جرائم القتل وفوضى السلاح إلى متى؟
مقالات

جرائم القتل وفوضى السلاح إلى متى؟

في الأسبوع الماضي وقعت 3 جرائم قتل في الضفة الغربية، الجديد فيها هو شكل الجريمة غير المعهود، إحداها قتل مواطنٍ والدَ زوجته على طريقة المافيا، أي القتل بدم بارد لشخص مسالم يجلس داخل سيارته، وأمام الناس.
الجريمة الثانية هي قتل خطيب خطيبَته خنقاً وتركها داخل سيارة في الشارع وكأن شيئاً لم يكن، والجريمة الثالثة كانت في مدينة البيرة وراح ضحيتها مواطن.
حوادث القتل التي شهدتها فلسطين في الأسابيع الماضية، ستترك جراحاً من الصعب أن تندمل في فترة قصيرة، علاوةً على آثارها المجتمعية الخطيرة جداً.
إحصائية الشرطة تظهر أن 16 جريمة قتل وقعت في الضفة الغربية منذ بداية العام الجاري وحتى بداية شهر حزيران، بمعدل جريمة قتل واحدة أسبوعياً إذا ما أضفنا الجرائم التى وقعت مؤخراً.
جرائم القتل حلقة من حلقات مسلسل فلتان بدأ يضرب في أكثر من اتجاه، ومن بينها جرائم الشرف التي تضاعفت وفق ما ينشر في وسائل الإعلام، وجرائم الفلتان في المناطق المصنفة «ج»، بحيث تجد أن أكثر الناس خرقاً للقانون هم الذين يرتكزون إلى دعم العائلة والعشيرة في ارتداد اجتماعي خطير، وبدل أن يكون النظام والقانون هما المدافعان عن حقوق المواطن، عادت القبيلة لتتسيد الموقف، ما يعني الارتداد إلى شريعة الغاب، ومن ليست له عشيرة قوية ضاعت حقوقه.
بعد ساعات أو أقل على وقوع جريمة القتل تبدأ مشاهد الفلتان؟ حرق منازل ومحال تجارية لكل عائلة القاتل حتى الأقارب من الجد الرابع أو الخامس ما يتسبب في كثير من الأحيان في امتداد النيران إلى منازل مجاورة أو لمحال ليس لأصحابها أي علاقة بالأحداث، وأكثر من ذلك تتطور الإشكالية ليس بين عائلة القتيل والقاتل ولكن تمتد إلى نوع من التهييج المناطقي أو الطائفي.
ما يحصل من حرائق اجتماعية تندلع هنا وهناك، دون سابق إنذار، يخلّف ثكلى وثارات قبلية، ويهدد سلماً مجتمعياً من الداخل، في الوقت الذي نصارع فيها عدواً شرساً من الخارج.
السؤال: لماذا هذا الفلتان؟ ومن الذي يتحمل المسؤولية؟ ومن المستفيد من تصاعده بهذه الوتيرة وفي هذا التوقيت؟ فنحن نواجه جملة من التحديات غير المسبوقة ومنها وباء «كورونا» وخطة الضم الإسرائيلية وصفقة القرن والأوضاع الاقتصادية الصعبة.
لنعد إلى السبب الأخطر لظاهرة الجريمة وهو نجاح البعض في جعل العائلة تتفوق على القضاء والقانون، وهذا برز بشكل واضح مع الفلتان الذي اجتاح فلسطين في الانتفاضة الثانية، حيث لاحظنا ارتداداً إلى حضن العائلة والعشيرة بدلاً من سلطة القضاء والقانون أو حتى التنظيمات… وهذا عكس ما حدث في الانتفاضة الأولى التي كادت تقضي على مفهوم القبلية، عبر الانتصار للوطن والتنظيمات الوطنية المقاومة.
لعل الاغتيال الأخير لناشط في الجبهة الشعبية في رفح من أشخاص بحجة قتل والدهم في الانتفاضة الأولى بتهمة العمالة واحتماء القتلة بالعائلة الممتدة، وتوفير الحماية لهم من العقاب يؤكد خطورة هذا الارتداد.
المشكلة الأخرى هي في اعتقاد البعض أن سلطة القضاء ضعيفة أو أن القضاء غير نزيه وهذا أمر خطير أيضاً… .
نحن لا نشكك مطلقاً في سلطة القضاء ونزاهته، ولكن تراكمت عند البعض مفاهيم خاطئة، ربما لمسلكيات بعض المتنفذين الذين أساؤوا بتصرفاتهم إلى سلطة القضاء والقانون… وبالتالي أصبح البعض يحاول تصنيف هذه الثقة بعدم المصداقية أو المحاباة كصورة نمطية.
وهنا، حتى نحافظ على السلم المجتمعي الذي يبدو كأن انهياراً حل به خلال الأسابيع الماضية، أو ما قد يحدث خلال الأسابيع المقبلة، لا بد من التأكيد على ضرورة الاحتكام إلى قوة القضاء والقانون لأنها الوحيدة التي تساوي بين المواطنين ولا تفرق بينهم… أما العشائرية والقبلية فإنها تخضع لميزان القوة العددية أو الفوضى وامتلاك السلاح غير الشرعي. ومن يحل الجريمة على قاعدة فنجان القهوة عليه أن ينتظر مزيداً من الفلتان والجرائم التي قد تصل في مرحلة ما إلى شكل الجريمة المنظمة كما يحصل في الداخل الفلسطيني.
وحتى نعيد ثقة الناس إلى القضاء، يجب على السلطة القضائية نفسها أن تتحرك وتنقل المعلومات للجمهور، وتؤكد أنها قادرة على تحقيق مفهوم العدالة، وهذا ما حصل في كثير من جرائم القتل.
ولكن أيضاً هناك دور مهم مناط بالسلطة التنفيذية وخاصة الحكومة من خلال تفعيل قدرة الأجهزة الأمنية على احتواء الجرائم بسرعة، فلا يمكن القبول بأن تأتي الأجهزة الأمنية لتقول يمكننا فرض القانون بعد أن تحترق المنازل وتهجّر العائلات على قاعدة الاحتكام للقانون العشائري.
يا حكومة، نحن في وضع صعب، الجمهور يتململ وينتقد كثيراً وكرة الثلج تكبر شيئاً فشيئاً… فهل سيكون هناك حراك سلطوي حقيقي من أجل لجم موجة الفلتان التي تضرب في الاتجاهات كافة… لكيلا نترك مصائرنا للعابثين.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.