رئيس الوزراء الفلسطيني: خطة لليوم التالي في غزة
رئيس الوزراء الفلسطيني
قبل خمسة أسابيع مرت 300 يوم من الحرب على غزة. إن مثل هذه المستويات من القتل الجماعي والتدمير والتهجير القسري والتجويع لشعبنا غير مسبوقة في التاريخ الحديث.
في غزة، يسيطر الخوف واليأس مع سقوط القنابل بلا هوادة. تتجمع الأسر معًا في ملاجئ مؤقتة، وتحولت منازلها إلى أنقاض. المدارس والمستشفيات، التي كانت في يوم من الأيام ملاذات آمنة، أصبحت أهدافًا. تخترق صرخات الرعب التي يطلقها الأطفال الليل بينما يكافح الآباء لحمايتهم. تنتشر رائحة الموت في الهواء، مع عمليات الدفن المتعجلة التي لا تقدم سوى القليل من الكرامة. وتشتد المجاعة والحرمان، مع ندرة الغذاء والمياه النظيفة والإمدادات الطبية وتناقصها. تثقل جرائم الحرب والمذابح كاهل شعب عانى لفترة طويلة للغاية.
ومع ذلك، وسط هذا الدمار، هناك مرونة، ورفض للاستسلام لليأس. يجب أن تنتهي هذه المعاناة، وهي نتيجة للحرب والاحتلال المطول، لتحقيق السلام والاستقرار.
منذ تشكيلها في شهر إبريل/نيسان، تعمل حكومتي بلا كلل على استقرار الوضع المتدهور في الضفة الغربية، في حين تستعد في الوقت نفسه لما قد يحدث في قطاع غزة في اليوم التالي. ونحن ملتزمون برعاية شعبنا وأمنه وكرامته، وقيادة جهود التعافي وإعادة الإعمار بمجرد التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. وسوف يتم ذلك بالتوازي مع مواصلة تنفيذ الإصلاحات الأساسية لتعزيز أسس الدولة الفلسطينية المستقلة.
ومع التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، تصبح الحكومة الفلسطينية مستعدة لاستئناف تحمل المسؤولية عن قطاع غزة، وقيادة الجهود الرامية إلى دمج الحكم بشكل كامل في القطاع والضفة الغربية. وهذا التكامل ضروري ليس فقط من أجل الإغاثة الفعالة والتعافي وإعادة الإعمار في غزة، بل وأيضاً كخطوة نحو الهدف الأوسع المتمثل في التوصل إلى اتفاق سياسي دائم يتماشى مع القانون الدولي وحل الدولتين.
إن رؤيتنا "فلسطين واحدة"، والتي تنبع من وحدة الشعب الفلسطيني وهويتنا المشتركة، تشكل جوهر هذا الجهد. وبينما نسعى بثبات إلى إنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي وتحقيق حقنا في تقرير المصير، فإن هذه المبادئ سوف توجه إعادة بناء غزة وحوكمتها، ومعالجة الأزمة الإنسانية غير المسبوقة وإرساء الأساس للسلام والاستقرار الدائمين.
ولكننا لا نستطيع أن نحقق هذا بمفردنا. فالدمار الشامل واحتياجات التعافي الهائلة في غزة تتطلب استجابة منسقة وقوية من المجتمع الدولي. وسوف يتطلب حكم غزة، واستعادة الخدمات الأساسية، وإعادة بناء المنازل والبنية الأساسية، واستقرار حياة وسبل عيش شعبنا التزاماً ودعماً دوليين كبيرين. وبدون التضامن والعمل العالميين، فإن الطريق إلى التعافي والسلام الدائم لن يكون قابلاً للتحقيق.
إن دعم وتسهيل حكومة فلسطينية غير حزبية أمر بالغ الأهمية لحكم وخدمة شعبنا في جميع أنحاء غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. وتمكين السلطة الفلسطينية من تقديم حكم مستجيب وشفاف وخاضع للمساءلة هو المسار الشرعي الوحيد والقابل للتطبيق إلى الأمام. وهذا النهج ضروري ليس فقط لإعادة بناء غزة ولكن أيضاً لضمان تحرك المنطقة الأوسع نحو مستقبل منصف وعادل ومزدهر.
إن خطتنا لليوم التالي لإدارة غزة تشكل جزءاً من جهد أوسع نطاقاً لتمكين الحكومة الفلسطينية، وإعادة بناء الثقة بين مواطنينا، وتعزيز أسس الديمقراطية على المستويين المحلي والوطني. وهي مبنية على الركائز الأساسية التالية وفق ترجمت صدى نيوز عن صحيفة الواشنطن بوست:
1. الإغاثة والإنعاش المبكر
ستحتاج جهود الإغاثة والإنعاش المبكر الفورية، تحت قيادة وتنسيق استراتيجي من جانب الحكومة الفلسطينية، إلى دعم من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وغيرها من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، والجهات المانحة والشركاء الدوليين النشطين بالفعل في غزة، بالإضافة إلى مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني الفلسطينية. وتشمل الأولويات إزالة الأنقاض، وتوفير المأوى المؤقت اللائق، واستعادة الخدمات الأساسية مثل المياه والصرف الصحي والطاقة والصحة والتعليم. كما يشكل الدعم الفوري لاستعادة سبل العيش والإنعاش الاقتصادي أهمية بالغة. وسيتم تنسيق هذه الجهود بشكل وثيق مع الوزارات والهيئات الفلسطينية. وسيتم إنشاء لجنة الإنعاش المبكر في غزة لمواءمة جميع الجهود مع خطة الإغاثة والإنعاش وإعادة الإعمار الأوسع نطاقاً التي تتبناها الحكومة.
2. إعادة الإعمار والتعافي على المدى الطويل
سيتم إنشاء وكالة مستقلة لقيادة وتنسيق وإدارة كافة جهود إعادة الإعمار والتعافي على المدى الطويل في غزة. وستعمل هذه الوكالة باستقلال مالي وإداري كامل، وستكون خاضعة للتدقيق وفقًا لأعلى المعايير الدولية. وستتولى الإشراف عليها هيئة إدارة تضم شخصيات فلسطينية مرموقة، بما في ذلك أعضاء من الشتات. ولضمان الشفافية والمساءلة، سيتم إنشاء صندوق ائتماني لإعادة إعمار غزة في البنك الدولي، مع إشراف وتوجيه ائتماني من قبل مجلس استشاري دولي.
3. الأمن وسيادة القانون والسيطرة على الحدود
إن استعادة الأمن وسيادة القانون في غزة سوف تتطلب إعادة هيكلة قوة الشرطة، فضلاً عن إعادة دمج وتقنين العاملين فيها على أساس القدرات والاحتياجات. وسوف تشمل هذه العملية أفراداً من قبل عام 2007 وبعده، شريطة نجاح عملية التدقيق وتقييم القدرات. وسوف تعمل القيادات العليا في الشرطة، التي تعينها الحكومة الفلسطينية، على التنسيق مع رؤساء المجالس البلدية لضمان كفاءة الحكم المحلي وقدرته على الاستجابة. وسوف يلعب الشركاء الدوليون دوراً حاسماً في توفير المعدات والدعم اللازمين لبناء القدرات. وبالإضافة إلى ذلك، قد تسعى الحكومة الفلسطينية إلى الحصول على المساعدة الأمنية الدولية حسب الحاجة. وسوف تتولى السلطة الفلسطينية إدارة السيطرة على الحدود في غزة، بدعم دولي مؤقت من الجهات الفاعلة ذات الصلة، كما حدث مع بعثة المساعدة الحدودية التابعة للاتحاد الأوروبي في عام 2005.
4. دمج المؤسسات والخدمة المدنية
تؤكد خطتنا على الحاجة الحيوية إلى دمج وتنسيق المؤسسات والخدمة المدنية في مختلف أنحاء الضفة الغربية وغزة. ولتيسير ذلك، سنعين قيادات عليا مؤقتة للمؤسسات الحكومية في غزة، لتولي مهامها مؤقتاً إلى حين اختيار المديرين الدائمين من خلال عملية شفافة قائمة على الجدارة. وسيتم اختيار الموظفين على أساس الاحتياجات الفنية، مع الالتزام بمعايير الجدارة والشفافية في جميع القرارات المتعلقة بالموظفين.
5. استعادة وظائف الحكم المحلي
كخطوة فورية لاستعادة وإعادة دمج الحكم المحلي في غزة وضمان الملكية المحلية للتعافي، سأقوم بتعيين شخصيات محلية مستقلة وذات مؤهلات عالية في المجالس البلدية والمحلية لمدة عام واحد. وسيتم تزويد هذه المجالس بميزانيات لدعم المشاريع المحلية التي تلبي الاحتياجات العاجلة وتقدم فوائد ملموسة لشعب غزة، وفقًا لإرشادات واضحة حددتها حكومتي. وفي نهاية فترة الانتقال التي تبلغ عامًا واحدًا، سيتم إجراء انتخابات الحكم المحلي في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة لضمان المشاركة الديمقراطية والتمثيل في الحكم المحلي.
إن الدمار غير المسبوق الذي حل بغزة لا يتطلب الدعم العالمي الجاد فحسب، بل يتطلب أيضاً التزاماً جماعياً بإعادة الإعمار والتعافي. ونحن ندعو جيراننا العرب وجميع الدول الشريكة إلى الوقوف معنا في هذا الجهد الضخم. فمعاً، نستطيع أن نعالج الاحتياجات الفورية لشعبنا، ونستعيد الخدمات الأساسية، ونعيد بناء الاقتصاد، ونعيد إحياء الأمل.
إن هذا المسار، على الرغم من التحديات التي يفرضها، هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق إلى الأمام ــ السبيل الذي يضع الأساس للسلام الدائم والأمن والازدهار. ولا يتعلق الأمر فقط بمستقبلنا كشعب فلسطيني، وسعينا الدؤوب إلى تقرير المصير، وحقنا في العيش في حرية وكرامة؛ بل يتعلق أيضاً بضمان الاستقرار ومستقبل أفضل لجميع شعوب المنطقة.
ترجمة خاصة لصدى نيوز عن صحيفة الواشنطن بوست