كتب رئيس التحرير: لم يكن مجرد نفق حُفر على أقل من المهل، لم تكن حفرة عادية، ولا ثقباً طبيعياً في أرضية زنزانة، كان النفق الذي امتد لـ25 متراً من داخل سجن جلبوع إلى خارجه بصيص أمل في صدور الفلسطينيين كلهم.

تلك الحفرة التي لا يتعدى قطرها المتر الواحد فتحت بئراً بل محيطاً من الفرح والسرور والثقة عند الأسرى وذويهم، وعند الفلسطينيين وحتى العرب، تلك الملعقة أو الحديدة التي هزمت الأبنية المصفحة بالحديد والفولاذ والإسمنت باتت تجسيداً للصبر الفلسطيني، وللإرادة التي لا يُمكن حبسها في زنزانة.

سمع العالم بطوله وعرضه عن عملية جلبوع، ورأى كوكبنا كله كيف انهارت أعتى سجون إسرائيل أمام 6 عقول فلسطينية، فأعادت حُفرة الأسرى الستة ملف الأسرى إلى وجه الأرض، بعدما ظنت إسرائيل أنها دفنته بتطبيعها مع العرب أو بدبلوماسيتها حول العالم، والتي لم تجد دبلوماسية فلسطينية مضادة، فاخترع الأسرى دبلوماسيتهم الخاصة بهم، والتي أخرجتهم بقوة عزيمتهم من الزنزانة إلى رحابة الأرض الفلسطينية.

تلك الحديدة التي حفر بها الفلسطينيون الستة طريق حريتهم هزمت التكنولوجيا الإسرائيلية، هزمت السلاح والسايبر وكلاب الأثر وصفائح الفواذ، هزم نفق الحرية جيشاً جراراً روج لنفسه دائماً على أنه الذي لا يقهر.

زكريا الزبيدي ومحمود العارضة، وأيهم كممجي، ويعقوب غوادرة (القادري) ومحمد العارضة ومناضل نفيعات حفروا نفق الحرية من داخل السجن الذي يوصف بأشد السجون حراسة، ذلك السجن الذي صمم ليكون قبراً للأسرى، جعله هؤلاء الأبطال نقطة الانطلاق نحو الحرية ونحو القمة والنصر وتحول من مكان تبكي فيه الأمهات على أبنائها الأسرى لمكان صدحت فيه حناجرها بالزغاريد والأغاني التي تمجد الأبطال  والانتصار.

ملعقة الزبيدي والعارضة ونفيعات وكممجي ومحمد ويعقوب تحولت من ملعقة لملئ البطون لملعقة تدمير السجون وقهر السجان وحرية المسجون، وحولت بما يسميه البعض بهروب للقاع إلى الصعود نحو القمة وكسر الذل  والخنوع، إنها المعلقة المعجزة بيد الحر الفلسطيني والتي أبهرت العالم وهزمت الإسرائيلي الغول.

ملعقة الأحرار الستة أشعلت حرباً، واستنفرت جيش الاحتلال الإسرائيلي بطائراته ودباباته وكلابه وكاميراته، وأعادت قضية الأسرى للصدارة ووضعتها في سُلم الأولويات، هؤلاء الأبطال فضلوا المواجهة على حياة القهر وعتمة السجون وظُلم السجان والعودة لخنادق الاشتباك مع الإسرائيلي الظالم المغتصب للأرض.

معركة الملعقة التي شنها الأبطال رسخت حقائق لا بد من التركيز عليها، أولها أن إرادة الأحرار دوما تنتصر، وأن هذا الجيش الذي تغنى بالجبروت والقوة هش وضعيف وختمت على "مؤخراتهم" كلمة "الفاشلون المهزومون"، وبهذه الملعقة حُفرت حقيقة أن الأسرى الأبطال مصممون للبقاء في خندق المواجهة وبين صفوف المقاتلين ولم يركعوا ولم يخنعوا للسجان وقيوده، وأظهر هؤلاء الفرسان أنهم دوما وقود لثورتهم ورافعة لقضيتهم لا يسمحوا بإطفاء شعلة الحرية، وأنهم المنتصرون في حرب الأدمغة والعقول، هذه الملعقة أثبتت أن وحدة المقاتلين راسخة في الميدان وأن وحدتهم تحقق الانتصار في أحلك الظروف وتكسر كل القيود و تحطم جدران السجون.

معركة الشعب الفلسطيني مع هذا الاحتلال جولات قد يخسر المقاتلون جولة أو جولات لكنهم بالتأكيد لن يخسروا الحرب التي تستند لحقائق وحقوق وأنها راسخة وجذورها منغرسة في أعماق أعماق الأرض.

الشعب الفلسطيني الذي عبر عن فرحه بهذا الانتصار بكل أطيافه، و ظهرت حقيقة التفافه نحو المقاومة بكل الأوقات والمحن سيحقق الحُلم المنشود شاء من شاء وأبى من أبى وإننا حتما لمنتصرون.