الجذور والآفاق للمجموعات المسلحة من الفلسطينيين المتعاونة مع أعداء شعبها
مقالات

الجذور والآفاق للمجموعات المسلحة من الفلسطينيين المتعاونة مع أعداء شعبها

وقعت فلسطين تحت مجموعة متعددة من نظم الحكم والسيطرة والتي كان أخرها الكيان الصهيوني، وبعض هذه النظم السياسية والعسكرية كانت تتعاطى مع الفلسطينيين وأرضهم ومقدراتهم من منطلقات قومية وطبقية بمعنى احتلال المتفوق للضعيف والمهمش والبدائي، فكانت عدواً قومياً وطبقياً للفلسطينيين وحاولت إطباق قبضتها عليهم بالحديد والنار والتذويب والجوع والفقر والتجهيل والمرض.

ولتنفيذ هذه السياسات ونظراً للاختلاف في القومية واللغة والثقافة وعدم المعرفة بالعادات والتقاليد للشعب الفلسطيني المتميز بأنه عشائري عائلي تغلب عليه طبيعة العلاقات البدوية لجهة حضن العشيرة الدافيء والملاذ عند الشدائد، وجد المستعمرون صعوبة في تطويع الفلسطينيين ولا سيما ونحن نتحدث عن الأتراك والإنجليز والصهاينة كنماذج استولت على فلسطين وتعاطت مع شعبها ومقدراتها بطريقة استعمارية كولونيالية إحلالية.

ففي فترة الحكم التركي الذي تجبر في أخر زمانه بالشعوب العربية ومنها الشعب الفلسطيني من خلال نهب المقدرات وفرض التتريك والأخذ عسكر للقتال بدلاً من الأتراك في حروبهم الممتدة، واجه الفلسطينيون هذه السياسة بالعصيان ونما لديهم الحس القومي والشعور بالاضطهاد وشكلوا مجاميع مسلحة تهاجم الأتراك ومراكزهم فرد المحتل التركي بالمجازر والإعدامات ولم يفلح في وأد نزعة الثورة والتحرر. فلجأ التركي لتشكيل زعامات محلية وزودها بالسلاح لقمع تمرد الفلاحين ومنحها صلاحيات القتل والاعتقال، كان من مهامها ملاحقة الفارين من الخدمة الإلزامية في الجيش التركي أو ما عرف بالأخذ عسكر وقتها، واصبحت هذه المليشيات ذات النفوذ من وقت لأخر هدفاً للثوار والمتمردين في السناجق الإدارية في فلسطين، ولم تكن ظاهرة محاربة أعوان التركي وقتها منظمة بل متباينة من منطقة لأخرى.

وتنوعت سطوة العصابات أو التشكيلات الموالية للتركي من حيث الشكل والبنية والحجم تبعاً لموقعها ومدى رضى ولي نعمتها عنها،  ففي الأرياف تمثلت بمخاتير كانوا عيوناً وعوناً للتركي وعلى صلة بمخفر الدرك القريب، وفي المدن كانت سطوة هذه المجموعات العميلة لمشغلها تتبع من حجم المدينة وأهميتها واقتصادها وموقعها وبالتالي كانت زعاماتها محاطة بحرس مسلحين وخيول تحملهم بين الناس وعلى تماس بمكاتب الحكم الإداري والعسكري التركي.

ومع أفول الحكم التركي تلاشت هذه الظاهرة وانتزعت من بين الفلسطينيين وأختفى زعمائها ولم يظهروا من بعد إلا في حالات محدودة مع مجيء الانتداب البريطاني في محاولة من بعض هذه الزعامات الحفاظ على امتيازاتها التي تحصلت عليها من التركي.

وفي الفنرة الممتدة من عام ( 1916-1948) خلال الانتداب البريطاني على فلسطين واستقدام اليهود إلى فلسطين ودعمهم بالمال والسلاح برزت العديد من ثورات الفلسطينين ضد اليهود والإنجليز، ولأن الإنجليز كاستعمار قومي وكولونيالي بعيد عن ثقافة وفهمهم، واجهوا صعوبة في قمع تمردات وثورات الفلسطينيين فلجأوا لتشكيل ميليشيات فلسطينية مسلحة تطارد الثوار والرافضين للوجودين اليهودي والإنجليزي. 

فبعد ثورة 1936 لجأ الإنجليز لتشكيل ما عرف بفصائل السلام من رموز عائلية أمثال فخري النشاشيبي الذي أغتيل في بغداد مع حل الانتداب لهذه المليشيا التي أعدمت ولاحقت الثوار، فكان مصير أفراد هذه الفصائل الملاحقة والإعدام على يد الثوار والمواطنين بصفتهم متعاونين مع الاحتلال والعصابات الصهيونية وعيوناً لهم.

ومن شنائع هذه الميليشا المتعاونة "فصائل السلام" مساعدة البريطانيين بالوصول للقائد العسكري العام للثورة، عبد الرحيم الحاج محمد وامتدت هذه الظاهرة لتشمل مناطق نابلس والخليل وجنين والروحة ومرج ابن عامر ومنطقة عكا والجليل الغربي.

ووقف وراء هذه العصابات المسلحة المناوئة لشعبها الجنرال البريطاني تشارلز تيغارت لأجل القضاء على الثورة، وأشرف تيغارت على تسليح "فصائل السلام"، ووفر الغطاء الأمني والإمداد العسكري لها في مواجهة فصائل الثورة في الأرياف، من خلال عدو من بني جلدتهم ولاءه لأعدائهم  مستغلاً أن هؤلاء جزء من طبيعة البلد، ويعرفون جغرافيتها وأهلها.

بعد الاحتلال الإسرائيلي لباقي فلسطين وأراض عربية أخرى إثر نكسة حزيران 1967 عادت الفكرة من جديد على يد الضابط فيما سمي بالإدارة المدنية مناحيم ميلسون من خلال إنتاجه ما عرف وقتها بروابط القرى. ومنح ميلسون وقيادة جيش الاحتلال الأسلحة والصلاحيات لكل رابطة من الروابط التي توزعت على محافظات الضفة الغربية بالإضافة إلى إنشاء صحيفة خاصة بهم عرفت بإسم أم القرى لتكون ناطقاً إعلامياً بإسمهم.

مارست هذه الميليشيات والتي تلقت التسليح والتدريب والإشراف من جيش الاحتلال ممارسات تعسفية بحق الشعب الفلسطيني ولا سيما في المرحلة الحساسة التي تزامنت مع خروج الثورة الفلسطينية من بيروت ومجازر صبرا وشاتيلا حيث كان مرجل العنف الثوري في الأراضي المحتلة يغلي. وحاول رؤوساء الروابط وعناصرها احتكار تمثيل الفلسطينيين فكان القرار من فصائل العمل الوطني بتصفيتهم على اعتبارهم عملاء للاحتلال فقتل عدد منهم وفر آخرون خارج فلسطين وإلى الكيان. ومع فشل الروابط باعتبارها من النسيج المجتمعي للشعب الفلسطيني في خدمة أهداف الاحتلال أتخذ القرار إسرائيلياً بحلها.

واليوم تنشط مجموعة مسلحة بقيادة ياسر أبو شباب في جنوب غزة  أطلقت على نفسها إسم "القوات الشعبية" مع تصاعد حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، وتعمل هذه المجموعة في خدمة الاحتلال باعتراف نتنياهو وقادة جيشه وبأنهم هم من شكلوا هذه الميليشيا وسلحوها للنيل من المقاومة الفلسطينية ومحاولة تطبيع الجمهمور في رفح من حيث المبدأ للقبول بالاحتلال وبسقف الإعاشة.

ورغم إعلانات البراءة من قائد هذه العصابة ومن معه والتي وزعتها العائلات إلا أن هذه الظاهرة لن يكون مصيرها إلا كمصير باقي المجموعات والميليشيات المسلحة التي خدمت الاحتلالات السابقة حيث سينهي من شغلوها دورها أو تنهيها الجماهير في الميدان.

ولكن يلحظ مما سبق أن سياقاً زمنياً من وجهة النظر البحثية التاريخية يتلخص بأن مثل هذه الظواهر تخرج للعلن كل ثلاثة إلى أربعة عقود هذا أولاً، وثانياً أن المستعمر (العدو القومي/ الطبقي) لم يستطع إختراق المجتمع الفلسطيني وثقافته وبنيته الاجتماعية رغم توالي العقود على وجوده بينهم فيضطر للجوء إلى مثل هذه التشكيلات العصابية المرتهنة له. وثالثاً أن أياً من هذه المجموعات الميليشياوية لم يدم طويلاً ولم تتجاوز في شكلها ومضمونها فقاقيع الهواء. ورابعاً اختيار مؤسسيها من كيانات الاحتلال لأسماء براقة لها ظناً منهم أنها ستساعد في اختراق النسيج الوطني للفلسطينيين.

ولا يدرك القائمون الحاليون والسابقون على هذه العصابات الموظفة في خدمة عدو شعبهم القومي والطبقي أن أكثر مصير لهم لن يكون بأفضل حال من جيش لحد في لبنان، وفي فرنسا عند دخول الجنرال ديغول العاصمه باريس مع إندحار النازية وجد 40 ألف عميل تعاونوا مع النازية فكان مصيرهم الهرب أو الاعدامات الميدانية الشعبية. 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.