"في غزة لا يوجد تعليم... لم يبقَ أطفال"
مقالات

"في غزة لا يوجد تعليم... لم يبقَ أطفال"

هذه هي الأنشودة الجديدة التي دخلت إلى ألبوم اليمين الصهيوني الديني الاستيطاني، الفاشي، لتنضم إلى ترديدات "الموت للعرب"، و"محمد مات"، وإلى رقصة "لتحرق قريتهم" التي لمع نجمها إثر الاحتفال العنصري الذي أُقيم بعد جريمة حرق عائلة دوابشة.

آلاف وربما عشرات آلاف الإسرائيليين الذين غصّت بهم ساحة البراق (المسمى إسرائيليًّا بحائط المبكى)، بمناسبة احتلال شرقي القدس وتوحيد شطري المدينة، أقاموا بقيادة بن غفير وسموتريتش رقصات دينية على وقع "لم يبقَ أطفال في غزة"، في حشد أطلقت عليه صحيفة "هآرتس" اسم "احتفال إبادة جماعية" (جينوسايد).

الصحيفة قالت إن عشرات الآلاف الذين شاركوا في مسيرة الأعلام التي جابت شوارع شرقي القدس وأحيائها العربية، وهم يرددون هذه الشعارات، يثبتون "حتى لمن حاول إقناع نفسه من الإسرائيليين بأن قتل 18 ألف طفل في غزة هو 'ضرر جانبي' ما كان يمكن تلافيه، بأن الحقيقة ليست كذلك، بل تكمن في طموح عنصري يلقى تعبيره الجماهيري بصوت عالٍ وصادح في شوارع العاصمة".

وتضيف "هآرتس" أن دعوات الإبادة الجماعية جرى تطبيعها وأصبحت اعتيادية في المجتمع الإسرائيلي، وأنه بعكس الماضي الذي كان يتم خلاله إنكار النكبة، فإن اليمين الإسرائيلي اليوم يدعو علانية إلى تنفيذ نكبة ثانية، مشيرة في هذا السياق إلى اللافتة الكبيرة التي علقتها منظمة "إم ترتسو" وكُتب عليها "لا انتصار بدون نكبة".

وإذا كان الحديث يجري هنا عن اليمين، فإن المحكمة العليا الإسرائيلية، درّة تاج الليبرالية الإسرائيلية، باركت منذ بداية الحرب جميع العمليات التي قامت بها إسرائيل في غزة، من "منع تقديم العلاج الطبي، وإخفاء الناس، ومنع دخول الصحفيين، وحتى تجويع سكان غزة"، وهي لم تكتفِ بردّ جميع الالتماسات التي قُدمت إليها بهذا الخصوص وإعطاء مصداقية قانونية لما تقوم به إسرائيل، بل إنها هللت للجيش والحكومة.

قراءة في أحكام "العليا" خلال الحرب، أجراها الصحفيان نير حسون وحين معنيت، تُثبت، كما يقولان، كيف أن الليبراليين والمحافظين موحّدون في إعطاء ضوء أخضر للفظائع الجارية في غزة. التقرير يورد، على لسان بروفيسور براك مدينة من كلية الحقوق في الجامعة العبرية، قوله إن "العليا" تبنّت في كل ما يتعلق بالفلسطينيين مبادئ "الانقلاب القضائي" المختلف عليها في سائر الميادين، حتى قبل تشريعها.

يبرز من بين جميع قرارات "العليا" الحكم الذي قضى بردّ الالتماس ضد تجويع أهالي غزة، والذي كان قد قُدم من قبل خمس منظمات حقوق إنسان في آذار/مارس 2024، عندما وضع الجيش الإسرائيلي المزيد من العراقيل حول دخول المواد الغذائية والإغاثة الإنسانية. يشير التقرير إلى البطء الذي شاب عملية المداولات التي امتدّت لسنة، رغم خطورة الموضوع، حيث تم إعطاء الدولة مهلة بعد أخرى لتقديم إجاباتها، كما لم تكترث المحكمة عندما تم إبلاغها بقيام إسرائيل في الثاني من آذار/مارس بإغلاق جميع معابر غزة ومنع إدخال أي غذاء ودواء بشكل تام.

وفي 27 آذار/مارس، أي بعد ثلاثة أسابيع من قرار منع إدخال الغذاء والدواء إلى القطاع وبعد مرور سنة على تقديم الالتماس، أصدرت "العليا" قرارها بقبول موقف الدولة القائل بعدم وجود قيود على دخول الغذاء إلى غزة، وعدم معاناتها من أي نقص جدي! وهي بذلك اعتمدت على وضع غير ذي صلة كان قائمًا قبل اتخاذ قرار إغلاق المعابر، وتنصّلت "العليا" منه، وفقًا للتقرير، الذي يُذيل بإفادة أنه خلال إصدار القرار وتزامنًا مع توقيعه، جرى الإبلاغ عن وقف دخول المواد الإغاثية والطبية إلى غزة بشكل تام.

ولعلّ الإجماع الإسرائيلي الذي جوبه به تصريح يائير غولان حول قتل الأطفال في غزة، يُثبت أنه في كل ما يتعلق بالفلسطينيين وقضيتهم، لا يوجد في إسرائيل يسار ويمين أو حتى حكومة ومعارضة. بل إن أشدّ معارضي الحرب أو إطالة أمدها، أمثال وزير الأمن وقائد الأركان الأسبق الجنرال احتياط بوغي يعلون، الذي اتهم الجيش الإسرائيلي بالقيام بتطهير عرقي في شمال القطاع، ورئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت، الذي صرّح في أكثر من مناسبة أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب في قطاع غزة، إضافة إلى بعض رؤساء "الشاباك" السابقين، هم أصلاً من المحسوبين على اليمين، وربما يُحرّكهم خلاف سابق مع نتنياهو أو تقديرات متباينة حول نجاعة العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في غزة.

بالمقابل، رأينا مواقف متشددة ومؤيدة للحرب من قبل العديد ممن كانوا يُحسبون على "اليسار"، أمثال الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، زعيم حزب العمل السابق، وبيني غانتس، وحتى يائير لبيد. وبدون شك، فإنه لو كانت هناك معارضة سياسية فعّالة للحرب، وللحكومة التي تقودها، لما استمرت الحرب دقيقة واحدة إضافية.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.