
من النضال إلى الدبلوماسية: "المرأة الفلسطينية تصنع السياسة وتخاطب العالم"
النساء يصنعن السياسة.
لم تعد المرأة الفلسطينية مجرد رمز للنضال أو شاهدة على المأساة؛ بل هي فاعلة أساسية في تشكيل المستقبل السياسي والاجتماعي الوطني. ومع انتقال المشروع الوطني نحو "مأسسة" التمثيل، برزت مظاهر "الإقصاء الناعم" للنساء، تمثيل شكلي، إدماج سطحي، وحضور مشروط لا يعكس عمق التجربة ولا الحاجة الموضوعية لمشاركتهن الفعلية. ورغم ما تحملته النساء من أثقال الحرب والسلم، فإن أدوارهن لا تزال محصورة في هوامش القرار، ويُراد لهن أن يظهرن كمشهد لا كمضمون، وكعدد في تقرير لا كصوت في القرار.
إنها لحظة فاصلة تتطلب قلب المعادلة، حيث تغيير المسار للنساء والانتقال من التمثيل الرمزي إلى التأثير الحقيقي، ومن الحضور المحدود إلى القيادة الفاعلة، وخاصة أن المجتمع الفلسطيني يعيش لحظة هشاشة سياسية واجتماعية غير مسبوقة، والسلم الأهلي بات ضرورة وجودية.
هذا التحوّل من النضال التقليدي إلى الدبلوماسية الحديثة لا يعني التخلي عن جوهر القضية، بل تطوير أدواتها وتوسيع جمهورها. والمرأة الفلسطينية اليوم تملك من الشرعية، والخبرة، والجرأة، ما يجعلها قادرة على أن تكون واجهة فلسطين أمام العالم.
إعادة توزيع الأدوار والاعتبار للفاعلات الحقيقيات.
المرأة اليوم وفي ظل الظروف الراهنة، ليست مطالبة بأن "تشارك" فقط، بل أن تقود وتبادر وتفاوض وتبني، فهذه لحظة فارقة تتطلب أن تكون المرأة فاعلة في السياسات الخارجية والداخلية على حد سواء، وتعمل ضمن استراتيجيات جماعية، لا فردية، لضمان استدامة تأثيرها.
وما ينقص هذا المسار هو خلق تجانس حقيقي بين "القاعدة" النسوية – النساء في المجتمعات المحلية – و"الرأس" السياسي أو النخبوي الذي يُفترض أن يمثلهن. فضعف التواصل بين القاعدة والقيادة يؤدي إلى غياب الانعكاس الواقعي لأولويات النساء في السياسات العامة والمواقف الدولية، وهو ما ينتج عنه تمثيل شكلي، أو انفصال بين الخطاب والممارسة.
لذلك، يجب ألا يكون الهدف مجرد تمكين عدد من النساء للوصول إلى مواقع عليا، بل بناء سلسلة متكاملة من التمثيل المتدرج، تبدأ من المجالس القروية، مرورًا بالنقابات والاتحادات، وصولًا إلى الوزارات والسفارات، في إطار انسجام وتغذية راجعة تعكس هموم القاعدة وتعيد ترتيب الأولويات بناءً على حاجات النساء الفعليات. وتأكيد أن الأدوار ضمن هذا المسار لا تقتصر على الوجود الدبلوماسي والمناصب الرسمية، بل تبدأ من قدرة النساء على تمثيل قضاياهن في النقابات، والمجالس القروية، واتحادات العمل المجتمعي.
من الهامش لمركز القرار.
التناقض الصارخ بين تقديس ماضي المرأة وتهميش حاضرها يخلق فجوة تمثيلية لا تراكم على التجربة، ولا تؤسس لمستقبل عادل، المشروع التحرري لا يكتمل دون أن تكون النساء في مركز القرار، لا على هامشه؛ في صُلب دوائر التأثير، لا في مراسمه فحسب.
المطلوب اليوم ليس فقط "رفع نسب التمثيل"، بل إعادة هندسة العلاقة بين النساء والسلطة، بحيث تتحول المرأة إلى جسر فعلي بين المعاناة اليومية والرؤية السياسية.
ولا يكفي الدفع بعدد من النساء إلى المناصب العليا بل بناء سلسلة متكاملة من التمثيل تبدأ من المجالس القروية، مرورًا بالنقابات والاتحادات، وصولًا إلى الوزارات والسفارات. تمكين النساء لا يجب أن يكون رأسياً فحسب، بل أيضاً أفقيًا يشمل جميع المناطق والمجتمعات، بحيث يعكس الواقع الميداني للنساء وهمومهن الحقيقية. وغياب هذا الوعي سيجعلنا نُعيد إنتاج الفشل، ونفقد إحدى أهم القوى القادرة على مواجهة التفكك والانهيار من الداخل.
تمثيل متصل وتمكين متدرج.
وهنا تبرز الحاجة إلى تبني مفهوم "التمكين المتوازي" الذي يجمع بين دعم النساء في القاعدة المجتمعية، ومراجعة أداء القيادات النسائية لضمان تمثيل فعلي لا رمزي، فضعف التواصل بين القاعدة والقيادة يُنتج سياسات منقطعة الصلة بالواقع، ويُكرس تمثيلاً فارغًا من المضمون.
المطلوب للمرحلة القادمة
ضمن المرحلة الحالية العمل على الانتقال بالمرأة الفلسطينية من موقع المُتلقية والمتأثرة بالحرب والاحتلال، إلى فاعلة في الحقل السياسي والدبلوماسي، وصانعة لخطاب فلسطيني نسوي يخاطب العالم بلغته وأدواته، ويؤثر في الرأي العام وصنّاع القرار.
1. إعادة الاعتبار للمرأة كفاعل استراتيجي في الدبلوماسية والسياسة من خلال تأهيلها لقيادة ملفات استراتيجية مثل الأمن، السلام، العلاقات الدولية، وحقوق الإنسان.
2. تعزيز التمثيل السياسي والدبلوماسي للمرأة في البرلمان، السلك الدبلوماسي، الوفود التفاوضية، واللجان الوطنية.
3. التمكين من أدوات الدبلوماسية الحديثة عبر التدريب على مهارات التحليل السياسي، الخطابة، التفاوض، وفهم البروتوكولات الدولية.
4. الانخراط في صناعة القرار من خلال المشاركة في لجان السياسات العامة، وطرح أوراق موقف تعكس منظور النوع الاجتماعي.
5. بناء تحالفات نسوية عابرة للحدود للتأثير في السياسات الخارجية عبر التعاون مع قيادات نسوية إقليمية ودولية.
6. تمثيل القضايا النسوية ضمن الخطاب الوطني العام دون عزلها عن السياق السياسي والاجتماعي الأوسع.
7. الدفاع عن حقوق الأسيرات واللاجئات وضحايا الاحتلال عبر استخدام الدبلوماسية الناعمة وحشد الدعم الدولي.
8. تفعيل القرار الأممي 1325 وضمان مشاركة النساء في عمليات السلام والمصالحة الوطنية، ومفاوضات وقف إطلاق النار.
9. تطوير السياسات الداخلية للأحزاب والحركات السياسية لخلق بيئة داعمة للقيادات النسائية.
10. العمل على تغيير الصورة النمطية المجتمعية عبر الإعلام والتعليم والخطاب العام.
11. تمكين النساء من قيادة مبادرات المصالحة الوطنية وتمثيلهن في لجان الحوار الوطني.
12. تعيين نساء في مواقع قيادية في الخارجية والسفارات والمنظمات الدولية، مع الضغط لتوسيع الكوتا السياسية.
13. إبراز التاريخ النضالي للمرأة الفلسطينية في الرواية الوطنية الرسمية والإعلامية.
14. صناعة خطاب دبلوماسي نسوي يربط بين الاحتلال وآثاره على النساء، ويربط بين التحرر الوطني والاجتماعي.
خاتمة:
في هذه المرحلة، تُعد أولوية إنهاء الاحتلال مدخلًا لا غنى عنه لتحقيق العدالة، وضمان كرامة الإنسان الفلسطيني – نساءً ورجالًا، ومن هنا، تبرز الحاجة إلى صياغة خطاب دبلوماسي نسوي، يكشف بوضوح آثار الاحتلال على النساء، ويربط بين التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي.
هذا الخطاب لا بد أن ينبع من تجارب النساء اليومية في الميدان، ويُترجم إلى سياسات وتحركات على المستوى الرسمي والدولي، ويتطلب ذلك تعزيز الاتصال بين النساء في المجتمعات المحلية وصناع القرار، لضمان تمثيل عادل وشامل يعكس الواقع، ويستجيب للحاجات الحقيقية.
كما تقتضي المرحلة بناء آليات تغذية راجعة حيّة وفاعلة، تُبقي العلاقة بين التمثيل الشعبي والتمثيل الرسمي علاقة حوار لا تسلسل، وشراكة لا وصاية، بذلك، تتحول المرأة الفلسطينية من متفرجة إلى صانعة للسياسة، ومن موضوع للحديث إلى صانعة للخطاب.
فالمرأة الفلسطينية ضمن المرحلة الحالية والمستقبلية لم تعد فقط "الرمز"، بل أصبحت جزء أصيل من سياسة صنع القرار وصناعة التحول.

الرئيس أبو مازن و (استراتيجية الضعيف)

حين تُمنع الكاميرا… تُستباح الحقيقة

التنوع في مجالس الإدارة: خيار الماضي وضرورة الحاضر والمستقبل

مسار اخر للسلام العادل ممكن!

كيف مرّت 600 يوم على الإبادة؟

الاء النجار: حين يُذبح القلب تسع مرات

لماذا كان التطبيع مع العدو؟
