المشهد في دولة الاحتلال بعد تصدع الجيش والاقتصاد
مقالات

المشهد في دولة الاحتلال بعد تصدع الجيش والاقتصاد

بعد تصويت كنيست الاحتلال على مشروع المعقولية بالقراءتين الثانية والثالثة لم يعد للمحكمة العليا صلاحيات كبيرة على الحكومة وقد لا تستطع الغاء أي قرار حكومي حتى لو كان غير معقول وبالتالي تصبح المحكمة العليا غير مخولة حتى بمناقشه قرارات الحكومة التي يتم اتخاذها وهذا القانون ما هو الا البداية فالقادم هو مشروع التحصين أي حصانة رئيس الحكومة واعضائها من أي مساءلة قانونية قادمة وهناك مسلسل طويل من المشاريع التي تعطي الحكومة صلاحيات مطلقة بالتشريع ووضع القوانين التوراتية التي توصي بها الأحزاب الدينية في اطار تحويل الدولة الى دولة دينية صرفة . نتنياهو تجاهل الاحتجاجات الشعبية الواسعة وتجاهل حركة الشارع الإسرائيلي وهو يتجاهل الان حركة الاحتجاجات في الجيش والاحتجاجات في الهستدروت والمؤسسات الاقتصادية بالدولة وهي الاخطر كما ويتجاهل وكل إجراءات المعارضة وكان تلك الإجراءات لا تشكل خطرا على ائتلافه ولا تؤثر على برنامج الحكومة الخاص بالسياسة الداخلية للدولة.

الامر الذي بات يشكل قلقا حقيقيا في كثير من الأوساط الاستراتيجية في دولة الكيان هي ان الاحتجاج على سياسة تقليص القضاء في دولة الكيان وصلت الجيش وخاصة قوات الاحتياط في العديد من التشكيلات بالقوات الجوية والوحدات الأكثر حساسية في الجيش (كالوحدة 8200) (وسيرت متكال) والعديد من الوحدات الحساسة وهذا يهدد قدرة جيش الاحتلال على البقاء ضمن الجاهزية المطلوبة لاي طارئ وقد يؤثر على امكانية دخول دول الاحتلال في جولات قتال طويلة على أي جبهة من الجبهات المتعددة التي باتت تحيط بدولة الكيان. (هرتسي هاليفي) رئيس اركان جيش الاحتلال ارسل رسالة هامة لجيش الاحتلال عشية التصويت على مشروع قانون المعقولية حاول فيها ان يقنع الجنود الذي رفضوا الخدمة في الجيش العودة عن قرارهم لأن استمرار الدولة مرهونة بقوة الجيش وقال "لن يتحقق هذا الا بوجود افضل الشباب في هذا الجيش" وطالب الشباب بالامتثال للخدمة وعدم رفض أي أوامر عسكرية او استدعاءات, واعترف هاليفي بوجود تصدعات في الجيش لكنه لم يوضح مدى تطور هذه التصدعات في المستقبل وخاصة بعد التصويت على مشروع الحد من صلاحيات المحكمة العليا وإجراءات اضعاف القضاء الأخرى .

شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية (امان) حذرت نتنياهو في رسالة سرية من الضرر الأمني الذي سيلحق بدولة الكيان على اثر رفض الالاف الجنود والضباط الخدمة في الجيش ليس فورياً وانما سيكون له عواقب بعيدة المدى وحذرت نتنياهو بان أعداء دولة الاحتلال يرصدون الفرصة من اجل تعيير الوضع الاستراتيجي في المنطقة في اعقاب هذه الازمة التي تعصف بالدولة , وقالت (امان) ان أعداء مثل ايران وحزب الله يقسمون الردع الإسرائيلي الى أربعة ارجل وجميعها باتت ضعيفة , قوة الجيش ,والحلف مع الامريكان , والاقتصاد , والمعارضة الداخلية , واعتبرت ( امان) ان ايران وحزب الله يتابعان عن كثب الازمة في صفوف قوات الاحتياط بالجيش وخاصة المس بكفاءات الوحدات المختلفة وهم يعتبروا ان هذا الصيف يمثل نقطة ضعف تاريخية ما يعني ان قوة الردع الإسرائيلية قد تراجعت .

الولايات المتحدة الامريكية باتت قلقة أيضا على مستقبل دولة الكيان بعد وصول الاحتجاجات الى الجيش وباتت معظم وحدات جيش الاحتلال بلا احتياط ما يعني ان الجيش لا يستطيع الدخول في جولات قتال طويلة ولا يستطيع الاستمرار في ذات الكفاءة السابقة دون ان تحسم الأمور في الجيش وابعاده عن الشأن السياسي الداخلي بدولة الكيان وهذا ما يحاول نتنياهو وأعضاء اليمين في الائتلاف فعله لكن على ما يبدو ان الامر صعب واصبح في مراحل متقدمة من التمرد. الاعلام الأمريكي خرج في اليوم التالي لتصويت الكنيست على قانون المعقولية يتساءل حول مستقبل دولة الاحتلال وكذلك العلاقة بين دولة الاحتلال وامريكا , صحيفة (وول ستريت جورنال) ابرزت عنوانا رئيسا على موقعها الالكتروني أبدت فيه خشية أمريكا من ان المصادقة على قانون تقليص صلاحيات المحكمة العليا سوف يلحق الضرر بالعلاقات الامريكية الإسرائيلية وسيلحق الضرر بأمن دولة الكيان ,وكان العنوان الرئيس على صفحة صحيفة (واشنطن بوست ) الأسبوع الماضي قد ركز على فشل الرئيس بايدن في اقناع حكومة إسرائيل بالكف عن ما يسمى بالإصلاحات القضائية وبالتالي منع الثورة القانونية وهذا يعني فشل أسابيع من المناشدات من جانب الرئيس بايدن بعد التصويت على القانون دون اجماع.

بعد تصدع الجيش والاقتصاد اصبح مستقبل دولة الاحتلال مجهولا وهناك أسئلة عديدة تدور الان في عقول المفكرين الاستراتيجيين بالمنطقة حول تداعيات تصدع الجيش والاقتصاد وهذا قد يضع المشهد في دولة الاحتلال امام خيارين , اما ان يتدخل الجيش بإيعاز من قادته الذين شغلوا مناصب عليا في الفترات الماضية ويتخذوا إجراءات عسكرية ينقذوا فيها البلاد من مخطط الدكتاتور نتنياهو ويعيدوا للدولة ديموقراطيتها وللقضاء استقلاليته ويمنحوا المحكمة العليا دورها الطبيعي في حماية القانون ,ولا يستبعد هنا ان يقود قادة الجيش انقلابا حقيقيا على حكومة الائتلاف ويعزلوا نتنياهو وزمرة اليمين ويشكلوا حكومة انتقالية لحين الانتخابات الخامسة , واما ان يستمر نتنياهو في مخطط اصلاح القضاء كما يسميه ولا يكترث بتصدع الجيش والاقتصاد ويمضي في سياسته التخريبية حتى يجد الجميع في دولة الاحتلال بان دولتهم قد تحولت الى دولة دينية تحكم بالتوراة ولا مكان للقانون او القضاء بالدولة وهذا مستبعد. المرحلة القادمة مرحلة جد خطيرة على الإسرائيليين فخياراتهم أصبحت محدودة في ظل وجود نتنياهو الدكتاتور حتى لو حاول القفز للأمام وافتعال حرب ما لتوحيد الإسرائيليين فان استمرار شلل الدولة سيتواصل حتى يصل لكافة مفاصل الدولة بعد ان لمح الهستدروت باللجوء الى الاحتجاج الجماعي والاضراب الشامل وهذا يعني اتساع التصدعات في الجيش والاقتصاد وهما اهم أعمدة دولة الكيان وهذا سوف يجبر الاستثمارات لمغادرة البلاد وسينهار الشيكل وتتقلص الميزانيات الخاصة بالمؤسسات وهذا سينقلنا الى الخيار الأول بتدخل قادة الجيش والحرس القديم حتى من الليكود لعزل نتنياهو وتفكيك الائتلاف والانتقال لمرحلة اصلاح التصدعات التي أحدثها مخططات اصلاح القضاء قبل ان تنهار الدولة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.