بين التطبيع وقلب الموازين: العرب في امتحان المصير الفلسطيني
مقالات

بين التطبيع وقلب الموازين: العرب في امتحان المصير الفلسطيني

منعت دولة الاحتلال وزراء خارجية أربع دول عربية من الدخول إلى رام الله، وهم وزراء خارجية الأردن، ومصر، والسعودية، والبحرين، وكان مسعاهم هذا لأجل لقاء رئيس السُّلطة الفلسطينية في رام الله، للبحث معه في خطوة قيل إنّها تهدف إلى بحث "سبل دفع الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية"، لكن الاحتلال رفض دخولهم، في رسالة لا لبس فيها: لا وزن لكم، ولا تأثير لكم، مهما طبّعتم أو وقّعتم من اتفاقات سلام.

يُقال في هذه الحالة في اللغة الشّعبية: "قلَبت لهم الصُّرماي".

يأتي "قلب الصرماي" هذا ليفضح الزّعم الذي روّجت، وما زالت تروّج له بعض الأنظمة، بأنّ التطبيع مع إسرائيل قد يمنح هذه الدول هامشًا من التأثير أو النفوذ السياسي، والقدرة على التدخّل في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، لأنّه لا تأثير لها إذا ما كانت بلا علاقات مع إسرائيل.

مصر والأردن تقيمان علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل منذ عقود، ولم تؤثّر على هذه المعاهدات أي عوائق، بما فيها حرب الإبادة في قطاع غزّة المستمرّة منذ أكثر من ستمئة يوم.

البحرين وقّعت "اتفاق إبراهام" في 2020، أمّا السعودية فتنخرط بشكل متزايد في ترتيبات وتنسيقات إقليمية مع الاحتلال، ومع ذلك، لم تتردّد دولة الاحتلال في إحراجهم أمام الأمّة والشعوب العربية والعالم، رافضة السّماح لهم بالدخول لعقد لقاء رمزي مع قيادة فلسطينية لا حول لها ولا قوة.

منطق الاحتلال واضح، لا لبس فيه، وهو أن التطبيع والسلام أدوات أحادية الاستعمال، تُستخدم لتعزيز مشروعها الاستيطاني، وليس لخلق شراكات متكافئة. وعندما يحاول أي طرف عربي استثمار هذه العلاقات لتحقيق مكاسب رمزية له أو للفلسطينيين، تُغلق الأبواب في وجهه، بل وقد تندّد به وتعتبره داعمًا للإرهاب، وتهدّده باستخدام نفوذها للإضرار به.

هذا تأكيد على أن البيانات التي تُصدرها هذه الدول بشأن دعم "حل الدولتين" في سياق الإبادة الحالي، ليست سوى حبر على ورق، ولا علاقة لها بالواقع، حيث الإبادة في قطاع غزّة، وتوسيع الاستيطان، وطرد الفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم، يجري من غير توقّف في الضفة الغربية.

ما يجري في قطاع غزّة هو إبادة جماعية، تتّسع وتتفاقم يومًا بعد يوم. حتى المساعدات التي يجري إدخالها في الأيام الأخيرة تُوظّف لتحقيق هدف التهجير، وخلق صراع بين عملاء يدعمهم الاحتلال يسطون على المواد، وبين المقاومة والأهالي الجائعين.

رغم أن المئات يُقتلون ويُجرحون يوميًا وتُباد أحياء سكنية بالكامل، فإن العواصم العربية الكبرى تبدو كأنّها تسير في عالم موازٍ، مكتفية بردود فعل دبلوماسية خجولة، وإعلانات عن فكرة دعم "الاعتراف بالدولة الفلسطينية".

الإهانة الدبلوماسية التي تلقتها هذه الدول ليست سوى حلقة جديدة من مسلسل طويل من التنازلات والإهانات.

يكفي النظر إلى مصر، الدولة العربية الأكبر المحاذية لقطاع غزّة، لا تستطيع إدخال مساعدات إنسانية، ولا يُسمح لها بفتح معبر رفح، رغم أن العالم كله ضجّ من هول الجرائم التي تجري على بعد عشرات الأمتار من حدودها. بل إنّ الاحتلال لم يتردّد في قصف جرافات قُدّمت من مصر كمساعدة للفلسطينيين، في رسالة إهانة علنية.

هذه الصفعة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وقد كشفت للمرة المليون أنه لا توجد حظوة لأحد عند إسرائيل، وهي لا ترى في "شركائها العرب" سوى أدوات تدور في فلكها. فهي الدولة العظمى، وما هذه الدول وأنظمتها سوى خدمٍ لأمنها وأهدافها، ولا جميل لأحد. ومن يرفض، فسوف يُعاقب أو يُقصى بشكل أو بآخر. وإذا كانت هذه الدول تظن أن بإمكانها التأثير على السياسة الإسرائيلية عبر علاقات التطبيع، فإنّ الاحتلال قد أعطاها الجواب، بأن قلَب لها الصُّرماي مرّة تلو أخرى.

صحيح أن انتزاع اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية هو ضروري جدًّا، ولكن لا معنى له عندما يأتي في وقت تُباد فيه هذه الدولة المفترضة من الوجود يوميًا. فإذا كانت هناك نوايا سليمة لدى هذه الدول، فإن الأولوية الآن هي لوقف الإبادة، وتركيز الجهود على هذا، وليس تشتيتها في تحرّكات دبلوماسية تضع العربة أمام الحصان، أو كما يقول أهل الشام: "البيت بيحترق والعجوز عم تمشّط شعرها".

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.