
عصابات ومُرتزقة
لا شيء جديد، وكل ما تمارسه دولة الاحتلال هو من صلب طبيعة أي كيان يسعى إلى إخضاع شعب آخر لسلطته ونهب ثرواته.
في الحالة الفلسطينية يسعى الاحتلال إلى التخلّص من السّكان الأصليين، من خلال تقليل أعدادهم بشتى السُّبل وهو ما يسميه التوازن الديمغرافي الذي يجب أن يضمن له تفوّقا عدديًا لصالح العنصر اليهودي، وتفوّقًا في السّيطرة على مساحات الأرض، هذا يشمل كل فلسطين التاريخية، وكذلك السّيطرة الثقافية والّلغوية في الحيز العام، والهيمنة الإعلامية على الصّعيد المحلي والدّولي التي تقلب الباطل حقا والحقّ باطلا، وهذا يتجلّى في السيطرة على المصطلحات اللغوية والتعريفات، مثل كلمة "إرهاب وتخريب وجهاد وتحرير وعصابات ومسلحون وبرابرة وهمج"، وغيرها، بحيث يسيطر الاحتلال على صيغة التعبير والتّعريف، ويُلزم الآخرين على التّعامل بها، بعضهم يمارس هذا وهو مضلّل والبعض يمارسه مع سبق إصرار.
السّيطرة تشمل محاولات تشكيل قوى من الشّعب الخاضع للاحتلال، لتقوم بالتّخريب والاغتيالات وإضعاف الجبهة الداخلية للشّعب الضحية وبثّ الفوضى بين صفوفه والسّيطرة، هذه القوى قد يمنحها الاحتلال تشكيل سلطة فرعية ويدرّبها ويسلّحها ويخصّص لهذا الغرض ميزانيات وأدوات قمع من عتاد وسجون وأموال.
هذا ما فعله وتفاخر به بيبي نتنياهو عندما طُرحت قضيّة مَن يُدعى أبو الشّباب الذي يقود عصابة في جنوب قطاع غزّة.
هذه العصابة تمارس جرائمها بدلا من يد الاحتلال المباشرة، فقد حوّلت مراكز توزيع المساعدات إلى مصائد للموت، حيث يتعرّض الجياع الذين يقتربون من هذه المراكز إلى إطلاق الرّصاص والقذائف من هذه العصابات وكذلك مباشرة من الاحتلال.
يزعم الاحتلال أن هذه عصابات من أهل قطاع غزّة أنفسهم وهي التي تسطو على المساعدات، بل وأنّ هناك دولة عربية تدرّبهم. هذا ليس مستبعدًا ولكنّه يحتاج إلى تأكيد.
تهدف هذه المجموعات إلى التسبّب بالمزيد من الانقسامات الداخلية، وصناعة فوضى وزرع الفتنة بين العشائر، ومن ثم إظهار عجز المقاومة عن السّيطرة وبالتّالي، الترحيب بوجود الاحتلال لأنّه قادر على ضبط الأمن، ووقف حالة الفوضى، والتّعامل معه كأهوَن الشّرين، أو القبول بالتهجير كملاذ أخير للنجاة من الفوضى وفقدان الأمن، إضافة إلى التجويع والقصف.
هنالك أمثلة كثيرة لمثل هذه الحالة من تجنيد العملاء، كان آخرها جيش لبنان الجنوبي الذي سلّحه الاحتلال ودرّب مقاتليه، وكانت مهمّته إشغال المقاومة اللبنانية عن الاحتلال وإلحاق الخسائر بها، والتجسّس، والقيام بأعمال تخريبية داخل قرى ومدن الجنوب بتنسيق وتعاون مع الاحتلال، وبدا في حينه وكأنّ الجنرال أنطون لحد لن يهزم، ما دام أنّه مدعوم من الاحتلال، وقد بلغ عدد جنوده حوالي 3000 عنصر.
ولكن جيش الاحتلال تركهم يواجهون مصائرهم عندما انسحب فجأة عام 2000 من جنوب لبنان، تحت شدّة ضربات المقاومة اللبنانية.
البريطانيون إبان استعمارهم للهند سلّحوا ودرّبوا عشائر لتنوب عنهم في عمليات القمع، واخترعوا نظريّة " الأجناس المحاربة" أي التي تصلح للقتال، مثل السّيخ والغوركا والبلوش والراجبوت وغيرهم.
هذا ما فعلته فرنسا في الجزائر، فأقامت جيشًا من الجزائريين لقمع الثوّار وبثّ الرّعب والفوضى، وجرائم في غاية البشاعة من قتل واغتصاب وتعذيب للوطنيين وأسرهم وحرق قراهم، وبلغ عدد هذا الجيش إلى أكثر من 200 ألف مقاتل، انحلّ بعد انتصار الثورة، وانتقم الجزائريون من عشرات آلاف منهم، وفرّ عشرات آلاف إلى فرنسا التي عاملتهم بعنصرية، وما زالوا يعانون حتى يومنا.
كذلك في جنوب إفريقيا حيث قامت السّلطات العنصرية بتسليح ودعم عصابات من السّكان الأصليين السّود، قاموا بأدوار تخريبية ضد أبناء شعبهم، منها عمليات اغتيال وتخريب ضد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي.
في داخل مناطق الـ48 هنالك بذور تنمو بقوّة برعاية وزير الأمن القومي الكاهاني بن غفير، وهي عصابات أفقدت مجتمعنا الأمان، فانتشرت جرائم القتل حتى باتت شبه يومية.
المجرمون يمارسون الجريمة بشعور أنّهم محميّون، وهذا لم يعد سرًّا، فقد اعترف قادة من الشّرطة بأنّ هناك يدًا فوق أيديهم تمنعهم من القيام بعملهم في مكافحة الجريمة، ومن المتوقّع أن تزداد هذه الحالة من فوضى السّلاح تفاقمًا، إذا ما استمرّت هذه الحكومة وأعيدت مركّباتها الكاهانية إلى السُّلطة.
هذا يعني أنّ الشّرق الأوسط الجديد الذي أعلنه نتنياهو وحكومته لا يستثني عرب ال 48 من المعادلة الجديدة. في قطاع غزّة عصابة أبو الشّباب، نواة لميليشيا برعاية الاحتلال، وربّما بدعم دولة عربية أو أكثر.
في الضفة الغربية تصعيد الاستيطان والاعتداءات على المواطنين وأملاكهم، وإضعاف السّلطة في رام الله بحيث أنها لا تمون على شيء، سوى ما يطلب منها مثل اعتقال ناشطين ضد الاحتلال، وهو ما يضع السُّلطة في مواجهة شعبها، الأمر الذي يعني دق الأسافين بين الضّحايا خدمة الاحتلال.
وفي مناطق الـ48 فإن المهمّة التخريبية، مناطة بعصابات الإجرام لإغراق مجتمعنا في مختلف الآفات التي تجعل حياة الناس جحيمًا، يشجّع الفئات الشّابة على الهجرة، وسواءً مارست هذه العصابات جرائمها بوعي لنتائجها الاجتماعية والوطنية أم من غير وعي، فهذه مقدّمة لما يُخطّط لنا باعتبارنا جزءًا من الرؤية الجديدة للشّرق الأوسط الذي أعلنه النّظام العنصري في إسرائيل، ويعمل على تنفيذه.

كسر هيمنة الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن: مقاربة قانونية ودبلوماسية لحماية غزة

الجذور والآفاق للمجموعات المسلحة من الفلسطينيين المتعاونة مع أعداء شعبها

"الحردليم" يقدمون الحل بمحو الفلسطينيين وغالبية الإسرائيليين يؤيدون

هل تكون بلدية مولنبيك البلجيكية عاصمة للثقافة الأوروبية في عام 2023؟

الأولوية لقيادة موحدة للإنقاذ الوطني

في جنيف، لوّحت بالكوفية ورفعت شارة النصر...

صفقة بلا حرب… وحرب بلا صفقة: إسرائيل تُهزم سياسيًا وإنسانيًا
