للمصلحة العامة القائمة على أساس النزاهة السياسية "نزاهة الحكم".
• تم تشكيل مجلس القضاء الأعلى الانتقالي (أول مجلس قضاء في فلسطين) في حزيران /يونيو 2000 بهدف ترتيب وضع الجهاز القضائي، ومن ثم في شهر أيار / مايو 2002 إثر صدور قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002 تم تعيين مجلس القضاء الأعلى. فيما أصدر الرئيس محمود عباس قراراً بتاريخ 14/3/2005 يقضي بتشكيل لجنة توجيهية لتطوير القضاء والعدل أنيطت بها مهمة إعداد مسودة مشروع قانون معدل لقانون السلطة القضائية، واقتراح الإجراءات التي يتوجب اتخاذها لتأمين استقلال القضاء وكرامة القضاة وكفاءتهم ونزاهتهم.
• تم تشكيل المحكمة الدستورية في العام 2016. لكنها واجهت هذه الخطوة معارضة واسعة من قبل منظمات المجتمع المدني تخوفاً من أنْ تكون هذه المحكمة أداة لهيمنة السلطة التنفيذية على الحكم.
• وفي 6/9/2017 أصدر الرئيس محمود عباس مرسوماً رئاسياً يقضي بتشكل اللجنة الوطنية لتطوير قطاع العدالة مهمتها مراجعة منظومة التشريعات القضائية وإعداد رؤية شمولية لتطوير قطاع العدالة والقضاء، وقد حدد القرار بقانون فترة عملها بستة أشهر إلا أنّ مداولاتها وعملها استغرق عاماً لتقديم تقريرها المتعلق بنتائج أعمالها وتوصياتها.
• في تموز 2019 أصدر الرئيس محمود عباس قرارين بقانون بشأن القضاء عَدَّلَ في أحدهما قانون السلطة القضائية (خفض سن تقاعد القضاة من سن السبعين إلى سن الستين)، فيما حل بالقرار الثاني مجلس القضاء، وأنشأ مجلس قضاء انتقالي لمدة عام (قابلة للتمديد لستة شهور) ومنح مجلس القضاء الانتقالي حق إعادة تشكيل هيئات المحاكم في كافة الدرجات، وإعداد مشاريع القوانين اللازمة لإصلاح القضاء واستعادة ثقة المواطن به، وإعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى وفقا لأحكام القانون. هذان القراران قوبلا بالترحيب من بعض مؤسسات المجتمع المدني شريطة عدم تدخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية فيما عارضت مجموعة أخرى من مؤسسات المجتمع المدني هذين القرارين معتبرة أنهما مخالفان لأحكام القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية، وأنهما استمرار لتغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية. وفي ذات العام 2019 تم تشكيل المجلس التنسيقي لقطاع العدالة.
• وفي العام 2021 أصدر الرئيس الفلسطيني ثلاثة قرارات بقوانين تتعلق بالشأن القضائي (تعديل قانون تشكيل المحاكم وتعديل قانون السلطة القضائية والقرار بقانون المحكمة الإدارية) أدّت إلى فصل القضاء الإداري عن القضاء النظامي بات بموجبه التقاضي أمام المحاكم الإدارية على درجتين.
لكن هذه التعديلات في الجهاز القضائي أثارت مسألة مدى تجسيم مبدأ فصل السلطات المنصوص عليه في القانون الأساسي الفلسطيني من حيث توحيد القضاء بمحاكمه المختلفة تحت إشراف المجلس الأعلى للقضاء، وحماية استقلال القضاء الفلسطيني من تدخلات جهات مختلفة في السلطة التنفيذية خاصة في عملية تعيين القضاة. وقد اعتبرت منظمات المجتمع المدني أن هذه القرارات بقوانين تأتي في إطار هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء الإداري المختص بالرقابة القضائية على أعمال الإدارة، بشكل خاص السلطة التنفيذية، وذلك من خلال الاستفراد بتعيين رئيس المحكمة الإدارية العليا بشكل دائم، وتعيين أعضاء المحكمة الإدارية والمحكمة الإدارية العليا من قبل السلطة التنفيذية عمليا في المرة الأولى للتشكيل، ومن خلال إضعاف ضمانات الحصانة للقضاة في القرار بقانون بشأن تعديل قانون السلطة القضائية.
• أما في العام 2022 أصدر المرسوم قرار رقم (17) لسنة 2022 القاضي بتشكيل المجلس الأعلى للهيئات القضائية برئاسة رئيس السلطة التنفيذية (الرئيس الفلسطيني)، والذي تم التراجع عنه بإصدار مرسوم رئاسي بإلغاء المرسوم السابق بعد عام تقريبا بسبب ضغوط خارجية. ومن ثم إصدار المرسوم الرئاسي رقم 3 لسنة 2023 القاضي بإعادة تشكيل المجلس التنسيقي لقطاع العدالة وبداية العام 2023 أصدر الرئيس قراراً بتشكيل اللجنة الوطنية لتطوير قطاع العدالة التي يضم في عضوية أطراف من الجهاز القضائي المُفتت ومن السلطة التنفيذية، إلا أنّه لم تظهر أيّة نتائج للجنة الأخيرة.
مفهوم السلطة القضائية الواحدة مقابل تعدد المحاكم
ينطلق مفهوم وحدة السلطة القضائية والإشراف على إدارتها من القواعد الدستورية المرسومة في أحكام الفصل السادس من القانون الأساسي الفلسطيني، وذلك من خلال خمس قواعد دستورية هي؛ (1) النص في المادة 97 على أن السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، ويحدد القانون طريقة تشكيلها واختصاصاتها وتصدر أحكامها وفقاً للقانون، و(2) النص على انشاء مجلس أعلى للقضاء في المادة 100. و(3) النص على وحدة الاشراف في التعيين والعزل وفقا لقانون السلطة القضائية المُتتم للقواعد الدستورية المنصوص عليها في القانون الأساسي وفقاً لإحكام المادة 99. و(4) والنص على منح المجلس الأعلى للقضاء وحده حق ابداء الرأي في مشروعات القوانين التي تنظم أي شأن من شؤون السلطة القضائية بما في ذلك النيابة العامة في المادة 100، و(5) الحق الحصري بالتنسيب "القرار المنشأ للتعيين" لتعيين النائب العام وفقا لأحكام المادة 107 من القانون الأساسي.
فيما جاء مفهوم تعدد المحاكم للاختصاص وليس للإدارة أو الانفصال عن المجلس الأعلى للقضاء، حيث نصت المادة 101 على انشاء المحاكم الشرعية لتتولى النظر في المسائل الشرعية والأحوال الشخصية والمحاكم العسكرية المختصة بالشأن العسكري. فيما أجازت المادة 102 إنشاء محاكم إدارية للنظر في المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى، والإجراءات التي تتبع أمامها. بينما نصت المادة 103 تشكيل المحكمة الدستورية العليا للنظر في دستورية القوانين واللوائح أو النظم وغيرها، وتفسير نصوص القانون الأساسي والتشريعات، والفصل في تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية وبين الجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي. على أن يبين القانون طريقة تشكيل المحكمة الدستورية العليا، والإجراءات الواجبة الإتباع، والآثار المترتبة على أحكامها. فيما لم تنص أيّا من هذه المواد على مسألة التعيين والعزل الذي جعلهما القانون الأساسي حصراً في قانون السلطة القضائية وفقاً لنص لمادة 99 منه.
ثمة تباين كبير بين هذا القصد الدستوري الواضح والممارسة التشريعية اللاحقة، فبينما ينص القانون الأساسي الفلسطيني باستمرار على إطار لسلطة قضائية موحدة تحت إدارة مركزية وإشراف مجلس أعلى للقضاء، أنشأت القوانين والقرارات بقوانين اللاحقة هيئات قضائية منفصلة ومتوازية. وقد مُنحت كل هيئة من هذه الهيئات الجديدة هياكلها الإدارية ومجالسها وصلاحياتها الخاصة في التعيينات القضائية والآراء التشريعية. هذا يمثل انحرافًا تشريعيًا جوهريًا عن المبادئ الدستورية الأساسية. فقد منحت القوانين (مثل قانون المحكمة الدستورية، وقانون القضاء الشرعي، وقانون المحاكم الإدارية) استقلالية وصلاحيات موازية لهذه الهيئات القضائية المنشأة حديثًا، مما أدى مباشرةً إلى تجزئة القضاء.
يُقوّض هذا التشرذم الرؤية الدستورية للوحدة، وهو ليس مجرد شذوذ إداري أو هيكلي بل يُشكل تحديًا عميقًا لجوهر سيادة القانون ومبدأ فصل السلطات في نظام الحكم الفلسطيني. من خلال السماح بإنشاء مراكز سلطة قضائية مستقلة، يُحتمل أن يُمكّن هذا التشرذم السلطة التنفيذية من التحايل على الضوابط والتوازنات الدستورية المقصودة أو إضعافها. وبالتالي، فإن التركيز التاريخي للسياسيين على "الشكليات الرمزية"، كما ذُكر في المقدمة، ليس سطحيًا فحسب، بل يُسهم بشكل فعّال في تآكل نزاهة الحكم من خلال إعطاء الأولوية للشكل على الالتزام العملي والجوهري بالقانون الأساسي.
تفتيت السلطة القضائية لإشباع الانبهار بالشكليات الرمزية
• من تعدد المحاكم إلى سلط قضائية متوازية
تظهر القوانين الناظمة لعمل المحاكم المتعددة في دولة فلسطين أنه تم تحويلها إلى سلط قضائية متعددة ومستقلة مخالفة لأحكام القانون الأساسي الذي نص على وجود سلطة قضائية واحدة ومجلس أعلى واحد مشكل بموجب قانون السلطة القضائية "مجلس القضاء الأعلى للقضاء النظامي". ويمكن النظر إلى القوانين التي عززت تفتيت السلطة القضائية من حيث المرجعية والإشراف كما يلي:
نص قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 3 لسنة 2006 وتعديلاته على أن المحكمة الدستورية العليا هيئة قضائية قائمة بذاتها وفقا لأحكام المادة الأولى منه، وتم انشاء الجمعية العامة للمحكمة التي تؤلف من جميع أعضاء المحكمة الدستورية، وهي التي تتولى التنسيب لملئ الشواغر الوظيفية في المحكمة. ووجوب استشارة الجمعية العامة للمحكمة في مشاريع القوانين المتعلقة بالمحكمة قبل إحالتها إلى المجلس التشريعي على أن تبدي رأيها بذلك خطياً خلال شهر من تاريخ تسلمها تلك المشاريع.
أنشأ القرار بقانون رقم 8 لسنة 2021 بشأن القضاء الشرعي مجلس القضاء الشرعي بموجب المادة 32 منه، فيما المادة 35 منحته صلاحية التنسيب للرئيس لتعيين القضاة الشرعيين، وابداء الرأي في مشروعات القوانين التي تنظم أي شأن من شؤون القضاء الشرعي.
أما القرار بقانون رقم 2 لسنة 2018 بشأن الهيئة القضائية لقوى الأمن فقد أنشأت المادة مجلس لهيئة القضاء العسكري فيما يتولى رئيس الهيئة صلاحية التنسيب للقائد الأعلى لشغل الوظائف القضائية العسكرية وفقا لأحكام المادة 20 من القرار بقانون.
فيما أنشأ القرار بقانون رقم (41) لسنة 2020م بشأن المحاكم الإدارية هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها تسمى "المحاكم الإدارية"، وقد أنشأت المادة 13 من ذات القانون الجمعية العامة للمحاكم الإدارية (مجلس القضاء الاداري الأعلى) من رئيس ونائب رئيس المحكمة الإدارية العليا ورئيس النيابة الإدارية، وأقدم خمسة من قضاتها. ووفقا لأحكام المادة 7 فإن الجمعية العامة تتولى صلاحية التنسيب لتعيين الوظائف القضائية كرئيس المحكمة الإدارية ونائبه وقضاتها للرئيس الفلسطيني ورئيس النيابة الإدارية. بالإضافة إلى ابداء الرأي في مشاريع القوانين المتعلقة بالمحاكم الإدارية، إضافة إلى اختصاصاتها المنصوص عليها في هذا القرار بقانون.
• تفتيت السلطة القضائية ارهاق للخزينة العامة
أشارت جميع القوانين الناظمة "للسلطات القضائية" المنشأة بموجبها على انشاء دوائر فنية وهياكل إدارية مساندة بالإضافة إلى الاحتياج لمقرات متعددة لتتمكن هذه "السلطات" من القيام بعملها. الأمر الذي يضاعف من أعداد الموظفين الإداريين وعلو مراتبهم الإدارية، ويزيد من الأعباء المالية على الخزينة العامة في ظل ظروف مالية غاية في الصعوبة لدى الدولة. ناهيك عن انشغال كثير من القضاة في أعمال إدارية وفنية بسبب تعدد السلطات القضائية. إضافة إلى ذلك تتجاوز نسبة الرواتب للعاملين في السلطات القضائية "النظامي والشرعي والدستوري" الـ75% من الموازنة المخصصة لها .
• ضعف عدد القضاة لا يحتاج إلى إدارات متعددة متشابه في السلط القضائية المفتتة
تظهر الاحصائيات المنشورة من السلطات القضائية (باستثناء الهيئة القضائية لقوى الأمن) ضعف عدد القضاة أنفسهم حيث يبلغ عدد القضاة العاملين في السلطات القضائية 304 قاض وقاضية، منهم 227 في القضاء النظامي وفقاً للتقرير السنوي لمجلس القضاء الأعلى للعام 2023 ، و21 في المحاكم الإدارية حتى عام 2024، و9 في المحكمة الدستورية ، و47 في القضاء الشرعي . الأمر الذي يشير إلى مسألتين أنّ هذا العدد لا يحتاج إلى دوائر وهياكل إدارية وفنية متعددة أو أجسام سلطوية متعددة من جهة، في المقابل يتطلب ذلك وجودهم في جسم قضائي واحد وإشراف "إداري" مجلس قضاء أعلى واحد من جهة ثانية.
• تكديس هرم مقلوب في الوظائف القضائية العليا
تشير الاحصائيات الخاصة بأعداد القضاة إلى أنّ حوالي 18% هم من كبار القضاة يحملون صفة قاضي عليا أو رئيس محكمة عليا في أجهزة القضاء، باستثناء الهيئة القضائية لقوى الأمن، أي 54 من إجمالي 304 قاضياً وقاضيةً، حيث تظهر احصائيات مجلس القضاء الأعلى أنّ أعضاء المحكمة العليا يشكلون حوالي 12% من مجمل قضاة السلطة القضائية "القضاء النظامي"، فيما يشكل قضاة المحكمة الإدارية العليا حوالي 57% من اجمالي القضاة في المحاكم الإدارية (12 قاضيا في المحكمة الإدارية العليا مقابل 9 قضاة في المحكمة الإدارية). فيما بلغ عدد قضاة المحكمة الدستورية العليا 9 قضاة. وخمسة قضاة عليا في القضاء الشرعي من اجمالي 47 قاضيا وقاضية أيّ حوالي 11%.
• الجدوى والإنجاز في العمل
أشار الموقع الإلكتروني للمحكمة الدستورية إلى أنّها أنجزت على مدار التسع سنوات الفائتة 153 حكماً وقراراً ودعوى تنازع؛ شكلت القرارات الاستشارية "أي الاستفسارات المقدمة من الأطراف الرسمية" 27% من إجمالي القضايا المنظورة، بوجود 9 قضاة في المحكمة الدستورية . في المقابل فإنّ محكمة النقض أنجزت 12,241 حكماً في السنوات الأربع (2020- 2023) بوجود ما بين 24 و33 قاضياً وقاضية. أي بمعدل سنوي حوالي 3000 حكم. الأمر الذي يتطلب النظر في الجدوى من وجود المحكمة الدستورية بمقارنة الانجاز القائم في السنوات الماضية مع التكلفة المالية المرتفعة .
لم نتمكن من معرفة حجم العمل في القضاء الإداري لعدم نشر المحكمة التقارير السنوية حتى ذلك التقرير الذي تم تسليمه في العام 2023 للرئيس الفلسطيني . أشارت تقارير مجلس القضاء الأعلى إلى أنّ عدد القضايا الواردة لمحكمة العدل العليا في السنوات 2017-2019 كان 1011 قضية أيّ بمعدل سنوي حوالي 337 قضية فيما الإنجاز كان بمعدل 312 قضية سنوياً على مدار السنوات الثلاث . في المقابل تشير ذات التقارير إلى أنّ 13% من القضايا المفصولة في المحاكم النظامية يتم الطعن بها أمام محكمة النقض، وبالقياس على ذلك فإنّ حوالي أربعين قضية سيتم الطعن بها سنوباً أمام المحكمة الإدارية العليا. الأمر الذي يفتح النقاش حول جدوى أنْ يكون عدد قضاة المحكمة الإدارية العليا أكبر من عدد قضاة المحكمة الإدارية (12 قاضياً في المحكمة الإدارية العليا مقابل 9 قضاة في المحكمة الإدارية) مقارنة بالعبء المفترض.
• تقاعد قضاة المحكمة الدستورية يشكل هدراً للمال العام
منح القرار بقانون رقم 32 لسنة 2022 بشأن تعديل قانون المحكمة الدستورية العليا رقم (3) لسنة 2006م وتعديلاته قضاة المحكمة الدستورية تقاعداً خاصاً على النحو الآتي: 1. يستحق رئيس المحكمة ونائبه وأعضائها أو ورثتهم حال تقاعدهم راتبًا تقاعديًا بواقع (12.5%) عن كل سنة قضاها في الخدمة، بما لا يقل عن (50%) ولا يزيد على (70%) من إجمالي الراتب، وبما لا يجحف بحقوق القضاة وأعضاء النيابة السابقين. 2. تنطبق أحكام الفقرة (1) من هذه المادة على رئيس المحكمة ونائبه وقضاتها في حالة قبول الاستقالة والمصادقة عليها، شريطة توفر مدة خدمة في المحكمة لا تقل عن ثلاث سنوات. 3. لا يجوز لرئيس المحكمة ونائبه وأعضائها الجمع بين الراتب الشهري أو أي راتب تقاعدي آخر من الخزينة العامة".
يأتي هذا التعديل في مخالفة لقواعد القانون العام المتعلقة بمبادئ العدالة الاجتماعية وقاعدة المساواة أمام القانون المنصوص عليه في القانون الأساسي المعدل وبخاصة أقرانهم من القضاة في المحاكم الأخرى من جهة. ومن جهة ثانية تقويض أسس نظام التقاعد القائم على أساس الدفع المسبق لاستحقاقات مستقبلية، وتوفر خمسة عشر عاماً على الأقل للحصول على تقاعد الشيخوخة. ومن جهة ثالثة حمّل خزينة الدولة أعباء مالية إضافية تدفعها الأجيال القادمة دون وجه حق، وشكل هدراً للمال العام من جهة رابعة.
الخلاصة وتوصيات لإصلاح جوهري للسلطة القضائية
إنّ الإصلاح الشامل للجهاز القضائي الفلسطيني المتمحور حول إعادة توحيده في ظل مجلس قضاء أعلى مُعزز وديمقراطي، يتجاوز مجرد التعديلات الإدارية؛ فهو ضرورة مُلحة لتعزيز سيادة القانون، وضمان الالتزام التام بالمبادئ الدستورية، وصون استقلال القضاء الجوهري. وقد أدى التشرذم الحالي بوضوح إلى تآكل حاد في النزاهة السياسية، وإهدار مالي كبير، وتراجع كبير في ثقة الجمهور في نظام العدالة.
إن وجود قضاء موحد، مستقلّ، وذا كفاءة عالية ليس مجرد نتيجة مرغوبة، بل هو شرط أساسي لتحقيق الحكم الرشيد، وتعزيز النزاهة السياسية، وحماية حقوق وحريات جميع المواطنين حمايةً راسخة. ومن خلال التنفيذ الدؤوب للتوصيات الشاملة الواردة في هذه الورقة السياساتية، يمكن لفلسطين أن تشرع في مسارٍ تحولي نحو بناء نظام عدالة أكثر تماسكًا ومساءلة، وأكثر فعالية في نهاية المطاف، يخدم المصلحة العامة بصدق، ويعزز الأسس الديمقراطية للدولة.
يتطلب تحقيق هذه الأجندة الإصلاحية الحيوية بنجاح إجراءات تشريعية حاسمة، والتزامًا راسخًا بالمبادئ الدستورية، وإرادة راسخة للتغلب على المصالح الشخصية المتجذرة التي استفادت من النظام الحالي المجزأ وغير الفعال. تُقدم الإصلاحات المُفصّلة في هذه الورقة خارطة طريق واضحة وقابلة للتنفيذ لتحقيق قضاء فلسطيني مستقل، وذي الكفاءة عالية، ويحظى بثقة واحترام الجمهور.
إنّ إعادة بناء الجهاز القضائي الفلسطيني تحت سقف مجلس القضاء الأعلى في إطار التنفيذ الأمين للقواعد الدستورية الراعية لمبدأ فصل السلطات المُرسم في القانون الأساسي الفلسطيني، والناظمة للجهاز القضائي؛ بهدف ضمان المشروعية لعمل المحاكم الفلسطينية، وتقوية مجلس القضاء الأعلى، والمساهمة في الحفاظ على استقلالية السلطة القضائية، وضمان الانفاق الأمثل من المال العام، والمحافظة على إدارة أموال دافعي الضرائب بما يعزز الحوكمة والنزاهة السياسية، يتطلب:
أولاً: إعادة النظر في القوانين المنشأة للسلط القضائية المتعددة والمتوازية وتحويل المحاكم القائمة إلى محاكم متخصصة في إطار سلطة قضائية واحدة تضم كل من القضاء النظامي والإداري والدستوري والشرعي بما ينسجم مع أحكام المواد 101 و102 و103، وتعديل قانون تشكيل المحاكم رقم 5 لسنة 2001 وتعديلاته لتحقيق هذه الغاية؛ تحت إدارة مجلس القضاء الأعلى.
ثانياً: العودة للعمل بأحكام المادة 104 من القانون الأساسي بحيث تتولى المحكمة العليا مؤقتاً جميع المهام المسندة المحكمة الدستورية العليا.
ثالثاً: الإبقاء على إعمال مبدأ التقاضي أمام المحكمة الإدارية على درجتين باعتبارها محاكم متخصصة على غرار محكمة جرائم الفساد في إطار القضاء النظامي "السلطة القضائية"، والاستعانة بالتجربة الأردنية كونها التجربة الأقرب من حيث النظام والتقاليد القانونية والتطور المؤسسي والحجم السكاني.
رابعاً: معالجة العوار القانوني الذي لَحِقَ بالتعيينات في المحاكم المحدثة بموجب قانون المحاكم الإدارية والمحكمة الدستورية، وآليات التعامل مع المنتج منها كأحكام وقرارات بما لا يحدث تغييراً في المراكز القانونية المنشأة بموجبها.
خامساً: تطوير بنية مجلس القضاء الأعلى وتقويته بانتخاب أعضائه، وتوسيع عضويته بضم شخصيات حقوقية ومجتمعية من خارج السلك القضائي، بما يعكس وجهات النظر المختلفة داخل المجتمع، ويعزز من مشروعية المجلس القضائي الأعلى، ويساهم في منع التركيز المفرط للسلطات في هيئة إشرافية واحدة، وتجنب إثارة ادعاءات متعلقة بالعصبوية المهنية للقضاة، وتيسير الرقابة الديمقراطية على جودة وحيادية تطبيق العدالة.
سادساً: تقتضي ضمانات تقوية مجلس القضاء الأعلى (1) أنْ يتم اختيار أعضاء المجلس القضائي بطريقة علنية وشفافة من أجل القضاء على مخاطر التدخل السياسي. و(2) اتخاذ تدابير مناسبة لضمان مراعاة منظور النوع الاجتماعي في تكوين المجلس لتشجيع المساواة بين الرجل والمرأة داخل الهيئات القضائية. و(3) أنْ يعهد لمؤسسات غير سياسية بانتخاب الأعضاء غير القضاة في المجلس، ومنع تدخل السلطة التنفيذية في اختيار هؤلاء الأعضاء أو تعيينهم.
سابعاً: إعادة دمج الدوائر الفنية كالتفتيش والإدارية والمالية المختلفة في إطار الدوائر المنشأة بموجب قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002.
ثامناً: إعمال مبدأ العادلة والمساوة بين القضاة وفقا لأحكام المادة 9 من القانون الأساسي "الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم" وذلك بإلغاء التقاعد الاستثنائي الذي يحوز عليه قضاة المحكمة الدستورية.

محدث: دول غربية تفرض عقوبات على بن غفير وسموتريتش وغضب إسرائيلي من القرار

الرئيس عباس لماكرون: نؤيد نزع سلاح حماس وانتشار قوات دولية بغزة

تقرير: ترامب يجتمع مع كبار المستشارين حول إيران وغزة

يديعوت أحرونوت: حزب الله يحاول استعادة قدراته بالتركيز على تصنيع الطائرات المسيرة

تقرير: واشنطن وتل أبيب تقرران إنهاء مهمة "يونيفيل" في جنوب لبنان

المملكة المتحدة فرنسا وكندا تضع إطارًا للاعتراف بدولة فلسطينية وهذه هي الشروط

تقرير: "بن غفير يتهم سموتريتش بتخصيص أموال إسرائيلية لتمويل مساعدات لغزة بشكل سري"
