جرعة أمل
أهم الأخبار

جرعة أمل

 

بقلم: دينا الشامي

جميلة البالغة من العمر 40 عاماً، أم لثلاثة أبناء، من مدينة بيت لحم، تحدت مرض السرطان بقوة وبسالة وأقنعت نفسها بأنها سوف تتعافى وتتشافى من ذلك المرض اللعين وأنها سوف تطرد ذلك المحتل اللئيم من جسدها بصبرها وتحملها وبقوة إرادتها وثقتها بالله.

في نيسان 2014، استيقظت جميلة من نومها بتثاقل، بعد ليلة مقلقة دون سبب، وقبل أن تغادر سريرها، أحست بشعور غريب. بدأت بتفحص نفسها لتجد كتلة صغيرة في ثديها، الأمر الذي جعلها تفزع، ودون تفكير اتجهت فوراً إلى طبيبها الذي هدأ من روعها، ونصحها بإجراء فحوصات لمعرفة ما هي هذه الكتلة.
خرجت جميلة من عيادة الطبيب وتوقعت حدوث الأسوأ، وجلست في مقعد السيارة ساكنة لبرهة من الوقت. مرّ أمامها شريط من ذكريات مبعثرة، فعادت بها الذاكرة إلى أيام طفولتها ومراهقتها التي حصدت فيها الكثير من الميداليات الذهبية في مسابقات الركض.
جاءت نتيجة الفحوصات لترسم واقعاً جديداً على حياة جميلة وزوجها وأبنائها، فقد تأكدت من إصابتها بسرطان الثدي، في مرحلته الثانية، وبذلك توجهت جميلة إلى مستشفى بيت جالا الحكومي لتخضع للعلاج.
قالت جميلة:" عندما جمعت عائلتي في بيتي للحديث عن إصابتي بمرض السرطان، كانت ردة فعلهم الصدمة  والحزن الشديد، فكانت أعينهم حمراء من شدة البكاء على وضعي، الا أنني كنت أقوى من ردة فعلهم، ولم أرغب بأن أضع نفسي في قالب الاستسلام واليأس والضعف، فأنا واقعية بطبعي، فلا أقول بأن هذا المرض سهل على الإطلاق، فمواجهته تتطلب الشجاعة والثبات، وكنت أتعامل مع مرضي بإيجابية وأقول دائماً "تفاءلوا بالخير تجدوه"، وكلما أُغلق أحد الأبواب في وجهي يفتح الله باباً آخر لي".

"أصبحت أتعالج في مستشفى بيت جالا الحكومي إلا أن العلاج لم يكن كافي لشفائي، ومن ثم انتقلت إلى مستشفى المطلع في القدس لأكمل العلاج وكنت أعتبر ذلك الكيماوي "جرعات من الأمل" حيث كنت أعاني في الوصول الى المستشفى بفعل إجراءات الاحتلال الصارمة، ففي يوم من الأيام كنت بحاجة إلى العلاج وأخذ الأدوية اللازمة وأثناء وصولي لحاجز300 لكي أدخل للقدس المحتل، قامت قوات الاحتلال بالتحقيق معي وتم تعطيلي من الوصول إلى المستشفى، إلا أن ذلك لم يهبط من معنوياتي وكانت ثقتي بالله اكبر من أي شيء".

توجب على جميلة الخضوع لسبعة جلسات كيماوي، كانت في البداية تأخذ كيماوي مخفف حتى يستجوب  جسدها للعلاج، ومن ثم أصبحت تأخذ الكيماوي بشكل مركز، ومع الجلسة الثالثة أحست جميلة بتعب شديد لدرجة أنها لم تكن تريد أن ترى أي شخص فقط تريد أن تنعزل وتتألم بمفردها، لم تكن تريد أي شفقة من أي شخص، فوصفت العلاج "كان شبيه بالنار التي تحرق الجسد من الداخل، وكنت أشعر أن جميع أصناف الطعام المفضلة لدي قد تحول طعمها إلى الطعم المر ،وتحولت روائح العطور التي أحبها إلى رائحة كريهة تسبب لي الصداع والغثيان، والعلاج أيضاً كان يؤثر على تصرفاتي لأن الأدوية التي يتم إعطائها لي تؤثر على الأعصاب. 

ففي يوم من الأيام فاقت جميلة فوجدت على وسادتها خُصل من شعرها الذي بدأ يتساقط وكأنه حزين على ما أحل بها، فلم يهن عليها ذلك فقامت بقصه كله وأثناء ذلك استحضرت مشهد قديم هو عندما كانت تسرّح شعرها وتهتم به وأيضاً تذكرت ماضيها الجميل عندما كانت تقوم بتجديل شعرها الطويل للذهاب إلى المدرسة في الصغر،فترقرقت الدموع في عينيها.  

 ومع ذلك إلا أنها ظلت قوية جبارة تحارب المرض، وكانت أصعب التحديات بالنسبة لها هو خوفها من ترك أبنائها دون أم، لكنها حولت تلك النقطة إلى قوة استمدتها من أعينهم، استمدت أيضاً قوتها من زوجها الذي ظل سنداً بجانبها طول فترة مرضها ،ومن أقربائها الذين كانوا عوناً لها.

وفي الجلسة السابعة من الكيماوي أخبرها الطبيب أنها قد تكون آخر جلسة لها، فبدا الفرح الشديد على وجهها وأثناء إجراء الفحوصات لها تبين للأطباء أنها شفيت تماماً من المرض واتصل طبيبها بها وأخبرها بهذا الخبر السار فغمرت السعادة قلبها واطمأن بالها بأنها تخلصت من هذا المرض الذي لا يرحم.
أخبرت جميله الجميع بأنه تم شفائها من المرض وقامت عائلتها بالاحتفال بها وتوزيع الكنافة على من كانوا دعماً لها.

"بعد مروري بهذا الامتحان فمفهوم الحياة اختلف بالنسبة لدي وتغيرت نظرتي للكثير من الأشخاص والأمور فبت أرى الحياة سهلة للغاية ،أرى أن الأمور المادية والمظاهر والشكليات لا قيمة لها، كما زاد تعاطفي مع كل محتاج وكل مريض مهما كان مرضه، وأصبح اهتمامي بهذا يأخذ حيزاً كبيراً من حياتي وتفكيري، وتقربت من الله أكثر ".

غيّر السرطان في جميلة الكثير، فبعد أن تماثلت للشفاء أصبحت تؤمن أن مرض السرطان من الممكن التغلب عليه، ولم تعد مشاكل الحياة اليومية الصغيرة تشغل حيزاً كبيراً في تفكيرها، بل ارتأت أن تكون الدافع والحافز لصديقاتها وزميلاتها لأن يقمن بإجراء فحوص الكشف المبكر بشكل دوري ونصحت المرضى بأن العلاج يعتمد على النفسية لا على الجانب الطبي فحسب، ويجب أن يتذكر المريض بأن هذا المرض مؤقت وسوف يزول، كما أنها لا تبخل بمنح النصح لكل من تقابل بأن اتباع نظام صحي وممارسة الرياضة والابتعاد عن التوتر والقلق كلها مجتمعة تقلل من فرص الإصابة بمرض السرطان.