صدى نيوز - في الوقت الذي يسمح فيه الأردن بزواج الفتيات دون السن القانوني الذي حدده الدستور بـ 18 عاما وفقا لمحددات خاصة، تطالب بعض مؤسسات المجتمع المدني باعتبار زواج القاصرات دون الـ 15 عاما من ضمن تهم الاتجار بالبشر.

طالبت جمعية "تضامن النساء" الأردنية، بتجريم أشكال جديدة من الاتجار بالبشر كزواج القاصرات دون الـ 15 عامًا، والتي تتم دون توثيق لمخالفتها لقانون الأحوال الشخصية الأردني.

ويختلف المراقبون حول أهمية تضمين زواج القاصرات ضمن قانون الاتجار بالبشر، ففي الوقت الذي يراه البعض ضروريًا في ظل زيادة الأعداد في الأردن، يجد آخرون أن هناك ضرورة شرعية تبيح الزواج قبل بلوغ السن القانونية وفقًا للمحددات الموضوعة.

وبحسب الأرقام الصادرة عن دائرة قاضي القضاة في الأردن هناك ارتفاع في عقود الزواج المبكر التي كان فيها أحد الزوجين أو كلاهما ضمن الفئة العمرية (15-18 عاماً)، وفقا لتضامن.

وبحسب الجمعية، أظهر التقرير السنوي لعام 2020 أن حالات زواج القصر وصلت الى 7964 عقداً لفتيات قاصرات و194 عقداً لفتيان قاصرين، وبنسبة 11.8% من مجمل عقود الزواج العادي والمكرر، وكان هذا الارتفاع بنسبة 1.2% مقارنة مع عام 2019 الذي كانت فيه نسبة تزويج القاصرات 10.6% (7224 عقداً).

وبحسب تضامن، عدم وجود نص في قوانين الأحوال الشخصية النافذة في الأردن لتحديد سن أدنى للخطبة يساهم في زيادة حالات الزواج والطلاق المبكرين، ويفتح الباب على مصراعيه أمام استمرار حالات الزواج المبكر والقسري.

وتؤكد أن ذلك يشكل حرماناً للفتيات من حقهن في رسم مستقبلهن، ويهدد فرصهن بالتعليم والعمل، ويحرمهن من التمتع بطفولتهن وحقوقهن، ويعرضهن لمحنة الطلاق المبكر وفي كثير من الحالات مع وجود أطفال.

اعتبر حمادة أبونجمة، الخبير القانوني الدولي ورئيس بيت العمال الأردني، أن زواج القاصرات يحرمهن من طفولتهن وعزلهن عن العائلة والأصدقاء والحياة الاجتماعية الطبيعية التي تناسب طفولتهن، ويشكل تهديدا لحياتهن وصحتهن بدنيا ونفسيا، ويعرضهن للعنف الأسري ويرسخ المعايير الاجتماعية المسيئة للنساء والمؤيدة لضرب الزوجات وتعنيفهن، ويحرمهن من حق التعليم، إضافة إلى احتمالات أخطار مضاعفات فترة الحمل والولادة، فضلاً عن تفاقم ظاهرة الأمهات الأطفال، وكذلك تعرضهن للطلاق المبكر.

وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، كثيرا ما يشكل الفقر ونقص الفرص التعليمية ومحدودية الوصول إلى الخدمات الصحية والاجتماعية أسبابا رئيسية لزواج القاصرات، وهي تدفع الأسر لتزويج بناتهن في سن مبكر للتخفيف من الأعباء الاقتصادية أو لتحقيق مكاسب مادية، أو لمجرد قناعتهم بأن زواج الفتاة مبكرا سيؤمن لها مستقبلا أفضل ويوفر لها حماية لا يستطيعون توفيرها.

وتابع: "في عام 2019 تم تعديل قانون الأحوال الشخصية ليسمح بزواج الفتيات في سن السادسة عشر إذا كان الزواج "ضرورة" تقتضيها المصلحة بشرط موافقة قاضي القضاة، بشرط توفر الرضا والاختيار، حيث تعتبر هذه الشروط فضفاضة لا يمكن ضبطها والتأكد من مدى توفرها".

 وكان الأصل – الكلام لا يزال على لسان أبونجمة- أن يمنع الزواج كليا قبل بلوغ سن الرشد المعتمد في التشريع الأردني وهو 18 عاما، خاصة وأن منح المحاكم الشرعية الصلاحية التقديرية للسماح بزواج صغيرات السن يتم استخدامه بتوسع بدلا من أن يكون استثناءً مقيدا بحيث بلغت حالات زواج من تقل أعمارهن عن 18 عاما أكثر من 10 آلاف حالة سنويا.

وأكد أنه على الرغم من عدم سماح التشريع الأردني بزواج القاصرات دون سن 15 عامًا، إلا أنه كثيرا ما يتم هذا الزواج دون توثيق، وأحيانا بتزوير السن الحقيقي للفتاة.

ويرى الخبير القانوني الدولي أنه من المنطقي اعتبار مثل هذه الحالات من الزواج شكلا من أشكال الإتجار بالبشر، الذي يمثل الاستغلال أحد أهم عناصره وفق ما ينص عليه بروتوكول الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار بالبشر، باعتبار الظروف التي يمكن أن تحيط بهذا الزواج والتي تشمل الإساءة والعنف، كونه يشكل زواجا قسريا، لا تملك فيه الفتاة وهي في سن الطفولة قرارها ولا تتوفر لها أي خيارات للرفض.

ووصف أبونجمة هذا الأمر بأنه يمثل انتهاكا صارخا لحق الطفولة واعتداءً على كرامتها، وبالتالي فهو جريمة مكتملة الأركان نظرا للأضرار التي يخلفها على الطفلة نفسيا وجسديا، إضافة إلى الاستغلال الاقتصادي كأن يتم تشغيلها بعد زواجها في أعمال دون أجر في إطار الأسرة ومشاريعها، أو استغلالها للحصول على قروض بإسمها لصالح أحد أفراد الأسرة مما يعرضها في كثير من الأحيان إلى السجن.

بدوره اعتبر الدكتور نضال الطعاني، المحلل السياسي الأردني وعضو مجلس النواب السابق، أن زواج القاصرات هو الاستثناء الموجود في الأردن وله محددات شرعية معينة، ويجب عدم تجاوزها بأي شكل من الأشكال، وهناك بعض المتشددين الذين يعتبرونه شكل من أشكال الإتجار بالبشر، لذلك هناك محددات شرعية لا يمكن أن يتجاوزها القاضي.

وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، معدل العنوسة في الأردن في ارتفاع دائم، وذلك بسبب غلاء المهور، وارتفاع تكاليف الزواج، فضلًا عن الزواج من غير الأردنيات، حيث هناك ارتفاع في متوسط سن الزواج تجاوز بالنسبة للذكور الـ 35 عامًا، بحسب إحصاءات عام 2016، بينما بلغ متوسط عمر الإناث بلغ 27 عامًا، بحسب نفس الإحصائية.

ويرى الطعاني أن هذه النسب تؤكد على عدم انتشار  ظاهرة زواج القاصرات في الأردن، لا سيما وأن رغبة الأهل تكون بزواج أولادهم بعد إنهاء فترة التعليم سواء الذكور أو الإناث.

وأكد أن الأردن من الدول الأولى في معدلات الطلاق، إذ تشير إحصاءات عام 2018 الصادرة عن دائرة قاضي القضاة بأن هناك 68 حالة طلاق يوميًا، ويعود ذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية.

وأشار إلى أن هناك مؤسسات مجتمع مدني تربطها علاقات خارجية تحاول أن تنسب للأردن هذه الظاهرة البعيدة كل البعد عن واقع المجتمع الأردني الأصيل.

يذكر أن البرلمان الأردني عدل في عام 2019 سن الزواج القانوني من 18 إلى 16 عاماً وفق شروط وضوابط عديدة، من بينها موافقة قاضي القضاة وتحقق المصلحة.

"سبوتنيك"