موسم الانقلابات في الخارطة الحزبية في إسرائيل
مقالات

موسم الانقلابات في الخارطة الحزبية في إسرائيل

كما كان متوقعاً فقد بدأ موسم الانقلابات في الخارطة الحزبية في إسرائيل.
أغلقت القوائم، وستظهر الخارطة كاملة، وستنجلي الصورة وينقشع ضباب الغموض الذي كان يلفّ هذه الخارطة حتى منتصف هذه الليلة.
مهما اشتدت الحملات الانتخابية، ومهما بلغ سعارها من صبيحة الغد وحتى فتح صناديق الاقتراع فإن الفوارق ـ كما أرى ـ لن تغير كثيراً في الصورة الإجمالية لهذه الخارطة.
السبب في ذلك هو أن القوائم عندما تصل إلى مستقرها، أو ترسو على تركيبتها، فإنها تحدد الجزء الأكبر، أو الكتلة الكبيرة من ناخبيها، ويصبح التنافس على الأصوات مساويا تقريبا للأصوات المفترضة لهذه القوائم.
أقصد أن حزباً يملك قوة انتخابية توازي 12% من مجموع الناخبين سيحصل على نفس هذه النسبة من الأصوات العائمة، وذلك بالنظر إلى التنافس بين مختلف القوائم من على قاعدة نفس المبدأ والنسبة.
هذا في السياق الطبيعي أو المعتاد، إذ لا يعقل مثلاً أن يحصل حزب ما على أصوات مضاعفة عن الأصوات التي تعكسها حالة الثبات النسبي في الكتلة الرئيسة للتصويت لصالح حزب كهذا.
أو أن يخسر هذه الكتلة كما تعكسها استطلاعات الرأي بسبب شدة وسعار الحملات الانتخابية، وذلك ببساطة لأن الحملات الانتخابية لا تسير في اتجاه واحد، وهي متاحة للجميع، ولدى كل قائمة الأدوات الكافية للدفاع عن الكتلة الرئيسة المصوتة لهذه القائمة أو تلك.
ومن النادر أن تكون الحملات الانتخابية المسبب الرئيس لانقلابات مباغتة في النتائج، مع التأكيد على أهميتها في إحداث تغيرات مهمة نسبياً، لكنها لا تقلب الموازين كلياً، ولا حتى جزئياً في بعض الأحيان، وغالباً ما تلعب الدور الأكبر والمؤثر في الحفاظ على الكتلة الرئيسة للمصوتين، وتحسين الوضع الانتخابي للقائمة أو الحزب دون انتظار «معجزات» كبيرة.
الانقلاب الأكبر في الخارطة الحزبية في إسرائيل هو أن اليمين واليمين المتطرف، والذي يضم الأحزاب الدينية المتطرفة [الشرقية والغربية] والأحزاب اليمينية العنصرية المتطرفة لم يعد قادراً على تشكيل الحكومة القادمة دون أن تحصل «معجزة» كبيرة.
كان يمكن أن تحدث مثل «معجزة» كهذه لو ظل ترامب في الحكم، أو لو نجح نتنياهو في وقف تبعات الجائحة التي أنهكت الاقتصاد الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي، أو لو أن ساعر لم يشق عصا الطاعة في وجه نتنياهو، أو لو أن نفتالي بينيت لم يبدأ التفكير بأنه أصبح مرشحاً «قوياً» لرئاسة الوزراء في الحكومة القادمة.
وكان يمكن أن ينقلب المشهد كله لو أن نتنياهو خرج بحرب على غزة أو لبنان أو سورية أو إيران [مع أن هذا الاحتمال لا يمكن إسقاطه من هنا وحتى الانتخابات]، لكن شيئاً من هذا كله لم يحدث حتى الآن، وكل ما حدث هو أن اليمين المتطرف فقد القدرة على التماسك واستمرار الوحدة.
فقد انشق ساعر و»تجنّح» بينيت، وهاج اليمين الفاشي وماج وما زال، وفقد المستوطنون بعض ثقتهم بقدرة الأحزاب اليمينية المتطرفة على «الصمود» والمثابرة في برامج «الضم» وحسم الأمور في الوقت المناسب لإسرائيل قبل هزيمة ترامب.
لم يعد اليمين المتطرف موضع الرهان الوحيد، بل أصبحت الحكومة القادمة ممكنة فقط من خلال تحالف يمين مع الوسط وبدعم «اليسار».
والسبب واضح إلى أبعد درجات الوضوح، الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة لا تأكل إلا من بعضها البعض.
فإذا ارتفع الليكود ووصل إلى 32 أو 33 مقعداً فهذا يعني أن ساعر وبينيت سيفقدان الفرق بين استطلاعات الرأي التي تعطي الليكود حوالى 28 مقعداً.
وإذا حصل العكس وزاد ساعر وبينيت بأربعة أو بخمسة مقاعد لكليهما فهذا يعني أن الليكود سينزل إلى مستوى 24 أو 25 مقعداً.
وبما أن مقاعد أحزاب «الحريديم» تقف عند حدود 15 أو 16 مقعداً، فإن حكومة من اليمين واليمين المتطرف تصبح مستحيلة حتى لو دعمها نفتالي بينيت.
وهذا هو الانقلاب الكبير الأول.
أما الثاني فهو أن الحكومة القادمة ستكون على ما يبدو هي الحكومة التي عبّر عن قدومها ليبرمان [بحكومة يمين صهيوني ليبرالي].
أي حكومة بقيادة إما ليبرمان أو ساعر، بالتحالف مع لبيد ومدعومة من «اليسار» وهذا هو انقلاب بحد ذاته، لأن بينيت سيكون هامشاً لا قيمة له.
هكذا حكومة ممكنة ولكن ستظل محكومة بالنتائج النهائية للانتخابات، وبثقل الوسط واليسار.
آخر الاستطلاعات تقول إن حزب العمل قد يتجاوز 7 أو 8 مقاعد، وقد يصل إلى 10 أو 11 مقعداً إذا ما صوت أنصار خولدائي لصالح الحزب.
فإذا بقيت أصوات لبيد عند 16 أو 17 أو 18 مقعداً، وإذا ما فاز حزب العمل بعشرة مقاعد فقط، وبقي ميرتس وغانتس عند خمسة مقاعد لكل منهما فإن الحكومة القادمة لن تكون بقيادة اليمين وبشروطه، وإنما بالشراكة بين الوسط و»اليسار» من جهة وبين ليبرمان وساعر من جهة أخرى، وهو ما يعني السقوط المدوّي لليمين واليمين المتطرف، كما يعني عدم قدرة اليمين الصهيوني الليبرالي [كما يسميه ليبرمان]، على فرض شروطه على الوسط واليسار وهذا هو الانقلاب الثالث الكبير في الخارطة الحزبية في إسرائيل.
الانقلاب الرابع والأخير هو الاختراق الذي أحدثه نتنياهو في الوسط العربي من خلال شق «المشتركة»، وخروج «الإسلامية الجنوبية» من إطار التحالف الوطني الذي مثلته القائمة المشتركة. بمجرد أن لوح نتنياهو «لهم» ببعض المكاسب، والتي هي مجرد وعود، ووهمية على الأغلب، لأن نتنياهو يعيش أيامه الأخيرة في سدة الحكم في إسرائيل، وبمجرد أن شعروا بأن الأحزاب الصهيونية باتت تهتم بهم، وتراهن على إمكانية انشقاقهم عن «المشتركة»، لم يتأخروا عن شق وحدة القائمة المشتركة «أملاً» في الظفر بشيء هو على الأغلب بعيد المدى من حيث الأهداف الجوهرية، والذي سيصل مع كل أسف عاجلاً أو آجلاً إلى التماهي التام مع مشروع الأسرلة، بل وربما الاستعداد التام أيضاً للتماهي مع مفهوم الطائفة والطوائف التي يتعامل به اليمين عموماً والأحزاب الصهيونية كبديل عن المفهوم الوطني والقومي على حد سواء.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.