نحن أيضا بحاجة إلى أن نزرع الأمل قبل القمح
مقالات

نحن أيضا بحاجة إلى أن نزرع الأمل قبل القمح

ليس كل ما يقوله اصحاب فكرة التأجيل عدمي ، وليس كل ما يقوله الرافضون منطقي، ذلك لأن الانتخابات بحد ذاتها موضوع خلافي وترفي مقياسا بحقيقة ما يواجهه الشعب الفلسطيني من احتلال عسكرتاري ، يستهدفنا وأرضنا و حكايتنا (تاريخنا) و تطلعاتنا (مستقبلنا)، بمعنى أن تأجيل الانتخابات لن يؤخر تحرير فلسطين، كما ان اجراءها لن يعجله، فنجد انفسنا صبيحة اليوم التالي من الانتخابات وقد تحررنا من ربق هذا المحتل.

ما يمكن ان نأخذه على المؤجلين والمعارضين ، هو ان الفريقين طبخا طبختهما بسرعة ، فشاطت ، ولم تجد بالتالي من يمد يده لتناولها، الا عيّنات وجدت مصالحها الذاتية الضيقة متضاربة مع مصلحة الشعب في النضال والتحرير، وبالتالي في التأجيل بل والإلغاء، ونقصد هنا الفصائل "الدقيقة" التي اعلنت انها لن تخوض الانتخابات لضآلة حجمها، مما سيترك اثرا مباشرا على استمرارية بقائها في المواقع الأثيرة. ثلاثة من هذه الفصائل لها ثلاثة ممثلين في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير منذ خمسين سنة ، ولو جرت الانتخابات لتبين انها خمسة فصائل او ستة ، وفق استطلاعات الرأي .

لم يقتنع الناس ، عامة الناس ، بقضية القدس ومشاركة المقدسيين سببا في التأجيل ، لعدد كبير من الاسباب، ابرزها - ان الانتخابات المتأخرة عن موعدها اكثر من خمس عشرة سنة، لم تكن القدس سببا في تأخيرها، بل الانقسام العمودي المخزي الذي شق الوطن والشعب .

التوافق على الانتخابات بين الفصيلين الحاكمين لم يكن من اجل الانتخابات وحقوق الناس في اختيار ممثليهم، بل طريقة غير تقليدية في انهاء الانقسام بينهما والذي فشلت عشرات الوساطات في رأبه، ولو ظلت الامور سائرة وفق السيناريو الذي وضعته الحركتان ، لما كانت القدس ولا غيرها لتشكل عقبة تواصلها . لقد اختل هذا السيناريو (قائمة موحدة ورئيس موحد) منذ اعلان ناصر القدوة عن قائمة انتخابية برئاسة الاسير مروان البرغوثي .

ترسيم ثلاث انتخابات متباعدة ، ليس له اي علاقة بالقدس والمقدسيين ، بل باستمراء السلطة واستئثارها . وقرار تأجيل انتخابات المرسوم الاول المتعلق بالتشريعي ، يفترض ان لا يكون له علاقة بالمرسوم الثاني والثالث المتعلقان بانتخابات الرئيس والمجلس الوطني الفلسطيني .

ومهما يكن من شيء ، فهناك دائما افضليات واولويات ، وكما يقال : مهم وأهم ، خطر وأخطر ، الاهم اليوم والاخطر ، ليست الانتخابات ، بل الاحتراب الداخلي بين المؤجلين والرافضين لهذا التأجيل ، والذي من شأنه إذا ابتدأ ان يمتد ليطول مكونات الشعب الذي وجد في الانتخابات أضغاث احلام تداعب وجناته واحلامه ان تتوحد قياداته وتتضافر جهوداته لاستئناف نضالاته ضد عدوه الضالع في مؤامراته ، آخر هذه المؤامرات ، هذه الانتخابات التي لم يوافق عليها ولم يعارضها ، فجاءت على هذه الشاكلة المحبطة والمثبطة . حينها سيجد المؤجلون انفسهم يتمنون لو لم يؤجلوا ، والمعارضون ليتهم لم يستعجلوا ، وفق المأثور الديني: لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع .

في ظروف ألمانيا بعد هزيمتها الماحقة في الحرب العالمية الثانية راجت الشعارات التالية : لا تنتظر حقك / افعل ما تستطيع / ازرع الأمل قبل القمح .

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.