
استمرار الحرب استخفاف بمعاناة الناس
شهراً بعد آخر تتواصل الحرب، كأنها وجدت لتستمر ولتحقق أهدافها.
وحين يتعلق الأمر بالأهداف فللأسف لا يوجد إلا أجندة أهداف واحدة على الطاولة تتمثل بأهداف الاحتلال المتمثلة بتهجير شعبنا في غزة، أهداف باتت تشاركه فيها واشنطن، فيما الأهداف الفلسطينية الوحيدة (وفق مفاوضي الدوحة) باتت أن تتوقف الحرب وتبقى حماس في الحكم وتعود الأمور إلى ما كانت عليه فجر السابع من أكتوبر.
يمكن اختصار موقف حماس بعبارة واحدة: العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر.
لكن لا أحد يقدم تفسيراً أو اعتذاراً لعوائل الشهداء ولا للبلاد التي تدمرت لأن غايته باتت أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر.
وفيما يجب التمييز بين البطولة الفردية وبين الموقف السياسي الضحل، فإن حماس مدينة للشعب الفلسطيني بتفسيرات كثيرة أكثر مما تتخيل قياداتها، فلا يمكن الاستخفاف بعقول الناس لهذه الدرجة. ولا يمكن الافتراض بأن صمت الناس يعني قبولاً.
هناك من يريد أن يقنعنا بأن استمرار الحرب انتصار وأن عدم الوصول لصفقة انتصار أيضاً لأنه يرفض شروط العدو، ولا أحد يعرف ما هي تحديداً تلك الشروط التي يرفضها ولا ما هي الشروط التي يعني القبول بها انتصاراً.
إن مجرد الدخول في لعبة التفاوض والتنازل المستمر من تحرير فلسطين إلى وقف العدوان إلى انسحاب الجيش إلى أطراف المدن إلى إدخال المساعدات إلى إعمار غزة وعشرات التراجعات التي لا تعني أكثر من أن هناك من لا يعرف حقيقة ما يجري في الأرض، إن مجرد ذلك يدحض فكرة الانتصار المزعوم.
مرة أخرى مفاوضو حماس إما في فنادق «سبع نجوم» في العواصم الصديقة أو تحت الأرض، والجهتان لا تريان ما يجري في غزة ولا تسمعان أنّات الناس وعذاباتهم، حتى إن شاهدوا التلفاز فهم لا يشاهدون إلا قناة واحدة تزين لهم الواقع وتجعل منه فتحاً مبيناً. وما عدا هذا ليس إلا أكاذيب ومونتاجاً غير حقيقي يقوم به «المنهزمون» «أعداء الدين» وغير ذلك.
هذه هي الأزمة حيث من يفاوض عن الناس لا يراهم ولا يشعر بهم.
حين كان ياسر عرفات يفاوض من أجل رفع حاجز كانوا يسخرون منه لكنه كان يمر كل يوم من الطريق ويرى كيف يعيق هذا الحاجز حياة الناس.
إن مجرد التفكير في الرعية أمر محمود وواجب، وحين يقول الرئيس محمود عباس إنه أيضاً لا يغادر إلا بتصريح من الاحتلال فهذا لم يعنِ أنه سعيد بذلك لكنه واقعي للدرجة التي يقول فيها إن تغيير هذا الواقع يتطلب نضالاً مختلفاً وليس زعيقاً وفزعة.
سيبدو من الإجحاف مقارنة طريقة مفاوضة حماس التي ينتج عنها كل يوم قتل وتدمير والمزيد من الألم وأي مفاوضات أخرى جرت في تاريخ الصراعات.
يمكن أن يفهم المرء أن هناك قوة صامدة، محاصرة ربما، لكنها تمنع تقدم العدو وتعيق تنفيذه لمخططاته لذلك فإن أي موقف يصدر عنها سيبدو جزءاً من هذا الصمود، لكن في حالة حماس فإن العدو دخل كل حارة وكل زقاق في غزة وهدم كل شيء ولم يبقَ شيء قائم، ويمنع دخول الطعام والدواء والماء، وحتى الهواء يقرر بشأنه.
بالطبع آخر ما يمكن أن يوصف به ما يجري في غزة هو صمود واستبسال.
الصامد الوحيد هو المواطن الذي قد تمر أيام ولا يرى قصعة خبز، فيما هناك من يسرق المساعدات من أجل أن يواصل بقاء حكمه أو يغتني أكثر. هذا هو الصامد الوحيد.
إن مجرد إبقاء الأسرى بيد حماس وعدم تمكن الجيش الإسرائيلي من الوصول لهم لا يعني صموداً فأنت تستطيع أن تدفن إبرة في حفرة تحت الأرض أو بين الأدغال ولن يعثر عليها أحد مهما استخدم من تكنولوجيا، ربما بعد آلاف السنين يكتشفها علماء الآثار صدفة. إن الصمود والاستبسال كان سيعني منع الجيش من دخول غزة وصدهم وحماية المدينة وسكانها لا أن يتركوهم نهباً للموت وللجوع.
ثمة خطاب مزيف يجب مواجهته بقوة وبحزم وعدم خشية ماكنة التخوين والتكفير ولا هجوم القطيع المضلل.
لا أعرف كيف لأحد أن يدّعي الانتصار بعد كل ما حدث. من الواضح أن حماس لا تسمع لأحد ولا تريد أن تسمع.
مهلاً!
فقط يستمعون لترامب طمعاً بالقليل من الرضا. في مرتين أظهرت حماس جهلاً فادحاً في التعامل مع الخصوم ومع القوى الدولية خاصة أميركا.
المرة الثانية حين تم إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية (نصف جنود الاحتلال مزدوجو الجنسية).
تم فعل ذلك لعل وعسى يقتنع ترامب بالحديث مع حماس وكأن غاية الحرب كانت أن نفتح قناة حوار مع واشنطن.
طبعاً هناك من سيعيد تذكيرنا بأن صراع حماس الوحيد الحقيقي هو صراعها على التمثيل الفلسطيني ورغبتها في الحلول مكان منظمة التحرير منذ المجموعات التي شكلها ضابط الشاباك أبو صبري في ثمانينات القرن الماضي لاغتيال قيادة الحركة الوطنية في غزة. وطوال الوقت ترفض حماس أي فرصة لدخول المنظمة وتضع شروطاً تعجيزية لن يقبلها أحد من أجل أن تظل خارج المنظمة.
تذكروا كيف دخلت حماس السلطة وحين فازت قالت إنها ليست جزءاً من السلطة (لأن السلطة لها رئيس هو رئيس الشعب الفلسطيني) بل هي دخلت الحكومة، وتذكروا كيف كانت الانتخابات حراماً شرعاً العام 1996 ثم صارت فريضة شرعية العام 2006، وكيف قالوا: تركنا الحكومة ولم نترك الحكم.
الحل الوحيد الذي تعرفه حماس التي تريد أن «تنتج» شهداء في استخفاف قبيح بمعاناة شعبنا وآلام أهالي الشهداء وأرحام أمهاتنا، ولكنها لا تريده لأنه هو الحل الوطني الوحيد، وهي من الواضح لا تريد حلاً وطنياً، هو أن تقوم قيادتها بالاتصال بالمقاطعة والطلب من الرئيس أبو مازن أن يفاوض نيابة عن الشعب الفلسطيني بكل فصائله حول غزة من أجل منع التهجير الذي بات قاب قوسين أو أدنى.
حماس تعرف ذلك ولكن للأسف بالنسبة لها فإنه دون ذلك خرط القتاد.

لماذا على حماس الموافقة على مقترح ويتكوف؟

منع إسرائيل لتطعيم شلل الأطفال في الأراضي الفلسطينية: جريمة صحية وتهديد وجودي

الرئيس أبو مازن و (استراتيجية الضعيف)

حين تُمنع الكاميرا… تُستباح الحقيقة

التنوع في مجالس الإدارة: خيار الماضي وضرورة الحاضر والمستقبل

مسار اخر للسلام العادل ممكن!

كيف مرّت 600 يوم على الإبادة؟
