
حين تصبح الطمأنينة سلاحاً: نتنياهو والسادات واستراتيجيات الخداع السياسي
في عالم السياسة، لا تكون الحقيقة دائمًا ما يُقال، بل غالبًا ما تكون ما يُخفى أو يُضلل بعناية. ففي الحروب، لا يُعدّ الإعلام أداة لنقل الحدث فحسب، بل يصبح جزءًا من المعركة نفسها. ومن يُتقن إدارة الصورة، قد يتمكن من حسم الجولة قبل أن تُطلق أول رصاصة.
هذا ما أتقنه بعض القادة في التاريخ، مثل الرئيس المصري أنور السادات قبيل حرب أكتوبر 1973، وما قام به رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في تعامله مع التوتر القائم مع إيران. كلاهما لجأ إلى الخداع الاستراتيجي الإعلامي كوسيلة لضمان المفاجأة، وبثّ الارتباك في صفوف الخصم.
تضليل بطابع "عائلي"
خلال الأيام التي سبقت الضربة الإسرائيلية الأخيرة على إيران، تعمد مكتب نتنياهو بث رسائل طمأنة مفبركة. فقد أُعلن أنه ينوي قضاء عطلة عائلية، كما جرى الترويج لحضوره زفاف نجله أفنير منتصف الأسبوع التالي. ترافقت هذه الإشارات مع أنباء عن سفر وزيرين أمنيين رفيعين إلى واشنطن، ليتشكل انطباع عام بأن لا نية للتصعيد في الأفق القريب.
لكن اتضح لاحقًا، بحسب وسائل إعلام عبرية، أن هذه المؤشرات لم تكن سوى جزء من خطة خداع محكمة. فالوزيران لم يغادرا البلاد، ونتنياهو لم يخرج في إجازة. حتى الاقتباسات المتداولة عن حوار بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي أظهرت خلافًا مفتعلًا بين الطرفين، لم تُنفَ رسميًا رغم عدم صحتها.
ما جرى يُذكّرنا بما تحدّث عنه المفكر نعوم تشومسكي في تحليله لأساليب التلاعب بالعقول. أبرزها:
• الإلهاء: صرف الأنظار عن الحدث الأساسي عبر التركيز على تفاصيل ثانوية أو مشاهد إنسانية.
• المفاجأة المُسيطر عليها: خلق لحظة صدمة بعد اطمئنان زائف.
• بث التضليل عبر وسائل الإعلام الصديقة، لضمان إعادة إنتاجه بلا مساءلة.
نتنياهو هنا لم يخدع الإيرانيين فحسب، بل خدع الجمهور الإسرائيلي أيضًا، ليحافظ على صورة القيادة المتحكمة، وليحمي نفسه سياسيًا وسط ضغوط داخلية متزايدة.
عندما كرر نتنياهو مشهد السادات:
اللافت أنّ نتنياهو لم يكن أول من استخدم هذا النوع من المسرحيات السياسية. فقد سبقه السادات عام 1973، عندما ظهر فجأة وهو يصطاد السمك في بحيرة قارون، بينما كانت القوات المصرية على أعتاب بدء الهجوم التاريخي الذي غيّر موازين الصراع العربي الإسرائيلي.
الرسالة يومها كانت واضحة: "نحن لا نحضر للحرب". لكنها كانت رسالة خاطئة متعمّدة، جزء من حرب نفسية محسوبة بدقة، لخداع العدو وإرباك قراءته للواقع.
السؤال الكبير:
إذا كانت حكومة الاحتلال قادرة على صناعة هذا المستوى من الخداع الإعلامي المتقن لإخفاء عملية عسكرية،ةفكم من "الأخبار الهادئة" التي نسمعها من تل أبيب اليوم هي في الحقيقة واجهات لإستراتيجيات أعنف تُعدّ في الخفاء؟
وهل أصبح الجمهور في منطقتنا ضحية دائمة لصورة إعلامية تُدار بدقة، لا تُعبّر عن الحقائق، بل تخلق حقائق بديلة؟.
أخيراً:
ما بين خداع السادات الذكي لحماية مشروع النصر، وخداع نتنياهو المحسوب لحماية مشروع البقاء، تبرز الحقيقة الثابتة: الإعلام لم يعد مجرد وسيلة نقل، بل أصبح أداة خداع مركزيّة في يد الأنظمة.. والوعي هو خط الدفاع الأخير.

ندمر أنفسنا بأيدينا؟!

هل اتخذ قرار بتوجيه ضربة إلى إيران؟ مَن وكيف؟!!!

ما بين الانتفاضات الشعبية و (طوفان الأقصى)

هل تفقد العلاقات الإسرائيلية الأميركية خصوصيّتها؟

من باريس الى نيويورك.. مؤتمرات تضليل ام انتصار للحق الفلسطيني؟

الخروج من المأزق الفلسطيني... أفق الإصلاح الممكن

كسر هيمنة الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن: مقاربة قانونية ودبلوماسية لحماية غزة
