
هل تخشى الدول العربية مفاوضة ترامب بشأن الرسوم الجمركية؟
صدى نيوز -أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس الأربعاء، عن دفعة جديدة من الرسوم الجمركية المتبادلة التي ستدخل حيز التنفيذ في الأول من أغسطس، وتشمل عدداً من الدول العربية هي العراق والجزائر وليبيا، إضافة إلى تونس.
مع ذلك، لم تبادر أي دولة عربية حتى الآن إلى إجراء مفاوضات رسمية مباشرة مع واشنطن لتخفيف أو إلغاء الرسوم الجمركية التي أعلنتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الثاني من أبريل الماضي.
ورغم مد المهلة التي حددها ترمب لمدة 90 يوماً، والتي قال إن أكثر من 75 دولة استغلتها للتفاوض بشأن الحواجز التجارية، حتى الأول من أغسطس، ما يزال الموقف العربي مغايراً تماماً لتحركات دول أخرى. فالمملكة المتحدة والصين وفيتنام، على سبيل المثال، توصلت إلى اتفاق بالفعل مع واشنطن، كما تقترب عدة دول من إبرام صفقة رسوم جمركية مع الرئيس الأميركي خلال الأيام وربما الأسابيع المقبلة.
والسؤال الأبرز الآن هو: لماذا لم تسارع أي دولة عربية للتفاوض خلال الفترة الماضية؟ وهل يرجع ذلك إلى ثقة ضمنية بإمكانية التوصل إلى صفقة قبل الأول من أغسطس؟ أم أن هذه الرسوم لا تمثل عبئاً حقيقياً على اقتصادات دول المنطقة؟
1) ما حجم الرسوم التي فرضها ترمب على الدول العربية، ومن الأكثر تضرراً؟
وفق آخر تحديث لنسب الرسوم، فرض ترمب على دول العراق والجزائر وليبيا رسوماً جمركية متبادلة بنسبة 30%. و25% على تونس.
فيما تفاوتت نسب التعريفات الجمركية التي فرضها ترمب على الدول العربية الأخرى خلال ما أسماه "يوم التحرير". حيث فرض الحد الأدنى من الرسوم المتبادلة على غالبية الدول العربية بواقع 10%، وتنطبق تلك النسبة على السعودية ومصر والإمارات وباقي دول المنطقة فيما عدا الأردن (20%)، وسوريا (41%)، وهي الدولة العربية صاحبة أعلى رسوم حتى الآن.
وحذرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) من تداعيات تلك الرسوم التي تهدد صادرات عربية غير نفطية إلى السوق الأميركية تُقدّر قيمتها بـ22 مليار دولار.
من بين الدول التي يُتوقع أن تواجه ضغوطاً اقتصادية كبيرة جراء هذه السياسات البحرين ومصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس. ويُعد الأردن الأكثر تضرراً، حيث تشكل صادراته إلى الولايات المتحدة نحو 25% من إجمالي صادراته العالمية، مما يجعله في وضع هش، وفق "الإسكوا".
وتواجه البحرين تحديات اقتصادية إضافية بسبب اعتمادها الكبير على السوق الأميركية في تصدير الألمنيوم والكيماويات، وهما من القطاعات المستهدفة مباشرة بهذه الرسوم.
كما تواجه الإمارات مخاطر تهدد سوق إعادة التصدير لديها إلى الولايات المتحدة، والتي تُقدّر قيمتها بنحو 10 مليارات دولار، خاصةً مع فرض رسوم مرتفعة على السلع القادمة من مصادرها الأصلية، بحسب تقرير "الإسكوا".
وجاءت الإمارات والبحرين ضمن قائمة أكبر مصدري الألمنيوم إلى الولايات المتحدة خلال 2024، بحسب بيانات "بلومبرغ". وحلّت الإمارات بالمركز الثاني مع صادرات بنحو مليار دولار، فيما جاءت البحرين سادساً إذ بلغت قيمة صادراتها نحو 500 مليون دولار. وفرض ترمب مؤخراً قراراً بفرض رسوم جمركية 25% على جميع واردات الألمنيوم والصلب.
2) ما حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والولايات المتحدة؟
انخفضت الصادرات العربية إلى الولايات المتحدة من 91 مليار دولار في 2013 (ما يعادل 6% من إجمالي صادرات المنطقة) إلى 48 مليار دولار فقط في 2024 (نحو 3.5%)، ويرجع ذلك أساساً إلى تراجع واردات الولايات المتحدة من النفط الخام والمنتجات البترولية.
مع ذلك، تضاعفت الصادرات غير النفطية من الدول العربية إلى الولايات المتحدة خلال الفترة ذاتها، إذ ارتفعت من 14 مليار دولار إلى 22 مليار دولار في 2024، مما يدل على تنوع اقتصادي متنامٍ بات الآن مهدداً جراء الإجراءات الحمائية الجديدة، وفق "الإسكوا".
الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على السلع العربية سيكون لها تأثير مباشر على هذه الصادرات غير النفطية إلى السوق الأميركية، في حين أُعفيت صادرات النفط والمنتجات البترولية من الزيادات الجمركية الجديدة، حسب" الإسكوا".
تحافظ الولايات المتحدة على فائض تجاري مع المنطقة العربية منذ عام 2015، وبلغ حوالي 20 مليار دولار في عام 2024. وتتمتع معظم الدول العربية بحصة متوسطة أو منخفضة من الصادرات إلى السوق الأميركية، باستثناء الأردن. وتهيمن صادرات الطاقة والمنتجات المعدنية على الصادرات العربية إلى الولايات المتحدة.
بلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة 32.5 مليار دولار في 2024، حيث بلغت صادرات السعودية إلى الولايات المتحدة 12.8 مليار دولار، كان من أبرزها المعادن، الأسمدة، والمنتجات الكيماوية العضوية، بينما سجلت واردات السعودية من الولايات المتحدة 19.7 مليار دولار، تضمنت الآلات، السيارات، والأجهزة الطبية.
كما استحوذت دول الخليج العربي على 54% من حجم التجارة بين أميركا ودول الشرق الأوسط خلال الربع الأول من 2025، والتي بلغ إجماليها 34.7 مليار دولار.
ووفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الأميركي، بلغ إجمالي قيمة التبادل التجاري بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي 18.8 مليار دولار خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الجاري. وتصدرت الإمارات دول الخليج كأكبر شريك تجاري للولايات المتحدة بقيمة تبادل تجاري بلغت 8.8 مليار دولار في الربع الأول، تلتها السعودية بـ5.8 مليار دولار.
فيما سجلت مصر أعلى نسبة نمو في التجارة مع أميركا على مستوى الشرق الأوسط بلغت 69%. وسجلت التجارة بين الكويت وأميركا أكبر نمو بين شركاء أميركا في منطقة الخليج، بزيادة 59% مقارنة بالربع الأول 2024.
3) لماذا لم تسعَ أي دولة عربية للتفاوض مع ترمب للتخلص من هذه الرسوم؟
يرى محللون أن غياب تفاوض عربي مع إدارة ترمب بشأن الرسوم الجمركية يعود إلى انخفاض نسبتها في معظم الدول إلى الحد الأدنى (10%)، واستثناء المنتجات النفطية، فضلاً عن وجود اتفاقيات تقلل من التأثير أو ضعف الصادرات إلى السوق الأميركية. لكن مع ذلك قد تدفع تحذيرات ترمب التي أطلقها بالأمس للدول الثلاث (العراق، الجزائر، وليبيا) ومن قبلهم تونس، هذه الدول للتحرك عاجلاً.
وفي الإمارات، كشفت مصادر لـ"رويترز" أن مناقشات غير رسمية جرت مع واشنطن لتخفيف الرسوم على صادرات الصلب والألمنيوم، لكن الطرفين لم يعلنا عن أي شيء رسمياً بعد.
أما مصر، فتركز على تعديل اتفاقية "الكويز" التي تُعفي نصف صادراتها من الجمارك الأميركية، فيما ترى مصادر رسمية تحدثت لـ"الشرق" أن تنويع الأسواق يعزز موقف القاهرة.
الدكتور محمد أنيس، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، قال لـ"الشرق" إن "حجم التجارة بين مصر وأميركا أقل من 10 مليارات دولار، وهناك فائض لصالح واشنطن، ما يجعل التفاوض مع القاهرة غير أولوية".
وأضاف أن "نصف الصادرات محمي باتفاقية الكويز، والنصف الآخر يمكن امتصاص رسومه، لأن منافسي مصر يدفعون نسباً أعلى".
وفي المغرب، أوضح الباحث الاقتصادي يوسف كراوي أن "الرسوم المفروضة لا تستدعي تحركاً تفاوضياً"، مشيراً إلى أن "الرباط تفضل معالجة العجز التجاري مع واشنطن عبر أدوات طويلة الأجل بدلاً من الدخول في مفاوضات معقدة".
كذلك في العراق، أوضح مستشار رئيس الوزراء د. مظهر محمد صالح لـ"الشرق" أن بلاده ليست ضمن الشركاء الصناعيين الرئيسيين للولايات المتحدة، وأن صادراتها الحالية تقتصر على النفط الخام، الذي لا يخضع للرسوم.
فيما يرى الخبير المالي د. صفوان قصي عبد الحليم أن "العراق بحاجة لتحديد العلاقة الجمركية مع واشنطن منذ الآن، خاصة مع تطلعه لتصدير الفوسفات والأسمنت مستقبلاً"، مشيراً إلى أن "البيئة الدولية قد تتيح فرصاً تصديرية للعراق إذا جرى ترتيب قواعد التعامل الجمركي مبكراً وبوضوح".
وفي البحرين، قال د. حسن الحسن، زميل أول في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لـ"الشرق"، إن "الرسوم الأميركية من بين الأدنى عالمياً، ومن غير المجدي الدخول في مفاوضات مع اقتصاد ضخم مثل أميركا"، مضيفاً أن "اتفاقية التجارة الحرة الموقعة عام 2004 لم تحمِ البحرين، في ظل تجاوز إدارة ترمب لأسس النظام التجاري الدولي".
كما أنه ورغم أهمية القرار سياسياً، فإن جولة ترمب الخليجية التي أعقبت الإعلان –وشملت السعودية وقطر والإمارات– أسفرت عن تعهدات استثمارية بقيمة 3.6 تريليون دولار، مما خفّف من الحاجة إلى تفاوض مباشر بشأن الرسوم.
وعلى صعيد الأردن -أحد أبرز الدول العربية المهددة بالرسوم الأميركية- قال د. رعد محمود التل، رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة الأردنية، إن "عدم تفاوض عُمان يعود إلى الاعتماد على اتفاقية التجارة الحرة منذ 2001، ورغبة الحكومة في تجنب الدخول في مفاوضات حساسة مع إدارة متشددة".
وأضاف أن "القطاعات الأردنية المتضررة محدودة، لكن هناك أثراً غير مباشر يتمثل في تراجع التنافسية ضمن سلاسل التوريد". وتابع: "قد يسعى الأردن لاحقاً لفتح ملف تفاوضي دبلوماسي، لكن إلغاء الرسوم بعد إقرارها يبدو صعباً"، معتبراً أن "بنود الاتفاقية التجارية يمكن استخدامها للطعن في شمول بعض المنتجات إذا ثبتت محدودية تأثيرها على السوق الأميركية".
ويحذر مراقبون من أن غياب التفاوض قد يعكس أيضاً غفلة من بعض الدول العربية عن خطورة الرسوم على المدى المتوسط، خاصة إذا تحولت إلى نهج دائم يهدد تنافسية الصادرات مستقبلاً.
4) هل هناك دول عربية يمكن أن تستفيد من الرسوم الأميركية؟
نعم، فقد تحاول بعض الدول العربية الاستفادة من مسألة الرسوم الجمركية المرتفعة على دول مثل الصين، وتعمل جاهدة لنقل المصانع الصينية إلى العمل لديها والتصدير منها إلى السوق الأميركية وفق معدل تعريفة جمركية منخفضة.
على سبيل المثال، قد تتيح الرسوم للصادرات المصرية والمغربية دخول الأسواق الأوروبية والأميركية، خاصة مع القاعدة الصناعية القوية في البلدين، وفق أحمد شمس الدين رئيس قطاع البحوث في "إي إف جي" في حديث سابق مع "الشرق".
رئيس قسم البحوث أوضح أيضاً أن مصر لديها فرص قوية في الصناعات التحويلية والتعهيد بما لها من ميزة تنافسية في الأسواق الغربية، وكذلك الوضع في المغرب، لا سيما في صناعة السيارات.
وينطبق الأمر نفسه على دول الخليج، فثمة تطور كبير في الاقتصاد غير النفطي مثل صناعة السيارات الكهربائية، وغيرها من القطاعات الأخرى غير المرتبطة بالنفط. واختتم شمس الدين: "الاقتصاد غير النفطي بات القاطرة التي ينمو بها اقتصادا السعودية والإمارات في السنوات الخمس الأخيرة".
5) ما التوقعات الآن بعد تحذير ترمب لـ4 دول عربية؟
قد تتجه إدارة دونالد ترمب نحو فرض رسوم جمركية تصل إلى 30% على صادرات الدول العربية الأربعة التي حذرها خلال اليومين، خصوصاً إذا لم تُبادر بأي تحرك تفاوضي أو تقديم تنازلات.
وكان الرئيس الأميركي قال في البداية إنه لا ينوي التمديد بعد 9 يوليو، قبل أن يُصدر قراراً لاحقاً بمد المهلة حتى 1 أغسطس، وكرر تهديده بإنهاء المحادثات وفرض معدلات رسوم جمركية على عدد من الدول بداية من الشهر المقبل، مع رفع سقف الرسوم إلى 70%.
فيما تتعدد التوقعات بالنسبة للدول العربية التي لم يتطرق لها في خطاباته خلال الـ48 ساعة الماضية، ومنها، استمرار الرسوم على نسبتها الحالية بدون تغيير كما فُرضت في الثاني من أبريل. وقد تباشر بعض الدول العربية بفتح قنوات تفاوض رسمية مع الإدارة الأميركية لطلب استثناءات أو تخفيف الرسوم مثل الإمارات والبحرين (الأكثر تضرراً من رسوم الألمنيوم).
بينما يمكن أن تحافظ دول أخرى على موقفها الساكن دون الدخول في مفاوضات مع إدارة ترمب، والاستسلام للرسوم الجديدة، خاصة إذا لم يكن تأثيرها بالغ السوء عليها.

استثمار أم تصفية؟.. 300 مليار دولار لإعادة إعمار غزة

ترامب يُعلن عن رسوم جمركية جديدة على دول عربية

استقرار أسعار النفط وسط توترات تجارية

أسعار صرف العملات مقابل الشيكل الخميس (10 تموز)

محافظ سلطة النقد يبحث مع رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي التعاون المالي وتحديات القطاع المصرفي

في ظل سياسات ترامب التجارية.. استقرار أسعار الذهب

أسعار النفط تشهد استقراراً بعد مكاسب يومين
