هل تتخلص أوروبا من الهيمنة الأمريكية وهي تدفع فاتورة تبعيتها الآن؟
مقالات

هل تتخلص أوروبا من الهيمنة الأمريكية وهي تدفع فاتورة تبعيتها الآن؟

لقد اعتقد بعض الأوروبين ان وصول بايدن وحزبه الى البيت الابيض قد يغير من سياسات الولايات المتحدة تجاه اوروربا ، وخاصة منها الاطماع الأمريكية المتعلقة بمنطقة اوراسيا المحاذية للحدود الروسية والتي كان قد تحدث عنها مفصلا مستشار الأمن القومي بريجنسكي قبل عقدين من الزمن . لكن يبدو ان هولاء الاوروبين لم يدركوا او لا يريدون الادراك بحكم مصالح البعض منهم ، انه عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة ، فإن تبديل الحكومة في واشنطن لا يعني تغيراً كبيراً في الاستراتيجية الأساسية التي ترسمها الدولة العميقة ومراكز الصناعات العسكرية والمالية ولكنها تقتصر في الخطاب السائد فقط . فالضغوط الجيوسياسية والمصالح الإستراتيجية لا تتغير إلّا ببطء شديد مثلها مثل التحالفات والشراكات القائمة بما يخدم تلك المصالح . 

الان قوى المعارضة اليسارية والتقدمية والحركات الاجتماعية والنقابات العمالية بأوروبا تقود اضرابات ومظاهرات شعبية ضخمة في بريطانيا ، فرنسا ، ايطاليا ، بلجيكا، اسبانيا ، رومانيا ، جمهورية التشيك ، اليونان ، ألمانيا وغيرها من أجل لقمة العيش وضد إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا والتورط بالحرب فيها .
تضخم غير مسبوق ، غلاء معيشة ، تدني الرواتب ، انحسار امدادات الغاز ، اقتراب شتاء قاسي تمثل تداعيات تورط حكومات دول اوروبا بخطط الناتو ورؤية النيوليبرالية المتوحشة بقيادة الولايات المتحدة ، ما سيدفع الى عدم الاستقرار بواقع و بمستقبل الاتحاد الأوروبي ، الأمر الذي يشكل جزء من المتغيرات الدولية الجارية الآن.

حيث بلغت نسبة ارتفاع غلاء المعيشة بمقدار ١٠% خلال الأشهر الماضية وارتفعت إعداد العاطلين عن العمل بشكل كبير ، كما ارتفعت اسعار السلع والخدمات بالوقت الذي انخفض به دخل الفرد ،
وسجل ميزان الحساب الجاري في منطقة اليورو عجزا كبيرا .

والى جانب دول الاتحاد الأوروبي ، فقد سجلت بريطانيا على أثر خروجها من الاتحاد " البريكسيت " ، ركودا اقتصاديا هو الأكبر منذ مئة عام ومعدلات تضخم عالية وانخفاض الفائدة والقدرة الشرائية ، إلى جانب الازمة السياسية الداخلية غير المنتهية وتبدل رئيس الوزراء لثلاث مرات خلال الفترة القصيرة الماضية . هذا بالإضافة إلى الازمة والصراع الذي يعصف بحزب المحافظين وإمكانية خسارته الانتخابات القادمة أمام حزب العمال الذي يطالب بانتخابات مبكرة . يضاف إلى ذلك المشاكل المرتبطة بقضايا أيرلندا الشمالية وسكوتلندا والتي باتت تهدد مستقبل وحدة المملكة المتحدة "بريطانيا" . 

كل ذلك أصبح اليوم ينعكس على السياسات الاقتصادية الأوروبية بعد الخروج البريطاني ، حتى أصبحت بريطانيا اليوم المثل لما تعانيه أوروبا بحكم ازماتها المتلاحقة ، وباتت نظرية حل مشاكلها وازماتها عن طريق الخروج من الاتحاد الأوروبي وهماً لا يتحقق .
يضاف إلى ذلك الخلافات المتصاعدة بين الدول الأعضاء بالاتحاد خاصة مع وجود التباين الألماني الفرنسي والذي لم ينجح اللقاء الأوروبي المنعقد مؤخرا من إيجاد حلول له أو ايجاد توافق حول قضايا عديدة من ضمنها مسألة العقوبات على روسيا وتداعيات ذلك مباشرة على المواطن الأوروبي من خلال ازمة الغاز والطاقة المتفاقمة وارتفاع اسعار الطاقة في بعض الدول بنسبة ٦٧% على أبواب الشتاء أمام الإطماع الأمريكية في تزويدهم بالغاز وبأسعار عالية . ولذلك هنالك اليوم اصوات أوروبية بدات تشير إلى مخاطر تلك العقوبات وأثرها على علاقات دولهم مع روسيا ، كما وتطالب برؤية جديدة للعلاقات مع الولايات المتحدة التي ما زالت ترغب في أن يدفع الأوروبين لها دين الحرب العالمية الثانية تحت ادعاء انها من حررت أوروبا من الوحش النازي بالاغفال المتعمد لدور الاتحاد السوفيتي السابق والجيش الأحمر في تحرير أوروبا وتقديم ٣٠ مليون ضحية في سبيل ذلك إضافة إلى ما تحملته من خسائر مادية واقتصادية ، بوقت لم يتأثر الاقتصاد الأمريكي البعيد عبر الأطلسي حينها .

الولايات المتحدة ما زالت ترغب من خلال هيمنتها وتوحش سياساتها في ابقاء تبعية الاتحاد الأوروبي لها والتحكم بسياساته دون سؤال على حساب مصالح الاوروبين انفسهم ، وذلك عبر تواجد الناتو الذي ترسم سياساته وحركاته الولايات المتحدة نفسها ، وفي تقديم أوروبا حطباُ لاشعال معركتهم ضد روسيا التي تديرها بالوكالة وبخسائر أوروبية.  

كل ذلك بات الآن يهدد مستقبل وحدة الاتحاد الأوروبي واستمرار وجوده الذي بداء بعض الزعماء الاوروبين يتحدثون عنه . 
انها ازمة النيوليبرالية الجديدة التي تدفع ثمنها آلان الشعوب الأوروبية وباتت تعصف باستقرار حكوماتها وتفتح بالمقابل آفاق جديدة للتغير بالنظام العالمي الاحادي القطب والعلاقات الدولية التي سيكون أثرها اكثر وضوحا بعد انخماد الحرب المشتعلة باكرانيا التي اشعلتها الولايات المتحدة ، فحينها لن تبقى أوكرانيا كما كانت ولن تبقى الهيمنة الأمريكية مطلقة في محاولاتها لاضعاف روسيا ومواجهة الصين بحربها الاقتصادية اللاحقة ضدها .

الى جانب ذلك لم يفاجئني رفع المتظاهرين الاوروبين الإعلام الفلسطينية في بعض من المظاهرات الجارية ، الأمر الذي يعكس تضامن شعوب أوروبا وقواها التقدمية مع نضال شعبنا العادل في مناهضة الأحتلال والابرتهايد ونفاق حكومات اوروبا وازدواجية معاييرها كما والسياسات الأمريكية المتوحشة ضد الشعوب وحرياتها ، وما يشكل ذلك من معاني ربط قضايا الشعوب المختلفة وتضامنها المشترك ، ومن ضمنها شعبنا الفلسطيني بالنضال من أجل العدالة والمساواة في هذا العالم ، علينا الاستفادة من ذلك .
 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.