أجهزة بلا كفالة وبلا حماية.. الهواتف غير الرسمية تغزو الأسواق الفلسطينية
مال وأعمال

أجهزة بلا كفالة وبلا حماية.. الهواتف غير الرسمية تغزو الأسواق الفلسطينية

اقتصاد صدى- في قلب السوق الفلسطينية، حيث الإقبال المتزايد على الهواتف الذكية لا يتوقف، تزدهر تجارة موازية لا يعرفها كثيرون. تجارة تدخل من "الثغرات"، وتزاحم أجهزة الهواتف الرسمية على الرفوف، وتخطف أنظار المستهلكين بأسعار مغرية، لكنها تخفي خلف شاشاتها خطرا صامتا. 

فوفق بيانات خاصة حصل عليها "الاقتصادي" من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغت قيمة الهواتف المستوردة رسميا إلى الضفة الغربية نحو 125 مليون دولار سنويا، لتحتل مرتبة متقدمة ضمن أكثر عشر سلع استهلاكا في السوق الفلسطينية. لكن، ما لا تلتقطه الإحصاءات بشكل دقيق، هو حجم السوق السوداء الذي يغذي هذه الأرقام من الخلف.

هواتف بلا جواز سفر

تجار ومستوردون في سوق الهواتف النقالة، تحدثوا لـ"الاقتصادي" عن اختلال واضح في منظومة الرقابة على الأجهزة الخلوية المستوردة. فبينما تدخل بعض الهواتف بطرق قانونية، تنساب آلاف الأجهزة الأخرى عبر المعابر الإسرائيلية أو من دول مثل الهند وباكستان، دون أن تمر بأي فحص أو توثيق رسمي.

من ناحية ثانية، اشتكى تجار من أن غياب الرقابة الفعالة على سوق الهواتف المحمولة تَسبب بخسائر سنوية تُقدّر بملايين الدولارات من الإيرادات الضريبية، خصوصا أن نسبة كبيرة من الأجهزة المتداولة في السوق الفلسطينية تدخل دون التصريح عنها للجهات المختصة أو دون دفع الرسوم الجمركية المستحقة، ما يُسهم في تعميق الفجوة المالية ويُخلّ بتكافؤ الفرص بين التجار الملتزمين وغير الملتزمين.

هذه الهواتف، وإن بدت جديدة ومغرية السعر، إلا أنها -حسب ما يؤكده خبير الاتصالات المهندس رياض طنطاوي- قد تكون قنابل مؤجلة. فمن غياب الكفالة، إلى برمجيات معدّلة، وأعطال غير قابلة للإصلاح، يصبح الهاتف في يد المستهلك الفلسطيني مجرد "جهاز غير آمن".

خطر مزدوج

الخطر الأكبر، وفق ما يؤكده خبير الاتصالات المهندس رياض طنطاوي، لا يكمن فقط في الاقتصاد، بل في الأمن الرقمي وسلامة المستخدم.

ويصف طنطاوي هذه الهواتف بأنها "مجهولة النَسَب"، لا تُعرف مصادرها بدقة، ولا يمكن تتبع رحلتها من بلد المنشأ إلى يد المستهلك، وهو ما يفتح الباب أمام سيل من المخاطر التي تبدأ بالجودة ولا تنتهي عند البيانات الشخصية.

فمن الناحية الفنية، يشير طنطاوي إلى أن جزءا كبيرا من هذه الهواتف يكون مُجددا أو مقلدا، رغم أنها تُباع على أنها جديدة. وقد تم تجميعها من أجهزة تالفة أُعيد تصنيعها، أو جرى تقليدها بشكل خارجي دقيق لا يفضحه سوى فحص تقني معمّق.

وعندما يتعطل الجهاز، يجد صاحبه نفسه في مواجهة واقع مرير: لا كفالة، ولا صيانة، ولا قطع غيار أصلية. إذ ترفض مراكز الصيانة المعتمدة التعامل مع أجهزة غير مسجلة رسميًا، خاصة إذا كانت مدرجة ضمن قائمة أجهزة "مبلّغ عنها" بسبب الفقدان أو عدم تسديد أقساطها في دول مثل الولايات المتحدة أو دول الخليج.

ويضيف طنطاوي أن بعض هذه الأجهزة لا تدعم الترددات المحلية لشبكات الاتصال الفلسطينية، مما يؤدي إلى مشاكل في التغطية والانقطاع المفاجئ في المكالمات أو الإنترنت، وهو ما يشتكي منه العديد من المستخدمين دون أن يعلموا أن السبب يعود لمصدر الجهاز نفسه.

لكن الأخطر -كما يحذّر- يكمن في أن هذه الهواتف غالبا ما تكون محملة بأنظمة تشغيل معدّلة أو غير أصلية، تعرّض الجهاز للثغرات، وتحرم المستخدم من التحديثات الدورية، ما يجعل بياناته الشخصية -من صور ومحادثات وحسابات بنكية- عرضة للانتهاك أو القرصنة دون أن يشعر.

محاولات لضبط الفوضى

في محاولة للسيطرة على هذا الانفلات، شرعت هيئة تنظيم الاتصالات الفلسطينية بالتعاون مع جهاز الضابطة الجمركية بتنفيذ حملات تفتيش على محلات الاتصالات، تم خلالها ضبط 45 جهازا خلويا غير قانوني في أولى الجولات الممنظمة من قيل الهيئة. 

وأكدت الهيئة، في بيان لها، أنها ماضية في تنظيم السوق، داعية التجار والمستوردين إلى الالتزام بالأنظمة المعمول بها، في خطوة تأخرت كثيرًا بحسب رأي مختصين.

وفي حديث خاص لـ "الاقتصادي"، أكد المهندس ليث دراغمة، المدير التنفيذي لهيئة تنظيم الاتصالات، أن تنظيم سوق أجهزة الهواتف المحمولة يحتل أولوية قصوى لدى الهيئة، مشيرا إلى أن العمل جارٍ حاليا على إصدار تعليمات جديدة من شأنها ضبط هذا القطاع وتعزيز الرقابة عليه، بالتعاون مع الجهات الشريكة، وعلى رأسها جهاز الضابطة الجمركية ووزارة المالية.

وشدد دراغمة على أن المرحلة المقبلة ستشهد خطوات أكثر فاعلية في مواجهة عمليات التهريب، بما يضمن حماية المستهلك الفلسطيني وتنظيم سوق الهواتف بما يتماشى مع المعايير والمواصفات المطلوبة، لكنه لم يذكر تفاصيل عن طبيعة هذه الإجراءات. 

النموذج الأردني: حين تتكلم الأجهزة

وعلى الجهة الأخرى من نهر الأردن، اتخذت هيئة تنظيم قطاع الاتصالات قرارا جريئا: حجب خدمات الاتصالات عن أي جهاز غير موثق ضمن نظام الهيئة، مما يعني أن أي هاتف غير مُسجَّل لن يكون قادرا على إجراء أو استقبال مكالمات.

رئيس مجلس مفوضي الهيئة الأردنية، بسام السرحان، قال في تصريحات لقناة "المملكة" إن هذا القرار يأتي لحماية السوق من الغش، وتوفير نظام رقمي شفاف يضمن تتبع مصدر كل جهاز، ويمنع التحايل على المستهلك أو التهرب الضريبي.

وأكّد السرحان أن الأجهزة الرسمية المبيعة من شركات مرخصة لا تواجه أي مشاكل مع النظام، مشيرا إلى أن تهريب الهواتف تسبب سابقا بخسائر جمركية كبيرة للدولة.

المصدر: الاقتصادي