«حزب أمريكا العظيمة» لصاحبه دونالد ترامب
مقالات

«حزب أمريكا العظيمة» لصاحبه دونالد ترامب

صديق لي ما فتئ يكرر أن لا مخرج للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته مما هو فيه من كرب شديد سوى التوجه إلى تأسيس حزبه الخاص ولنطلق عليه مثلا تسمية «حزب ترامب الشعبي» أو «حزب أمريكا العظيمة» أو أي تسمية أخرى. إنها طريقته المثلى، كما يرى صديقي، لرأسملة شعبيته بين أنصاره والخمسة وسبعين مليونا الذين صوتوا له حتى يقول للجميع إن هؤلاء هم قوته الأساسية لمواجهة ما يتعرض له من مؤامرات لإقصائه وهم قوته كذلك للعودة بعد أربع سنوات.

لا أحد تحدث حتى الآن عن خيار كهذا، ولكن نظريا لا شيء يمنعه في وقت لم يعد فيه من فاصل واضح بين الحزب الجمهوري وتوجهات ترامب حتى حين دخل مرحلة «الجنون» الأخيرة بتنظيمه تجمعا شعبيا قرب البيت الأبيض تنديدا بـ«تزوير الانتخابات» ودعوته الحاضرين فيه إلى التوجه إلى الكونغرس للحيلولة دون تنصيب خلفه بايدن قائلا إنه سيكون معهم لكنه تخلف عنهم.

هؤلاء «الرعاع» الذين اقتحموا مبنى الكونغرس وعبثوا بمحتوياته وتسببوا في صدمة غير مسبوقة بين المؤسسات الأمريكية هم بمثابة عينة من «الميليشيات» المؤيدة لترامب التي يمكن أن نراها قريبا في عمليات هنا وهناك نصرة لمن يرونه «زعيما» دغدغ أسوأ ما في الأمريكان البيض من مشاعر تفوق وكره للآخرين الذين شكّلوا تنوع المجتمع الأمريكي وفرادته التي قامت على أنه مجتمع مهاجرين يتيح لهم التفوق والإبداع والتنوع.

حزب ترامب المقترح من صديقي، الذي نصحته بارسال فكرته إلى ترامب نفسه لعله يستحسنها ويعمل بها (!!) من شأنه أن يقضي على الانتهازية التي تفشت في أوساط الحزب الجمهوري الذي بات مسؤولوه يخشون سطوة ترامب القادر على تأليب قواعد الحزب ضدهم، بل وحتى القضاء على مستقبلهم السياسي، سواء كان هؤلاء أعضاء في مجلس النواب أو الشيوخ أو مسؤولين في حكومات الولايات وبرلماناتها. أجواء الرعب هذه دفعت أغلب هؤلاء إلى التزام الصمت ليس فقط تجاه مزاعم التزوير التي لم يكل ترامب من تردادها وإنما أيضا تجاه مساعي عرقلة التصديق على فوز بايدن ورفض حضور حفل تنصيبه.

ربما كان السياق أفضل بكثير بالنسبة لترامب لو كان أعلن حزبه، المفترض جدلا، قبل «غزوة الكونغرس» لأن ما أفرزه الحدث بعد ذلك من تداعيات قد يكون أثنى البعض على الالتحاق به بعد أن تحولت سمعته من حزب شعبوي يقف على يمين الحزب الجمهوري نفسه إلى حزب بلطجية لا يتردد في التحطيم والتخريب، ولم لا في الإعداد لتفجيرات وعمليات قتل اعتمادا على ما كشف عن شاحنة قرب الكونغرس معبأة بالمتفجرات أو استعداد جماعات يمينية متطرفة مسلحة للتوجه إلى العاصمة واشنطن لإفساد حفل تنصيب الرئيس الجديد.

إذا تسارعت الأمور وانتهت إلى محاكمة ترامب أو سجنه سواء بسبب تحريضه على الاعتداء على الكونغرس وعرقلة الانتقال السلمي للسلطة، أو بسبب القضايا العديدة التي تنتظر لحظة خروجه من البيت الأبيض من تهرب ضريبي وغيره كثير، فسيصبح لزعيم هذا الحزب المتخيّل «سجل نضالي» أو»شرعية نضالية» يمكن لأنصاره أن يسارعوا إلى تحويلها إلى «أصل تجاري» لجلب مزيد من الأعضاء وتطعيم «سردية المظلومية» التي يشتكون منها دائما.
أما إذا تدهورت الأمور أكثر ووصلت حد المواجهات المسلحة بين قوات الأمن والحرس الوطني من جهة والجماعات المسلحة اليمينية المتطرفة الموالية لترامب فسيتحول هذا الأخير إلى «أيقونة نضالية ملهمة» لاسيما وأن مثل هذا الاحتمال ليس مستبعدا بالمرة إذا ما استمرت أجواء الشحن والتصعيد داخل المجتمع الأمريكي. لا ننسى أبدا ما قاله الصحافي الأمريكي الشهير توماس فريدمان حين حذر قبل ثلاثة أشهر فقط من أن بلاده قد تكون مقبلة على حرب أهلية ثانية، مستندا إلى مخاوفه وقتها من عدم قبول ترامب بنتائج الانتخابات وعدم تسليمه السلطة للفائز والتسبب في أزمة سياسية خطيرة للبلاد قد تؤول إلى فوضى مسلحة. فريدمان قال وقتها «لقد بدأت مشواري كصحافي بتغطية الحرب الأهلية الثانية في تاريخ لبنان، وأنا الآن مذعور من اكتشاف أنني أنهي مشواري كصحافي أغطي الحرب الأهلية الثانية، الممكنة، في تاريخ أمريكا».

لم يظهر ترامب فجأة هكذا، كرجل غريب الأطوار ولا يمكن توقع أفعاله مسبقا، فقد بدا كذلك منذ يومه الأول لكن الضحية لم يكن طوال سنواته الأربع سوى الأجانب والمهاجرين وكل من كانت له علاقة بواشنطن من الحلفاء والأعداء على حد سواء سواء أوروبا أو الصين أو روسيا أو الفلسطينيين فضلا عن استهتاره بكل التزامات بلاده الخارجية من الاتفاق النووي إلى اتفاقية المناخ إلى منظمة الصحة العالمية وغير ذلك. الآن نقل ترامب حريقه إلى الداخل بعد أن كان يتسلى بإشعاله في الخارج.

وسواء أخذ ترامب بنصيحة صديقي في تأسيس حزبه الخاص أو ظل جمهوريا على طريقته فإن ما سيحدث في الفترة المقبلة هو ما سيحدد ما إذا كانت «الترامبية» ستتواصل كفكر سياسي ووزن مجتمعي وانتخابي أم أنه لن يكون سوى مجرد فقاعة ستتلاشى تدريجيا، هي وزعيمها.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.