بروفة لعودة الحياة
مقالات

بروفة لعودة الحياة

قالها ويليام شكسبير، وأخذها منه يوسف بك وهبي: «وما الدنيا إلا مسرح كبير»، وما نراه الآن يجري على أرض الواقع هو «بروفة» كبيرة يشارك فيها ما يربو على 7 مليارات نسمة، هم سكان المعمورة، الكل ينتظر دوره لكي تعود الدنيا كما نعرفها، الحياة القادمة سوف تتنفس حياة بقدر محسوب من المغامرة، البقاء في المكان والزمان، وفقاً للحسابات الدقيقة لن يسفر سوى عن الجمود، ونتائجه أشد كارثية، العالم يتطلع الآن لاستخدام هامش محسوب من الحركة، للعودة إلى زمن ما قبل «كورونا»، ولكن لا أحد على يقين بمقدار هذا الهامش.
ستعود الحياة تدريجياً، كل دولة ستحدد الإيقاع الخاص بها، وسيظل الأمر مهما بلغت الدقة خاضعاً لمساحة ما من الضبابية، ولكننا في النهاية سنعود، بقدر من الخسائر، لأن الانتظار أكثر ربما تكون خسائره أفدح.
هل مثلاً ستفتح دور العرض السينمائية أبوابها؟ هناك رغبة لعودتها في عيد الفطر، إلا أنه تم إجهاضها في مهدها، فهو الموسم الذي يُدر الملايين على شركات إنتاج الأفلام، وكان التوجه المبدئي يسمح بعدد مقاعد لا يتجاوز ربع سعة دار العرض، وهذا يضمن أن المتفرج سيجلس على كرسي تحيطه من الجهات الأربع مقاعد خاوية، إلا أن السينمائيين وجدوا أن هذا الاقتراح سيصطدم، لا محالة، بالإجراءات الاحترازية التي تطبقها الدولة من أجل تحقيق التباعد الاجتماعي، ولهذا فإن أفلام عيد الفطر غالباً ستصبح هي أفلام عيد الأضحى، الذي يأتي بعد نحو 90 يوماً، وهو ما يمنح أملاً في انحسار الجائحة عالمياً ومحلياً، وربما اقتراب العالم من اكتشاف علاج حاسم، يعيد بقدر محسوس الطمأنينة للبشر، ولا أقول لقاحاً، لأن الأمر كما يبدو لا يزال يستغرق في المتوسط نحو عام، إلا أن البروفة لن يتم تأجيلها. صناعة السينما تعثرت في العالم كله، والمهرجانات تباعاً قررت التأجيل، ورغم ذلك فإن الكل يترقب عودة «مهرجان فينيسيا» في دورته رقم 77، التي تفتتح في مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل.
العيون كلها على هذا المهرجان الأعرق تاريخياً، الكل يتطلع إليه، خصوصاً وأن إيطاليا من أكثر الدول في العالم تأثراً بالجائحة، ولكنها أيضاً فيما يبدو ستصبح هي المغامر الأول لعودة المهرجان، بما يمثله من طقوس وتفاصيل تحدد ملامحه، وأولها الزحام على مشاهدة الأفلام ومتابعة النجوم.
هل يتم تقنين المغامرة؟ فلا يمكن أن يقام المهرجان بكل فعالياته افتراضياً، ولكن ممكن أن تصبح بعض منها افتراضية.
«مهرجان فينيسيا»، حتى الآن، يتعامل على أرض الواقع، على اعتبار أنه قائم في موعده، ولدينا في مصر مهرجانا «الجونة» نهاية سبتمبر، و«القاهرة» نهاية نوفمبر (تشرين الثاني)، وضعا الخطة، ويتم اختيار الأفلام، وترشيح لجان التحكيم والمكرمين، وإعداد الأقسام المختلفة، ولكن ما هي الملامح إذا كان التزاحم ممنوعاً، ولا يوجد مهرجان إلا بحضور الناس، هل ستصبح لدينا مهرجانات معقمة، الناس عادة تقاوم الإلغاء، ظل «مهرجان كان» يرفض إعلان التأجيل، ثم اضطر في نهاية الأمر لرفع الراية البيضاء. كنا معشر السينمائيين والنقاد نستعد للقاء بعد يومين في «كان»، ثم فرض «كورونا» كلمته النهائية على الجميع، ولكن، وعلى رأي أم كلثوم، «أنا عندي أمل»، أن تنجح «بروفة» مهرجان فينيسيا، ليعتبرها العالم كله بروفة نهائية لعودة الحياة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.