التطبيع في مهب ريح التغيير
مقالات

التطبيع في مهب ريح التغيير

رغم حاجته الملحة لأكثر من سبب أو دافع للسفر إلى دولتي الخليج، الإمارات والبحرين، إلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، اضطر للإعلان عن إرجاء الرحلة التي كانت مقررة منتصف شباط الحالي، وذلك بعد تأجيل الزيارة مرتين من قبل، ورغم أن مكتب رئيس الوزراء يرجع أسباب الزيارة إلى تفشي كورونا، واعتبار الإسرائيليين لدولة الإمارات بؤرة قاتلة لتفشي الفيروس، إلا أن أسباباً أخرى تبدو هي السبب في ذلك التأجيل المتتالي، والذي قد يؤدي إلى إلغاء الرحلة في نهاية المطاف.
ما يدعونا إلى القول بهذا، هو أن الأوساط المحيطة برئيس الوزراء الإسرائيلي، كانت قبل الإعلان عن إرجاء الزيارة للمرة الثالثة، قالت إن نتنياهو قرر اختصار الجولة للدولتين الخليجيتين اللتين طبعتا العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في أيلول الماضي، من ثلاثة أيام إلى ثلاث ساعات، وهذا ليس له علاقة بالفيروس الذي يصيب صحة الناس، بل له علاقة بالفيروس السياسي، الذي يبدو انه أصاب سريعاً اتفاقيات التطبيع الطارئة، التي أعدت ووقعت على عجل، وتعتبر من مخلفات دونالد ترامب، سعت من خلالها إدارته الراحلة إلى محاولة منع سقوطه في الانتخابات الرئاسية، كذلك سعت من خلالها حكومة نتنياهو إلى استثمار أخير لإدارة ساذجة لعبت بها كما شاءت طول أربع سنوات قضتها في الحكم.
في حقيقة الأمر أن نتنياهو كان يسعى من خلال تلك الجولة إلى تحقيق أمرين أساسيين، الأول له علاقة بالانتخابات الإسرائيلية القادمة التي ستجري الشهر القادم، والتي يواجه فيها مجدداً، حشداً من الخصوم، الذين يسعى معظمهم إلى إسقاطه وحسب، وتحت شعار «لا لنتنياهو» احتشد الخصوم في الوسط واليسار واليمين، بمن في ذلك جدعون ساعر المنشق بحزبه عن الليكود، و»يمينا» الذي يقوده اليميني المتطرف نفتالي بينيت، ورغم أن أحزاب اليمين والحريديم تحقق تفوقاً واضحاً على الوسط واليسار، إلا أن قدرة نتنياهو بالتحديد على تشكيل ائتلاف حكومي برئاسته غير ممكن، حسب استطلاعات الرأي، وهذه المرة لن يكون ترامب «في ظهر» نتنياهو ليضغط من أجل بقائه رئيسا للحكومة .
أما السبب الثاني، فهو محاولة أخيرة تبدو يائسة للضغط على إدارة جو بايدن  للتراجع عن العودة للاتفاق النووي مع إيران، والتي تعتقد بقوة أن سياسة ترامب كانت فشلاً ذريعاً، في منع إيران من امتلاك القنبلة النووية، وهي السياسة التي راهنت على العقوبات الاقتصادية، التي كانت ترى فيها طريقاً لإسقاط النظام الإيراني، فيما الاتفاق النووي، يتيح لإيران القدرة على الحصول على القدرة النووية للاستخدام السلمي، بتطوير قدرة البلاد وتنمية اقتصادها الذي يعتمد بدرجة أساسية على النفط، حيث قالت الأوساط الإسرائيلية بوضوح بأن نتنياهو يسعى إلى الخروج بموقف موحد مع الإمارات والبحرين لتوجيه رسالة بهذا المعنى للبيت الأبيض.
وما يرجح هذا الاحتمال هو محاولة نتنياهو لزيارة القاهرة، التي لم يزرها بشكل علني ورسمي منذ عقد كامل من السنوات، لأنه أدرك أخيراً بأن الصخب الإعلامي الذي أظهره من خلال احتفالات التوقيع على التطبيع مع أربع دول عربية، لا يعني الشيء الكثير، لأن ثمنه كان على حساب دول عربية أخرى مركزية، لها دور أهم فيما يخص ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي وهي بالتحديد مصر والأردن ثم السعودية.
وكل محاولات نتنياهو لدعوة قادة الدول الأربع لزيارة إسرائيل باءت بالفشل، بما يعني بأن حبر التوقيع على تلك الاتفاقيات لم يجف بعد، وأنها _أي اتفاقيات التطبيع_ ما زالت في مهب ريح التغيير السياسي، الناجم عن خروج عرابها من البيت الأبيض، ولأنها أي تلك الاتفاقيات كانت أشبه بمولود لقيط، ارتبطت بثمن دفع من الجيب السياسي الأميركي، وبدت كصفقات تجارية_سياسية، فانه ما لم يتم تنفيذ الشق المتعلق بدفع الثمن الأميركي، فان الدول العربية سرعان من ستتراجع عنها، وكأنها لم تكن، كما هو حال العديد من القرارات والسياسات التي أقدم عليها ترامب.
فعدم تنفيذ صفقة الطائرات أف 35، كذلك اتضاح عدم جدوى الاعتراف الأميركي بالصحراء لصالح المغرب، أو عدم تثبيت هذا الموقف، كذلك عدم تحقيق المطلب السوداني بتجاوز المطالب القضائية بدفعه التعويضات للضحايا الأميركيين، والأهم عدم تحقيق الأمن في الخليج، حين تعود واشنطن للاتفاق النووي، يعني بأن كل تلك الاتفاقيات لم يكن لها من داع، فضلاً عن ضررها الذي لحق بحل الدولتين.
كل المؤشرات تقول بأنه رغم وجود بعض الصخب المقصود من تسيير الرحلات السياحية بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين وحتى المغرب، إلا أن أوساطاً مهمة في تلك الدول لا ترى الأمر جدياً، ولا يقتصر الأمر على رافضي التطبيع خاصة في المغرب والسودان، بل وصل الأمر إلى شخصيات حكومية داخل إسرائيل نفسها، ترى بأن تراجع  العلاقة مع الأردن بسبب تلك الاتفاقيات، كذلك عدم الاهتمام بالعلاقة مع مصر، يعتبر سياسة خاطئة، ولعل رد الفعل على ما قالته مسؤولة الصحة الإسرائيلية من أن السياحة الإسرائيلية مع الإمارات كانت سماً قاتلاً، الحق ضحايا بشرية بالإسرائيليين في أسبوعين، فاق عددها ما خسرته في الحروب، يعتبر مؤشراً على البرود السريع فيما أشيع من انه دفء في العلاقات الطارئة بين إسرائيل والدولتين العربيتين الخليجيتين.
يبدو أن الدافع الأمني كان هو الذي يهم المؤسسة الأمنية الإسرائيلية فيما يخص اتفاقيتي التطبيع مع الإمارات والبحرين، أما الجانب السياحي فهو بمثابة التوابل أو المقبلات، لذا فان الجدل داخل إسرائيل إزاء استمرار تفشي الفيروس، دفع الإمارات لتعليق اتفاقية الإعفاء من تأشيرة الدخول للمواطنين الإسرائيليين حتى تموز القادم، وذلك بعد القرار الإسرائيلي بإلزام  جميع العائدين من دبي الدخول في فنادق لاستكمال الحجر المنزلي، ولأن كلا من الإمارات والبحرين لا تحتملان إنشاء قواعد عسكرية إسرائيلية على أراضيهما، فان إسرائيل تبدو عاجزة عن الحفاظ عما تم تحقيقه في عهد ترامب، لهذا فان كل الملف بما فيه اتفاقيات التطبيع بات معلقاً ببقاء نتنياهو في مكتب رئيس الوزراء، حتى إذا سقط، سقطت تلك الاتفاقيات كأوراق خريف سياسي مر عابراً، ليعود الأمر إلى طبيعته الحقيقية، كما كان من قبل تلك السنوات الأربع.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.