هل تنتقل الحرب الإسرائيلية الإيرانية إلى حرب إقليمية!
تقارير مميزة

هل تنتقل الحرب الإسرائيلية الإيرانية إلى حرب إقليمية!

مركز ثبات للبحوث واستطلاعات الرأي يصدر تقدير الموقف رقم 2 لسنة 2025 حول "هل تنتقل الحرب الإسرائيلية الإيرانية إلى حرب إقليمية!" ضمن سلسلة تقدير الموقف التي يصدرها المركز للعام 2025. 

على مدار الأيام الثلاثة الماضية غصت سماء منطقة الشرق الأوسط بقاذفات الحمم والموت، إثر بدء الحكومة الإسرائيلية هجماتها العسكرية الواسعة النطاق على الجمهورية الإيرانية استهدفت بنى تحتية حيوية تتضمن منشآت نووية متعددة ونظام الدفاع الجوي واغتيال عدد من كبار العسكريين وتصفية علماء في البرنامج النووي ومستودعات ومختبرات أبحاث عسكرية مرتبطة بالتطوير أنظمة التسلح بالإضافة إلى منشآت اقتصادية حيوية خاصة في مجال النفط والطاقة. وضعت الحكومة الإسرائيلية أهدافاً متعددة الأوجه من هذه الحرب تتمثل في أقصاها أو الأهداف بعيدة المدى بإسقاط النظام السياسي الإيراني القائم وتدمير البرنامج النووي في حدها الأقصى، فيما يبدو أن هناك أهداف آنية تتعلق بإعاقة البرنامج النووي الإيراني لسنوات عديدة أو اجبارها على الذهاب إلى مفاوضات مع الجانب الأمريكي بما ينسجم مع الشروط الأمريكية في المفاوضات بحيث يتم تحجيم طموحات البرنامج النووي الإيراني وابقائه تحت الرقابة المشددة، ووقف دعم حلفائها في المنطقة، وتقليص إمكانيات الصناعة العسكرية الإيرانية وفي مقدمتها صناعة الصواريخ البالستية.  

ثلاثة سيناريوهات محتملة للحرب الحالية

السيناريو الأول: الاكتفاء بالضربات المتبادلة على مدار عدة أيام قد تصل إلى حوالي الأسبوعين وتكتفي إسرائيل بما حققته من إعاقة للبرنامج النووي بما في ذلك تدمير بعض المنشآت النووية، واغتيال عدد من العلماء العاملين في البرنامج النووي، وما قامت به من عمليات عسكرية لتدمير نظام الدفاعات الجوية، ومنشآت عسكرية سواء المختبرات والمصانع العسكرية ومنصات إطلاق الصواريخ بعيدة المدى، بإضافة إلى المنشآت الاقتصادية الحيوية كالطاقة دون المساس بالنظام السياسي الحاكم أو زعزعة أركانه؛ وذلك للتمهيد للعودة للمفاوضات ما بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإيرانية وفقاً لمفهوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحت القوة أو مفهوم نتنياهو  إجراء المفاوضات تحت النار.

السيناريو الثاني: الاستمرار في الحرب لعدة أسابيع أو أشهر متتالية بضربات متبادلة كحرب استنزاف تعتمد إسرائيل في ذلك على سلاح الجو الإسرائيلي وهي عمليات مكلفة للغاية مالياً ومنهكة للضباط الإسرائيليين لطول المسافة المقطوعة بين إسرائيل وإيران ومتعبة للجمهور الإسرائيلي على طول المدة من عدم الاستقرار. في المقابل تعتمد إيران على إطلاق الصواريخ البالستية بشكل منتظم لكنها أيضا منهكة للمخزون العسكري الاستراتيجي، ومكلفة للاقتصاد الإيراني المتعب بالأساس خاصة في ظل عدم وجود دفاعات جوية قادرة على تهديد سلاح الجو الإسرائيلي أو حماية الأجواء الإيرانية. هذا الأمر قد يؤدي إلى وقف العمليات العسكرية أو توقفها من تلقاء نفسها دون تحقيق انتصارات لكلا الطرفين. 

السيناريو الثالث: يقتضي هذا السيناريو، وهو الأكثر رعباً وخطورة على المنطقة، بتحول الحرب الإيرانية الإسرائيلية إلى حرب إقليمية بحيث لا تعد مقتصرة عليهما، وذلك من خلال تدخل أطراف أخرى فيها؛ سواء تدخل الولايات المتحدة في العمليات العسكرية الهجومية بشكل مباشر سواء من خلال القواعد العسكرية الموجودة في الخليج والمنطقة أو البوارج الحربية وحاملات الطائرات المنتشرة في المنطقة، أو مشاركة حلفاء إيران وأتباعها في المنطقة. في هذا السيناريو يصبح هدف إسقاط النظام الإيراني أحد الأهداف الرئيسية للحرب.

حتى هذه اللحظة لا تشير الإدارة الأمريكية إلى إمكانية مشاركة إسرائيل في العمليات الهجومية على إيران بالرغم من الاتفاق على المبدأ القائم على ضرورة إخضاع إيران للذهاب لمفاوضات حول برنامجها النووي وفقاً للشروط الأمريكية. وذلك يرجع في أغلب الظن إلى أنّ الرئيس الأمريكي لا يرغب بالدخول في حروب جديدة تفرضها إسرائيل عليه، خاصة أنّ شعاره "عظمة أمريكا" اقتصادياً يتنافى مع الانفاق على الحروب الخارجية، كما أنّ هذا الأمر يتماشى أيضا مع المفهوم الانعزالي للحزب الجمهوري الأمريكي القاضي بالتخلص من الإنفاق الخارجي على المؤسسات الدولية بما فيها هيئة الأمم المتحدة. 

في المقابل ترغب إسرائيل بانخراط أو توريط الولايات المتحدة في هذه الحرب وذلك بسبب معرفة الإسرائيليين أنفسهم أنهم غير قادرين أو أنّهم لن يتمكنوا لوحدهم وبقدراتهم العسكرية المتوفرة لديهم من إنهاء أو تدمير البرنامج الإيراني، أو بداعي أنْ يتم الاعتماد على ما تم إنجازه/ تدميره من البرنامج النووي للذهاب إلى مفاوضات أمريكية إيرانية لإنهاء ووقف البرنامج النووي الإيراني بفضل الضربات الإسرائيلية.  

دور الولايات المتحدة الأميركية في هذه الحرب 

حتى الآن يقتصر دور الولايات المتحدة الأمريكية على أربعة تدخلات جوهرية لدعم إسرائيل في حربها الحالية تتمثل بـ: (1) استمرار الدعم العسكري السنوي المقدر بحوالي 3.8 مليار دولار أمريكي، وقد تذهب لتقديم دعم مالي إضافي وتزويدها بأنواع أسلحة نوعية لضرب تحصينات المنشآت النووية الإيرانية؛ كما فعلت الإدارة الأمريكية الفارطة بداية الحرب الإسرائيلية على غزة. و(2) الدعم السياسي في أروقة الأمم المتحدة كالعادة لمنع مجلس الأمن من التدخل أو عرقلة إصدار قرارات تدين العدوان الإسرائيلي أو تطالب بوقف إطلاق النار، وتجنيد دعم سياسي غربي لإسرائيل في حربها. و(3) الاستمرار بتزويد إسرائيل بالمعلومات الاستخبارية العسكرية والتسهيلات اللوجستية المتعلقة بواقع النظام السياسي الإيراني وقدراته العسكرية وتحركاته، و(4) استمرار الدفاع عن إسرائيل من خلال التصدي للصواريخ والطائرات المسيرة التي تطلقها إيران عبر منظومات الدفاع الأمريكية الموجودة في المنطقة، إضافة إلى تقوية أنظمة الدفاع الإسرائيلية المختلفة بما فيه توفير أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية.

غايات نتنياهو من إطلاق هذه الحرب

في قراءة أفعال السياسة الإسرائيلية في عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لا يمكن إغفال غاياته السياسية الضيقة وكذلك الايديولوجية في أيّ عمل حكومي أو مغامرة سياسية أو عسكرية يُقْدِم عليها؛ ففي الوقت الذي يرى فيه نتنياهو أنّ الأجواء متاحة لإسرائيل للوصول إلى الأراضي الإيرانية بعد فشل استراتيجية الصبر الإيراني إثر اضعاف شوكة حلفاء إيران في المنطقة وانهيار بعضها مثل حزب الله، وغياب أنظمة الدفاع الجوي في كل من سوريا بعد ضربها من قبل إسرائيل، والعراق إثر حرمانها من امتلاك منظومة دفاع جوّي قادر على التصدي لاختراقات سلاح الجوي الإسرائيلي لأراضيه، فإن تحقيق أحلامه بتغيير الشرق الأوسط كما أعلن عنها في غير مرة باتت قريبة خاصة فيما يتعلق بتدمير أو إعاقة البرنامج النووي الإيراني.  

يمكن تَمَثُل غايات نتنياهو من هذه الحرب كما يلي: (1) تتويج نتنياهو ملكاً لدولة إسرائيل بالقدرة على الوصول إلى الأعداء البعيدين لإشباع غريزة العظمة لديه. (2) وقف الانتقادات الداخلية المستمرة حول فشل تحقيق أهداف الحكومة الإسرائيلية في الحرب على غزة وبخاصة فشله بإعادة الأسرى الإسرائيليين على مدار العشرين شهراً الفارطة. (3) وقف الانتقادات الدولية لإسرائيل على خلفية استخدامها التجويع كوسيلة حرب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة وكذلك زيادة حدة الاستيطان واعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية التي تزايدت في الشهرين الأخيرين. (4) وقف التحركات السياسية الدولية بما فيها مؤتمر نيويورك الذي تقوده كل من المملكة العربية السعودية وفرنسا فيما يتعلق بخيار حل الدولتين أو تحركات أخرى لحماية خيار حل الدولتين المرفوض إسرائيلياً أو على الأقل من قبل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي ومكونات سياسية رئيسية في المعارضة الإسرائيلية. 

التمثلات الخاطئة حول والإسرائيليين 

ساد اعتقاد لدى الكثير أنّ المجتمع الإسرائيلي لا يستطيع الاستمرار في حرب طويلة، وأنّه يعتمد على الحروب الخاطفة ويفضل على أنْ لا تكون على أرضه، وأنّ الإسرائيليين/ الحكومات الإسرائيلية حساسون بشكل كبير على حياة الإسرائيليين ورفاهيتهم، وأنّ الإسرائيليين يهرولون هرباً لمغادرة إسرائيل للخارج حال اندلاع الحرب بأعدادٍ كبيرة، كما أن الاقتصاد الإسرائيلي لا يتحمل أضرار الحرب أو أن الإسرائيليين لا يتحملون الخسائر. 

لكن بانت التمثلات القائمة أو التخيلات الماثلة لدى العرب والاقليم حول الإسرائيليين أو المجتمع الإسرائيلي بأنّها خاطئة أو جانبها الصواب أو بمعنى آخر لم تكن دقيقة خاصة بعد الحرب التي خاضتها إسرائيل في قطاع غزة على مدار العامين الماضيين، وذلك لعدم إدراك مغزى التحولات في البنى الثقافية والاجتماعية للمجتمع الإسرائيلي في العشرين عاماً الماضية والمتمثلة بـ: (1) الانزياح نحو اليمين واليمين الفاشي وتأثيرات الصهيونية الدينية بأشكالها المتعددة وتحكم المستوطنين في ناصية الحكم في إسرائيل. (2) غالبية الإسرائيليين هم اليوم من مواليد إسرائيل أو المستوطنات في القدس والضفة الغربية وليسوا مهاجرين أي لديهم ارتباط بهذه الأرض. (3) تأصل فكرة الدولة اليهودية لدى جميع الإسرائيليين على اختلاف منابتهم وأصولهم وتياراتهم الفكرية والسياسية بغض النظر عن الصراع القائم في المجتمع الإسرائيلي حول شكل وطبيعة مؤسسة الحكم وليس حول الدولة ذاتها؛ فالمعارضة بخلاف مع الحكومة من داخل النظام السياسي بما يحقق سياسات وتطلعات فئات اجتماعية بعينها ومصالحها مع وجود مؤسسات ضامنة لاحترام مصلحة الجمهور. (4) الاتفاق على وجود خطر وجودي متمثلين بوجود الفلسطينيين بين النهر والبحر من جهة، ووجود قوى إقليمية منافسة لها مثل إيران تمتلك قدرات عسكرية متفوقة أو مهددة لإسرائيل وهو أمر ينطبق على القوى الإقليمية أو الدول الطامحة في المنطقة لتكون قوة إقليمية.   

 متى يمكن أنْ تتحول الحرب الإسرائيلية الإيرانية إلى حرب إقليمية 

إنّ التدخل الأمريكي في هذه الحرب أيّ المشاركة في الهجمات العسكرية يمكن أنْ ينشأ بوجود واحد أو أكثر من التحولات المتمثلة بالآتي: (1) إغلاق إيران مضيق هرمز باعتباره شرياناً لا غنى عنه في تجارة الطاقة العالمية الأمر الذي يؤثر على الاقتصاد العالمي برمته بسبب انقطاع إمدادات النفط والغاز التي تشكل 20% من الامتدادات العالمية للنفط والغاز المسال. (2) إعادة النظر لدى القيادة الإيرانية في الاستراتيجية النووية المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني بتحويل إلى برنامج عسكري لدخول نادي الدول النووية والانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. (3)  تنفيذ إيران لتهديداتها المتعلقة بضرب القواعد العسكرية أو البوارج والسفن الحربية أو المصالح الاقتصادية للدول التي تساهم في الدفاع عن إسرائيلي بما في ذلك التصدي للصواريخ والطائرات المسيرة المنطلقة من إيران نحو إسرائيل. (4) شعور الولايات المتحدة بأنّ إسرائيل قد تورطت في هذه الحرب وتكبدت خسائر مادية وبشرية كبيرة يعرضها لفقدان تفوقها العسكري في المنطقة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.