مؤشرات للتأجيل...!
مقالات

مؤشرات للتأجيل...!

«إنني أدعو جدعون ساعر من هنا، الليكود هو بيتك، لقد كبرت في هذا البيت وستستقبل بأذرع مفتوحة تعال لنشكل حكومة يمينية».
هكذا كان يخاطب بنيامين نتنياهو خصمه السابق، واللدود حالياً لأنه خشبة الخلاص الوحيدة ليشكل حكومة، ساعر الذي تحدى نتنياهو على رئاسة الحزب قبل أكثر من عام ثم انشق عن الليكود يستجديه نتنياهو وهو من أكثر متطرفي الليكود الذي يدعوه نتنياهو للانضمام لتشكيل حكومة يمين، وإذا ما ربطنا هذا الاستجداء بالانتخابات الفلسطينية والقدس فهذا يعني أن نتنياهو المتصلب في هذا الملف وبسبب رغبته بتشكيل حكومة يمين سيكون أكثر تصلباً ولن يقدم أي تنازلات في صالح الانتخابات.
المراهنة كانت على أن تتكثف الضغوط الدولية على الحكومة الإسرائيلية، باعتبار أن مطلب إجراء الانتخابات في أحد أبرز جوانبه هو مطلب دولي وخاصة مع إدارة أميركية جديدة ليست كالسابقة التي كانت في جيب نتنياهو الصغيرة ويمكن لهذه الضغوط ربما أن تلزم إسرائيل بالسماح للفلسطينيين بالانتخاب، لكن الإدارة حسمت موقفها إذا ما ذكره مراسل قناة «كان» الإسرائيلية غال بيرغر دقيقا بأن «هناك رسالة من الولايات المتحدة الأميركية إلى القيادة الفلسطينية في رام الله تؤكد فيها أنها لن تعارض تأجيل الانتخابات الفلسطينية وأنها تتفهم ذلك».
وإذا كانت الفصائل خلال الأسابيع الماضية بدأت بتليين محركات عرباتها الانتخابية، كان المزاج الشعبي يراقب بذكاء وبقدر من الإحباط مؤشرات تأجيل الانتخابات والتراجع عنها، وتلك المؤشرات التي كانت تتزايد ويتزايد معها الشك نحو ما يشبه اليقين وأخذ طغيان موضوع القدس بشكل مكثف ما يعطي دلالة على اتجاه الحركة السياسية وان لم يتبق الكثير من الوقت للتأجيل لكنه يشبه الضغط الذي وضعت أمامه الحالة الفلسطينية لحظة إصدار مرسوم الانتخابات والذي يفصله عن إجرائها حوالى أربعة أشهر وهكذا دون مقدمات.
لم تكن تلك الأشهر الأربعة كافية، لكل الفصائل التي أيقنت سابقا أن الانتخابات أصبحت واحدة من المستحيلات الفلسطينية لذا كان التعبير عن ضغط الوقت بقوائم اللحظة الأخيرة التي قدمتها قوائم بما فيها فصائل وكتل كحركة فتح لديها مؤسسات عميقة يمتد عمرها لأكثر من نصف قرن، وكذلك قائمة الحرية التي شكلها عضو اللجنة المركزية الذي تم فصله الدكتور ناصر القدوة بالتعاون مع الأسير مروان البرغوثي وإن كانت تلك القائمة هي ارتداد لحركة فتح أو شاءت الظروف أن تضطرب القائمتان لسيامية التوأمة ولنفس السبب، وتلك تضيف واحداً من أسباب التأجيل وفقدان الشهية للانتخابات التي كانت مفتوحة بشراهة قبل أشهر.
بريق الانتخابات بدأ يخفت منذ أيام، فالحالة الفلسطينية لا تخضع لرياضيات السياسة بل يمكن قراءتها بإحساس يصعب التعبير عنه أحياناً ولكنه يفهم ضمناً من شعور يتولد نتاج عدة عوامل أو عدة مصالح ليس فقط المصالح الدولية والعربية والإسرائيلية التي تعتبر أحد الفواعل الرئيسة بل وأيضاً المصالح الفلسطينية وبالتحديد الحزبية منها، ومنها أيضاً يمكن التطرف في القول والشخصية إلى حد ما والتي تجعل من الفتوى السياسية وقياسها ارتباطا بنظرية المنفعة الأميركية تماماً كما انتخابات 2006 والتي وقف الرئيس أبو مازن وحيداً في مواجهة مجلس تشريعي كانت تسيطر عليه حركة فتح آنذاك والتي لم توافق على مطلبه بإجراء الانتخابات بالقائمة النسبية لتدرك بعد عقد ونصف العقد بعد الضربة التي تلقتها أن مصلحتها تتطلب تغيير قانون الانتخابات نحو جعل الوطن دائرة واحدة.
حصل ذلك عندما كان يحسب البعض نجاحه الشخصي في دائرته واستدعى كل ما يملك من فقه القانون والتجربة الفرنسية بالمناصفة وبلاغة اللغة لينجحوا جميعهم في الدوائر ولتخسر حركتهم.
هذا ما حدث وهناك خشية من تكرار الأمر بشكل مختلف الآن لتدفع الحركة مرة أخرى ثمن حسابات لم تكن بالضرورة صائبة وأبرزها موظفو غزة والمحالون للتقاعد الذين يعتصمون في ساحة السرايا، فهل يذهب أحد للانتخابات بينما تقام ضده احتجاجات؟
الضوء الأخضر الأميركي إذا كان صحيحاً ويمكن تقدير ذلك ارتباطاً بأخبار سابقة تحدثت عن وصول موفدين فلسطينيين قبل حوالى أسبوعين لواشنطن للتفاهم على تأجيل الانتخابات، ويمكن فهم الموقف الأميركي الذي يشعر بأن فوز حماس ككتلة أكبر وهو أمر مرجح ارتباطاً بمستوى التنظيم والخبرة في الدعاية والمنافسة الفتحاوية بعدة قوائم هذا الفوز الذي سيتعاكس مع طموحات واشنطن بعودة المفاوضات وهو ما تطمح له القيادة الفلسطينية والتي تشعر بأن فوز حماس كأكبر كتلة بعد خلافات فتح سيستكمل الانسداد السياسي تماماً.
كنا نعرف مسبقاً أن الإسرائيلي لم يعطِ موافقته على إجراء الانتخابات في القدس، كان ذلك منذ حوالى عام ونصف العام عندما لم يرد على الرسالة بهذا الخصوص، فلماذا نتحدث الآن بلغة وكأن الأمر مفاجئ أو كأن هناك عاملاً طارئاً لم نتوقعه أو لم نحسب له حساباً استجد في ملف الانتخابات يستدعي التفكير من جديد؟
لا انتخابات دون القدس، هذا المنطق الوطني للأشياء ولا يختلف فلسطينيان حوله لأن دلالة تجاوز القدس في الانتخابات تعني التسليم بها عاصمة لإسرائيل والاستسلام لصفقة القرن التي لم تمت تماماً لأن لها وقائع على الأرض ولكن لماذا لم نفكر بالحل ونقف في ربع الساعة الأخير أمام معادلة: إما القدس وإما الانتخابات؟
منطق السياسة يقول إن موضوع القدس ليس بجديد ولكن مواضيع أخرى استجدت...!

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.