
صفقة بلا حرب… وحرب بلا صفقة: إسرائيل تُهزم سياسيًا وإنسانيًا
رغم أن خيار التفاوض كان مطروحاً منذ بداية الحرب اختارت إسرائيل الطريق الأكثر دموية ودماراً فبدلاً من استعادة الأسرى الإسرائيليين عبر الوسائل الدبلوماسية كما فعلت سابقاً قررت حكومة نتنياهو أن تخوض حرباً مفتوحة على غزة دمرت فيها كل شيء وقتلت الآلاف وأغرقت نفسها في عزلة دولية غير مسبوقة… ثم عادت في النهاية إلى نقطة البداية: التفاوض!
منذ السابع من أكتوبر رفعت إسرائيل شعار “استعادة الأسرى” وأعلنت أن الحرب لن تتوقف حتى يعود جميعهم كان بإمكانها – كما حدث في صفقة شاليط عام 2011 – أن تبرم صفقة تبادل لكنها فضّلت أن تجر المنطقة إلى أتون حرب كلفتها مئات القتلى من جنودها وتدمير اقتصادها وتمزيق جبهتها الداخلية.
المفارقة المؤلمة أن جلعاد شاليط أُفرج عنه مقابل 1027 أسيراً فلسطينياً دون أن تطلق رصاصة واحدة أما اليوم وبعد أكثر من ثمانية أشهر من القصف والتدمير تعود إسرائيل لتفاوض على إطلاق الأسرى مقابل هدنة… بعد أن خسرت ما لم تكن بحاجة لخسارته أصلاً .
الحرب التي شنتها إسرائيل لم تكن لأجل الأسرى وحدهم. كان واضحاً منذ البداية أن بنيامين نتنياهو أراد من هذه الحرب شيئاً آخر: البقاء في الحكم والهروب من محاكم الفساد وتفادي الانهيار السياسي الذي كان يهدده أراد أن يصنع “نصراً موهوما” يعيد له الهيبة التي فقدها لكنه غرق أكثر وجرّ معه الدولة كلها.
في الميدان فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي من أهدافه المعلنة لم ينهِ حكم المقاومة في غزة ولم يوقف إطلاق الصواريخ ولم يعيد الأسرى بل على العكس واجه مقاومة شرسة كلفته مئات القتلى واضطر لتدوير وحداته العسكرية بشكل متسارع بسبب الاستنزاف ، كل حي دخله في غزة كان مصيدة وكل محاولة لتقديم إنجاز ميداني انتهت بإعادة الانتشار أو الانسحاب.
أما اقتصادياً فقد دفعت إسرائيل ثمناً باهظاً فوفق تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية تجاوزت كلفة الحرب 65 مليار دولار حتى مايو 2025 هذه الأرقام لا تشمل الخسائر غير المباشرة: كإغلاق آلاف الشركات وفرار الاستثمارات وانخفاض التصنيف الائتماني وتدهور السياحة والنزوح الجماعي من المناطق الحدودية كما أن قطاع التكنولوجيا – فخر الاقتصاد الإسرائيلي – بدأ يفقد بريقه مع تسارع هروب الشركات نحو أوروبا وأمريكا.
الضربة الأخطر لم تكن عسكرية أو اقتصادية فحسب بل سياسية وأخلاقية لقد تحولت إسرائيل في نظر العالم من “الضحية” إلى “الجاني” وبدأت تظهر لأول مرة في مرمى الاتهامات الدولية مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو ووزير دفاعه كانت لحظة فاصلة كشفت كيف أصبحت إسرائيل معزولة دولياً حتى من أقرب حلفائها في أوروبا وأمريكا اللاتينية.
ولم تقتصر الخسائر على غزة فقط بل امتدت إلى فتح جبهات متعددة جعلت إسرائيل في مرمى نيران يومية من لبنان، واليمن، وسوريا ، حزب الله شن عمليات نوعية على شمال إسرائيل وأجبر أكثر من 50 بلدة على الإخلاء في حين ضرب الحوثيون الممرات البحرية في البحر الأحمر وأربكوا حركة التجارة الإسرائيلية ، لم تكن إسرائيل جاهزة لهذا النوع من الحروب المتعددة الاتجاهات فوجدت نفسها في وضع دفاعي خانق يُذكّر بحرب الاستنزاف التي واجهتها في السبعينات.
أما في غزة وعلى الرغم من الكلفة الإنسانية المهولة فإن المقاومة خرجت أقوى مما كانت عليه ، لم تُهزم ولم تنكسر ونجحت في تغيير المعادلة الإقليمية بالكامل بل إن مكانة القضية الفلسطينية ارتفعت عالمياً إلى مستوى غير مسبوق خصوصا مع انتفاضة الجامعات الأمريكية والأوروبية التي أربكت الحكومات الداعمة لإسرائيل ودفعت كثيراً من الإعلام الغربي إلى إعادة النظر في سرديته.
النتيجة النهائية لهذه الحرب إذن لم تكن تحرير الأسرى ولا القضاء على المقاومة ولا تحقيق الردع كانت حرباً بلا مكاسب تقود في النهاية إلى “صفقة” كان يمكن عقدها منذ اليوم الأول دون تدمير غزة ودون فقدان الجنود ودون انهيار اقتصادي ودون سخط عالمي لكنها كانت – في حقيقتها – حرب نتنياهو للبقاء السياسي لا حرب دولة تدافع عن نفسها.
لقد اختارت إسرائيل الحرب بدل الصفقة وعادت للصفقة بعد أن دفعت ثمن الحرب ، صفقة بلا حرب… كانت ممكنة ، وحرب بلا صفقة… كانت كارثية وفي النهاية هُزمت إسرائيل سياسياً وإنسانياً ودفعت ثمنا باهظاً من أجل أوهام نصر لم يتحقق.

الأولوية لقيادة موحدة للإنقاذ الوطني

في جنيف، لوّحت بالكوفية ورفعت شارة النصر...

"الحردليم" يقدمون الحل بمحو الفلسطينيين وغالبية الإسرائيليين يؤيدون

الموظف بين نار القروض وصمت الحكومة: آن أوان العدالة في صرف الرواتب والمستحقات

الطوفان الصهيوني لن يستثني أحداً (2)

في تجريد الغزيّين من إنسانيّتهم لتجريدهم من الأرض

المشاريع الإغاثية في فلسطين: بين الاستجابة الإنسانية وتعزيز الصمود في المرحلة القادمة
