عودة إلى مشكلة الحكم
مقالات

عودة إلى مشكلة الحكم

-       الانتخابات..!
-       صعب الزهد بالتفكير بها وبمنظومة الحكم.
-       ......
-       أظن لازم نقرأ!
منذ التجمع الإنساني، بدأت العلاقة، وبدأت تأخذ اتجاهات متنوعة، مع تطور الحياة وصولاً الى الآن، ففي كل مرحلة أساليب اقتضتها الحياة، في التواصل وتأمين العيش والسرور والحماية و..الحكم.
كنا أطفالاً، أولاداً وبنات بعمر الـ 15 عاماً، حين رحنا نقرأ ونشاهد. ولأننا نملك حب الاستطلاع والميل لإثبات الذات كمراهقين، فقد صرنا نقترب من الحلقات الفكرية الضيقة العلنية، ثم شبه السرية، وقتها كانت الحركة الوطنية في مدها، فيما كانت تيارات الإسلام السياسي في بدايتها، إثر التحول في إيران، فصرنا نتنقل بين هذا وذاك، في عملية استقطاب الجيل الجديد. وكان كل الكلام هو كلام في الأيديولوجيا، ولا شيء عن هذا الوطن، فكان ما كان من تكوّن فكري، الى ان كبرت ووصلت للاختيار، وتلك قصة أخرى، حيث رحت أقرأ بشكل ممنهج في الأديان وتاريخ الحضارات والمذاهب الفكرية بل والأدبية. والملفت في كل ذلك اهتمامي وجيلي بنظم الحكم، حتى أننا بعد ذلك لم نخلص من تأثيرها، كون التاريخ الأدبي والحضاري والعمراني مرتبطاً بذلك، فهي كلها منظومة.
على كل، في التاريخ الحديث، تم طرح مشكلة الحكم في الإقليم العربي بشكل خاص منذ أواخر عهد الدولة العثمانية، مرورا بمرحلة الاستعمار والنهضة العربية، وعهد الاستقلال، وما بعد الاستقلال، وقد كُتبت أعمال كثيرة من مناظير دينية وعلمانية ويسارية عن الحكم.
وهكذا وجدت نفسي أعود إلى مسرحية توفيق الحكيم «براكسا» أو «مشكلة الحكم»، والتي خصصها للحديث عن شكل الحكم من خلال نص مسرحي، وصفه النقاد العرب بالمسرح الذهني.
قرأتها عام 1992، وهي التي تم تأليف فصولها الأولى عام 1939، والتي نشرت كاملة عام 1954!
أي أنها كتبت في وقت النقاش السياسي والفكري الكبير والاشتباك العظيم بين المفكرين والساسة ورجال الدين حول نظام الحكم. لكنها نشرت عام 1954، في سياق ترجمتها للفرنسية، وقد رأت النور بكامل فصولها عام 1960!
ثمة دلالة في نشرها أول مرة عام 1954 ونشرها كاملة عام 1960، حيث يحيلنا عام 1954 إلى بداية ثورة 23 تموز 1952، ويحيلنا عام 1960 إلى انقضاء 8 سنوات على حكم (الثوار أو العسكر)، فيبدو أن الحكيم كان مسكوناً بمسألة الحكم وهو يرى نموذجاً جديداً في الحكم، لم يرض تماماً عنه فكرياً رغم ميوله الشعوري للضباط الأحرار كما الجمهور في مصر والعالم العربي، وقد تجلى عدم رضائه الفكري فيما بعد بأكثر من 15 عاماً حين كتب كتابه الذي أثار ضجة كبيرة في مصر استمرت سنوات طويلة، ألا وهو كتابه «عودة الوعي» والذي رد عليه الكاتب الكبير محمد عودة في كتابه «الوعي المفقود» منتقداً نشر الحكيم للكتاب بعد رحيل ناصر، وقد تم رفع قضية في هذا الأمر، ضمن وقائعها توفيق الحكيم في طبعة جديدة من «عودة الوعي» مضيفاً للعنوان عبارة أوراق في طريق، فكان «أوراق في طريق عودة الوعي» الذي نشر محتوياً بيان الحكيم أنه وضع فصول «عودة الوعي» قبل رحيل عبد الناصر...الخ
 أي أن توفيق الحكيم كان يقع تحت هاجس التفكير في مسألة الحكم، أما تحديد نشر «عودة الوعي» وهو كتاب فكري وليس عملاً مسرحياً على عادة الحكيم، فخضع لعوامل مختلفة لم تعد تهمنا الآن. وأن ثمة علاقة قوية بما كتبه بشكل تجريدي فكري وفلسفي في «براكسا أو مشكلة الحكم» منذ النشر الأول عام 1939 مروراً بالنشر الثاني عام 1954 ثم الاكتمال عام 1960. وهو ما يمنح الكاتب، سواء تم الاتفاق معه أو عليه، أصالة في التناول لمسألة الحكم، في قالب فلسفي مسرحي بداية ثم في قالب فكري سياسي عام 1975.
وبشكل عام جاء تناول الحكيم الأخير السياسي المباشر ضمن تناوله الأول المسرحي غير المباشر، من خلال قالب الفن والأدب، ولربما تكون فرصة لباحث لتناول أعمال الحكيم ضمن هذا المنظور، خصوصاً أن الحكيم رحمه الله أفرد كتاباً مهماً وتوثيقياً عن الحكم في مصر أسماه «شجرة الحكم السياسي في مصر».
إذن تم تناول أعمال الحكيم القديمة والحديثة بشكل خاص خصوصا «عودة الوعي» بموقفه من الحكم في مصر الملكية والجمهورية، وبشكل أكثر خصوصية بوجود عبد النصر ورحيله!
وبالرغم من عمق التناول القديم لتوفيق الحكيم بدءاً من العام 1939 في الفصول الأولى لـ «لبراكسا أو مشكلة الحكم» وانتهاء بالنشر الكامل عام 1960، وجرأة سياسية في «عودة الوعي»، في سنوات السبعينيات، حيث أن شخصية عبد الناصر رغم رحيله كانت تحظى بالتأييد بل والتقديس، أقول بالرغم من هذا التناول العميق والجريء لدى الحكيم والذي لم يتوفر عند آخرين، حين جعل روايته غير محددة المكان ولا الزمان، إلا أن هناك أدبيات عصرية تتناول نظم الحكم المسكونة بالتوريث وغيره من طبائع الاستبداد السياسي الذي وصل حد العبث!
فلسطينياً وعربياً بشكل أعم، هل يمكن تناول مراحل الحكم هنا، بشكل موضوعي انحيازاً للوطن والبشر؟
إن المفارقة الكبرى في أحاديثنا الفكرية والسياسية والأدبية، هي أن العرب (ونحن الفلسطينيين منهم) تحدثوا عن الحكم أكثر ما حكموا فعليا!!
يبدو أن «مشكلة الحكم» لدى توفيق الحكيم، الكاتب الكبير، قد حفزت وعياً آخر، فحين قرأنا للفيلسوف المعاصر فؤاد زكريا، فرحنا نتأمل ونقرأ.
مع الحياة تظهر المشاكل، وقد تناول الراحل فؤاد زكريا هذه المشاكل، في كتبه، ومنها مشكلة الفلسفة 1963 ومشكلة الحب 1964، ومشكلة الحرية 1967، ومشكلة الفن 1967، والمشكلة الخلقية 1967، ومشكلة الحياة 1971، ومشكلة الإنسان، ومشكلة البنية. رغم صعوبة المضمون حتى على طالب جامعي، لكنني بعد التخرج عدت لأقرأ كلاً من «مشكلة الفن» و»مشكلة الإنسان».
وهو كفيلسوف يحلل الحياة بفكره بالاستفادة من المنجز العالمي والتاريخي الكلاسيكي والحديث والمعاصر، يضع تصوراته، ويوضح للإنسان مكانه ودوره، في ظل عرض سياقات الماضي والحاضر والمستقبل، بل إن هناك فلاسفة وعلماء ركزوا على المستقبل، فظهرت في العالم منذ عقود الدراسات المستقبلية، ويعدّ المفكر أحمد أبو زيد أحد المفكرين العرب في هذا المجال.
المهم، قلت في نفسي كم هذا عميق! ورحت أقرأ شيئا في الفلسفة وتطور الحكم في أوروبا، فقلت وقتها لنفسي: لم يترك السابقون من قبل أفلاطون وابن خلدون وبعدهم شيئا، فهل استفدنا نحن العرب فعلاً من هذا التراث خاصة في ظل تكون الدولة الحديثة في العالم؟ هذا السؤال قضية كبرى، تمثل حياتنا الآن إجابة لها، كونها مخرجات لنظام الحكم.
الآن، ونحن نتحدث عن الانتخابات، أراني أفكر فيها، وفي دورها لاختيار شخوص ونظم، من المهم أن لها دوراً هنا، في تقوية بقائنا على هذه الأرض، بعيداً عن الأبوية والوصاية، في إطار طريق التحرر وطنياً وسياسياً واجتماعياً، فإن كان هذا هو الطريق، فلنمض واعين متسامحين..
ولنقرأ ونسمع..
«إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او ألقى السمع وهو شهيد» ق 37
«من كانت له أذنان للسمع فليسمع» متى 11/15
الحاكم والمحكوم..
المرشح والمصوت..
وأنا وأنتم/ن والجيل الجديد.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.