كتب رئيس التحرير: غرق الشارع الفلسطيني خلال الأيام والأسابيع الماضية بعشرات الأخبار حول تعديل وزاري على حكومة محمد اشتية، وبأسماء عديدة لوزراء محتملين، ليكتشف المواطن العادي أن حجم التخبط واللايقين في إدارة هذا الملف من الإعلام الرسمي، بل ومن رئاسة الوزراء التي لم تستطع إجراء التعديل أولاً أو نشر أي معلومات واضحة للمواطن ثانياً، وقبل كل ذلك فشلها في تلبية تطلعات الناس الذين يرون بوجوب التغيير بعد سيل من الفشل والأزمات والعواصف التي تعرض لها النظام السياسي.

انتظر المواطنون كثيراً إجراء تغييرات جذرية في النظام السياسي بشكل عام، يمس المحافظين والسفراء والوزراء وهو أيضا مطلب حركة فتح ومجلسها الثوري، لإصلاح الخلل الحاصل على صعيد الأداء الفلسطيني في الداخل والخارج، ولكسر الاعتقاد الدارج والذي يبدو أنه سيصبح يقيناً حول أن بعض الأسماء باتت "ثوابت وطنية" كما وصفها بعض المواطنين، فلا تُمس بأي تغيير ولا يطيح بها أ ي تعديل، وكأنها تعمل بأكبر كفاءة أو أن غيابها سينهي القضية الفلسطينية! فما معنى بقاء وزراء لأكثر من 10 سنوات في نفس المنصب؟ هل باتت فلسطين عاقراً على إنجاب أمثالهم؟ وفي الأصل هل أداؤهم يشفع لهم؟ 

بات التغيير والتعديل و"النفض" ضرورة وطنية بعد رزمة من الملفات التي عصفت بالبلاد مثل أزمة لقاحات كورونا وقضية نزار بنات، هذه الأزمات التي كان من الأجدر أن تنهي مناصب الكثيرين، لكن لا شيء من هذا تحقق، ويستغرب المسؤولون لماذا لا توجد ثقة بالنظام السياسي!

عودة على حكومة اشتية وتعديلها، هل بُني هذا التعديل الذي لم يحدث حتى الآن على منهج واضح؟ هل أجرى مجلس الوزراء تقييماً لأداء الوزراء؟ هل سيتم إقصاء الوزراء الذين يم يُنجزوا؟ أم أن الأمر لم يتجاوز أن يكون محاولة حرق بعض الوزراء لاعتبارات لا تمت بالإدارة أو التقييم شيئاً؟ 

لم يرقَ التعديل الذي كشف عن بعض جوانبه لمستوى آمال وتطلعات الشارع الذي يريد نفضاً شاملاً لجميع مؤسسات البلاد التي نمت عليها الطحالب والطفيليات. الناس يريدون رؤية نهج جديد، وأسلوب مغايير، وشخصيات جديدة، يريد الشعب أن يمس التغيير أجهزة الأمن والسفارات والوزارات "السيادية" وجميع الهيئات، يريد الشعب تغييراً حقيقياً، وليس تغيير وجوه وتبديل مواقع.

لا يريد الشارع وزراء جدد بميزانيات إضافية واستنزاف إضافي لخزينة الدولة دون تغيير في المنهج والأداء، لا يريد الشارع تغييراً يمس الهامش دون أن يُحدث أثراً في المركز.

أُحبط الشارع من تعديل حكومة اشتية أو بالأحرى مما تسرب عن هذا التعديل عندما اكتشف أن المتسببين أو من فشلوا في إدارة أهم أزمات مرت بها البلاد لم يشملهم التعديل! إذن فما أهمية هذا التعديل؟ وهل هو حقيقي أم مجرد مناورة لحرق بعض "الكروت" في محاولة لتحسين صورة الحكومة التي فشلت بشكل لا يحمل مجالاً للشك في أهم الملفات الصحية والأمنية والاجتماعية والسياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي.

هل أديرت ملفات سلاح المخيمات، والسلاح العشائري بحكمة؟ هل نجحت الحكومة أمنياً؟ هل نجحت أجهزتنا الأمنية في ضبط الوضع الأمني؟ ألا يحتاج شجار الخليل بين عائلتي الجعبري والعويوي وإدارة ملفات إطلاق النار على الأجهزة الأمنية وفي الأعراس والشجارات لدراسة متأنية تعطينا مكامن الضعف والخلل؟ ألا يحتاج الأمر تغييراً مهماً وجوهرياً في قيادة الأمن في المحافظات؟ 

نحن أمام أزمة سياسية حقيقية أصبحت واضحة للجميع، وكما في كل أزمة تواجه السلطة والحكومة الفلسطينية هناك غياب تام لرواية إعلامية توضح حقيقة ما يجري. هل يعقل أن تصدر أخبار تتعلق بالحكومة وأسماء الوزراء الجدد والتعديل الحكومي من جهة غير حكومية تصرح وتنفي وتؤجل في ظل غياب تام للاعلام الحكومي؟ بعض المحللين فسروا حالة التيه الحالية بأنها أزمة مفتعلة لأهداف عديدة.