ما بعد التأجيل....!
مقالات

ما بعد التأجيل....!

من كان يعتقد أن إسرائيل ستوافق على تسهيل الانتخابات الفلسطينية يحتاج إلى مراجعة السياسات الإسرائيلية والغوص قليلاً في مراكز دراساتها وقراءة تطور الفكر السياسي فيها، في العقود الثلاثة الأخيرة والتي كانت الدافع الرئيس لتوقيع اتفاقية أوسلو، ففي تلك الدولة لا مجال للمصادفات ولا لسياسة لحظية مبنية على ردات الفعل وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالفلسطيني الذي يزاحمه على الأرض.
أغلب الظن أن الأمر لم يتعلق بالقدس بالنسبة لتل أبيب فقد جرت الانتخابات فيها ثلاث مرات، مرة بعيد عودة السلطة العام 96 ومرة حين انتخب الرئيس محمود عباس لرئاستها بعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات والمرة الثالثة العام 2006 عندما انتخب ثاني وآخر مجلس تشريعي فلسطيني، فلم يكن الأمر حينها يتعلق بمن يقف على رأس حكومتها فالمرة الأخيرة كان أرئيل شارون الذي تفجرت الانتفاضة الثانية بسبب زيارته للأقصى ومع ذلك قبل بإجراء الانتخابات.
في القدس المشكلة لم تكن بالكتلة الكبيرة حيث يبلغ عدد مصوتيها حوالى 180 ألفاً وهم يصوتون أينما يشاؤون خارج البلدة القديمة، بل بعدة آلاف كان عددهم قبل خمسة عشر عاماً 6300 ناخب والآن ربما وصلوا إلى حدود العشرة آلاف، ولم يكن التصويت في مكاتب البريد الإسرائيلي يعطي للفلسطيني هذا القدر من السيادة ولا ينتقص كثيراً من السيطرة والتسيد الاسرائيلي بالقوة على المدينة بقدر ما أن الإسرائيلي أيضاً هذه المرة استخدم القدس كذريعة ووسيلة لمنع الانتخابات الفلسطينية.
القرار الإسرائيلي بمنع الانتخابات هو الأصل، أما القدس فكانت الوسيلة وخصوصاً عندما صعدت القدس لدى الفلسطينيين كخط أحمر لا يمكن تجاوزه أي أنه عزف على الوتر الفلسطيني، ويمكن القول إنه لو قبل الفلسطيني بإجراء الانتخابات بأي شكل وإيجاد حل للآلاف الذين يصوتون في البريد كان الإسرائيلي سيستدعي سبباً آخر لتعطيل الانتخابات.
وعلى الأغلب كانت تلك الرواية في صراع الإرادات بين الجانبين أو بالأحرى صراع المشروع الفلسطيني الذي حطمه الخصم وساهم في تفتيته لأبعد الحدود والإسرائيلي الذي تمكن من النيل من خصمه اللدود.
فهل كان الإسرائيلي سيقدم سلم النجاة لخصمه الذي وجه له هذا الإسرائيلي من الضربات ما يكفي لإصابته بالكساح آخرها ضربة الانقسام والتي يمكن وصفها بـ»ضربة معلم» ارتباطاً بمشاريع مراكز الدراسات؟
لقد وضعنا المعادلة التي صعدت بنا إلى أعلى الشجرة عندما ترك الأمر لقرار الإسرائيلي معتقدين أن الضغوط الدولية يمكن أن تدفعه للموافقة.
وبهذا يمكن الاستنتاج بأن لا انتخابات قادمة وبقينا معلقين بنفس المعادلة الصعبة التي وضعناها دون أن نفكر أو نبدع حلولاً أو مواجهات تنتزع الحق الفلسطيني في القدس كما اعتاد المقدسيون أن يهبونا من النجاحات والانتصارات ما يكفي للثقة بهم.
فالأمر كما سبق لا يتعلق بالآلاف التي ستصوت في البريد الإسرائيلي وقد فعلت سابقاً دون أدنى شعور لدى الإسرائيلي بالمس بسيادته على المدينة عندما يكون التصويت في مؤسساته وليس مؤسسات فلسطينية ذات سيادة. فالأمر هذه المرة يمس بمشروعه المتعلق بالأمن الذي خطط له وأشرف على تنفيذه وهو الانقسام والذي كان سينتهي بالانتخابات.
المشروع الإسرائيلي بالحفاظ على الانقسام وإبقاء غزة منفصلة والذي وضع في ثمانينيات القرن الماضي عندما اكتشفت العقول الإسرائيلية أنه يجب عليها إنزال حمولة غزة وبسرعة، وبكل أسف نفذ هذا المشروع وبأيدٍ فلسطينية كانت على قدر من الجهل السياسي ودهاء الآخر، ووسط جوع السلطة الذي يرقى إلى مستوى الغريزة في العالم العربي ونحن لسنا استثناء من ثقافته حدث ما حدث وليس من المصادفة أن يمتد الفشل في إنهاء الانقسام على امتداد كل تلك السنوات السابقة ولا مجال هنا لسرد أمثلة الفعل الإسرائيلي طوال السنوات في تعزيز هذا الانقسام.
لست متفائلاً بتراجع الإسرائيلي ارتباطاً بمعرفة ماذا يريد الإسرائيلي، ومن يعتقد أن الإسرائيلي سيساعد في إعادة تشكيل نظام سياسي فلسطيني موحد أغلب الظن أنه لم يقرأ جيداً.
وبالتالي يمكن القول إننا بقينا أمام سيناريوهين أحدهما متفائل والثاني شديد التشاؤم، أما الأول وهو تراجع إسرائيل الذي أعتقد أن احتمالاته قليلة ولكن إن حدث سيسجل للرئيس عباس موقفه وقدرته على انتزاع حق تصويت المقدسيين وسيترجم ذلك إلى تأييد وأصوات في حال تم استئناف عملية الانتخابات.
أما السيناريو الثاني فهو أن لا توافق إسرائيل وهو الخيار الأكثر ترجيحاً. وحينها تكون الحالة الفلسطينية قد علقت في وضع أسوأ من السنوات الماضية بل ستسير إلى سيناريوهات فرعية صعبة في غزة بتعزيز الفصل وفي الضفة بمزيد من التفتت المحكم والذي تتحكم به اسرائيل، وإذا كان السيناريو الأول برنامجه واضح ومعروف باستمرار الضغط على المجتمع الدولي، ولكن إذا كنا أمام السيناريو الثاني وعدم موافقة إسرائيل لسنوات قادمة هل فكرنا ما العمل؟
لأن الأمر حينها لا يعني البقاء حيث نحن على سلم الانقسام بل ستفعل السنوات فعلها في تحلل الوضع الفلسطيني نحو نهايات متشائمة لا يتمنى أي فلسطيني مجرد التفكير بها...!

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.