الانتخابات تبدأ بإعداد القوائم
مقالات

الانتخابات تبدأ بإعداد القوائم

رغم الصورة الضبابية التي تحيط بها، لجهة عدم قدرة معسكر بنيامين نتنياهو وخصومه على حد سواء، على تشكيل حكومة تستند للأغلبية البرلمانية البسيطة، وفق استطلاعات الرأي، ورغم أنه لم يتبق سوى ثلاثة أسابيع فقط على موعد الاقتراع، إلا أن الاهتمام بانتخابات الكنيست الرابع والعشرين، لا تبدو كبيرة، أو كما كان الحال في الجولات الانتخابية السابقة، فيما على الجهة المقابلة، ورغم أنه ما زال يفصلنا عن موعد الاقتراع للمجلس التشريعي الفلسطيني الثالث، أكثر من أحد عشر أسبوعاً، إلا أن الاهتمام بالانتخابات الفلسطينية يبدو أكثر، على الأقل على المستوى الداخلي، وقد يعود الأمر إلى أنه على الجانب الإسرائيلي هناك ملل من كثرة الجولات الانتخابية المتتابعة، فيما على الجانب الفلسطيني، فإن الانتخابات تجري بشكل نادر، وفق فترات تزيد على العقد من السنين!
أولاً ظهر الاهتمام الشعبي بالانتخابات الفلسطينية من خلال نسبة تسجيل الناخبين المرتفعة، خاصة في قطاع غزة، ما يدلل على أن الشعب الفلسطيني تواق جداً لممارسة حقه الانتخابي، وأنه متشوق لمعاقبة أو محاسبة نخبته السياسية على ما فعلته به طوال نحو عقد ونصف العقد دون حسيب أو رقيب، كذلك هناك اهتمام جدي ومتزايد من قبل النخبة الفصائلية على تعدد ألوان طيفها السياسي، وحتى على اختلاف مواقفها المؤيدة أو الرافضة، أو المتحفظة على إجراء الانتخابات، يظهر ذلك من خلال ارتفاع عقيرة الحديث عن القوائم الانتخابية وشكل التنافس بين القوى السياسية، والذي يعكس بطريقة أو بأخرى مواقف القيادات الفلسطينية من المصالحة، خاصة على طرفي المعادلة الداخلية، أي حركتي «فتح» و»حماس».
أول اقتراحات القوائم كان مقترح القائمة الوطنية الموحدة، أو المشتركة ما بين حركتي «فتح» و»حماس»، وكان ذلك المقترح قد ترافق أيام حوارات المصالحة التي جرت على طريق الاحتكام للانتخابات كمدخل لإنهاء الانقسام، وذلك لمواجهة رافضي إنهاء الانقسام من قبل رموزه في حركة «حماس»، الذين كانوا يطالبون بانتخابات متزامنة، أو باشتراط مستحيل وهو أن تجري الانتخابات وفق سياق التنصل من أوسلو، وهذا يعني أن الذهاب للانتخابات وفق هذه الصيغة، يعني تبديل الانقسام بصيغة الاقتسام السلطوي، ما بين برنامجين يدعيان أنهما مختلفان، ولو كان الأمر كذلك، فإن المنطق يقول بالاحتكام للناخبين للتصويت على أحد البرنامجين للفوز بالأغلبية الشعبية.
لكن على ما يبدو أن رفض تتابع الانتخابات ومن دون الاتفاق على الاقتسام وفق قائمة واحدة، قد تبدد بعد اعتماد صيغة التمثيل النسبي الكامل، لما يعنيه ذلك من عدم قدرة إحدى الحركتين الكبيرتين على تشكيل الحكومة منفردة في حال فازت بالأغلبية البسيطة كما كان الحال بعد انتخابات 2006، وهذا يفسر ما قالته بعض أوساط «حماس»، إنها تفضل المشاركة التي تبدو شبه مؤكدة في حكومة ما بعد الانتخابات التشريعية بكادرها من الصف الثاني، حتى تكون مقبولة على المجتمع الدولي، وتتجنب ما حدث تجاه الحكومة العاشرة التي تشكلت من «حماس» وحدها، وبرئاسة رئيس مكتبها السياسي الحالي إسماعيل هنية.
الاقتراح الثاني الذي يبدو أنه أكثر وجاهة ويقول به بعض قادة حركة فتح، الذين هم أقل حماسة للشراكة مع «حماس»، هو تشكيل قائمة بقيادة «فتح» من قبل فصائل م.ت.ف، وهنا لا يبدو أن كل فصائل المنظمة توافق تلقائياً على الدخول في مثل هذه القائمة، فبعد أن أعلن عضو اللجنتين التنفيذية والمركزية عزام الأحمد، عن موافقة خمسة فصائل منها حزب فدا، على هذا القائمة، سارعت فدا، للقول إنها تفضل المشاركة في قائمة يسارية/ديمقراطية، تتنافس برنامجياً مع قائمة «حماس».
في هذا السياق يبدو أن «فتح» ضمنت أولاً الذهاب بقائمة فتحاوية موحدة، كذلك هي ضامنة لمشاركة عدد من فصائل م.ت.ف بشكل تلقائي، فيما «حماس» لا تجد منافساً لها في الشارع الإسلامي بعد إعلان «الجهاد» عدم المشاركة، لذا فإنها فضلت الاهتمام بانتخاباتها الداخلية لترتيب أوضاعها والتوجه بقوة لصناديق الاقتراع، وهي بلا شك ستسعى إلى عدم تشتيت حلفائها في قوائم هامشية، كذلك ستسعى كما فعلت في انتخابات 2006، لتطعيم قوائمها بمستقلين متوافقين معها، لكن دون التأثير السلبي على «همة» قياداتها وكوادرها في حشد الأصوات، أما المعضلة الأهم هنا فتبدو فيما هم بين المعسكرَين.
ومن هم بين المعسكرَين حدّث ولا حرج، هناك فصائل يسارية عديدة، منها المثلث الفصائلي الرئيسي في هذا التيار، المكون من الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب، والذين كانوا قد شاركوا في الانتخابات السابقة بقائمتين، الشعبية وحدها في قائمة، والحزب والديمقراطية وفدا في قائمة أخرى، كذلك المستقلون الذي ظهروا خلال سنوات الانقسام في أكثر من تجمع، إضافة إلى تجمعات شبابية، تبدو في معظمها غير قادرة على تجاوز نسبة الحسم.
ما زال الوقت مبكراً لاتضاح الصورة بشكل نهائي، ذلك أن إجراء الانتخابات لا يبدو أنه مؤكد وفي موعده بنسبة 100%، فما زال الرئيس والقيادة يقاتلان من أجل الحصول على الموافقة الإسرائيلية لإجراء الانتخابات خاصة في القدس، حيث يجب أن يشارك المقدسيون بإجماع الفصائل كلها، كناخبين ومرشحين وكدعاية انتخابية، ولا يكفي هنا الحديث عن مشاركة بالاقتراع عبر البريد.
كذلك ما زال هناك حوار سيجري في القاهرة بعد أيام، للاتفاق على بعض التفاصيل، وبعد ذلك ستبدأ القوى بإعداد قوائمها، وحينها سيبدأ الصراع داخل كل الفصائل والقوى من أجل الحصول على ما يخص كل منها من كعكة السلطة، لكن ما لا يجب أن يغيب عن البال، هو أنه يجب تجميع القوى بأقل عدد من القوائم، دون أن يعني ذلك الوصول إلى قائمة وحيدة بالضرورة، بسبب قانون نسبة الحسم، حيث لا يكفي النجاح في إعداد قائمة ما لتسجيل الموقف السياسي، بل لا بد من النجاح في تجاوز نسبة الحسم، ذلك أن الانتخابات بمراحلها الثلاث تعتبر في غاية الأهمية، لأنها ستفرز قيادة سياسية جديدة للشعب الفلسطيني، ستقوده خلال عقد قادم - ربما - في مرحلة يجب أن تكون هي مرحلة الانتقال من السلطة إلى الدولة، وهذا هو المهم.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.