كتب رئيس تحرير صدى نيوز: في فلسطين التي ابتليت بعدو سرقها ونهب خيراتها وهجر أهلها ولا يزال يحاول تصفية وجود ما تبقى منهم على أرضها، في هذه البلد كل شيء عجب، حتى الدبلوماسية فيها والسفراء "غير شكل"، هذا إذا صحت تسمية ما يجري في سفاراتنا بالدبلوماسية أصلاً.

في الدول التي تحترم نفسها، لا يصبح السفير سفيراً إلا بعد تخرجه من معهد دبلوماسي، وبعد أن يكون متقناً لأكثر من لغة، وملماً بثقافة وعادات البلاد التي سيذهب إليها سفيراً، لكن في بلادنا "بلاد العجب" لا شيء يحصل من هذا أو ذاك.

لا يوجد في فلسطين من يمتلك مؤهلات لشغل وزارة الخارجية غير الوزير الحالي الذي استلم منصبه عام 2009، في هذه السنوات زاد تأييد العالم للقضية الفلسطينة، واعترفت دول العالم كلها بدولة فلسطين، وارتفع مستوى التمثيل الفلسطيني في جميع الدول إلى مستوى سفارات، لذلك لن نجد من هو أذكى وأكثر خبرة ومهارة ودبلوماسية من وزير الخارجية! ولن تلد النساء في فلسطين من يمكن أن "يعبي" المكان الذي يجلس عليه ذلك الرجل.

السفراء كذلك، هم أكبر وأعلى وأسمى من قانون السلك الدبلوماسي والقانون الفلسطيني، فهم لا يمكن أن يتبدلوا إن بلغوا الستين عاماً، كيف يتبدلون وفلسطين عاجزة عن إنجاب أمثالهم، هم صفوة الصفوة ولا مثيل لهم أبداً، ستين وسبعين أو أكثر لا يهم، العمر لا يشكل فارقاً، فالشباب الفلسطينيين لا يمكن لهم أن يمثلوا بلادهم خيراً من الموجودين في سفاراتنا الآن!

هذه الغصة والألم الذي نكتبه كنا قد أشرنا إليه سابقاً مرات ومرات، لكن معركة القدس الأخيرة كشفت عن حجم الكارثة التي تضرب سفاراتنا، وحجم الشيخوخة والعجز والبهدلة التي تعاني منها، فبدل أن تكون منصات لإيصال الرسالة الفلسطينية للعالم، تجدها تشبه كل شيء إلا السفارات! 

في الأيام الماضية، ظهر سفراء في بعض الدول مضى على وجودهم أكثر من 15 عاماً لا يتحدثون لغة الدولة التي هم فيها، آخر غير مُكترث يدخن ويتحدث الى موظف في مكتبه اثناء اجتماع لسفراء الاتحاد الأوروبي حول قضية فلسطين، آخرين لا يتحركون من مكاتبهم حتى في مشاركة الفعاليات المتضامنة مع فلسطين التي تنظمها الجاليات والاحزاب المناصرة للقضية الفلسطينية.

السؤال المُحير: ألا يوجد جهاز رقابي في وزارة الخارجية يتابع هؤلاء أو يقيِّم عملهم!  لقد خسرت فلسطين دول صديقة مثل البرازيل والهند ولم يتم سؤال السفير او حتى تغييره؟ الى متى هذا الاستهتار؟!

ينص القانون الدبلوماسي على أنه عودة السفير الذي مضى على تعيينه خارج فلسطين 10 سنوات إلى مقر الوزارة، لكن سفراء كثر مضى على وجودهم في الخارج 15 عاماً، وينص القانون على أن لا يتجاوز عمر السفير 65 عاماً بعد التمديدات، إلا أن كثيراً منهم تجاوز الـ70، وينص القانون كذلك على أن لا تتعدى فترة مكوث السفير في بلد واحد أكثر من 5 سنوات، لكن كثيرا من جماعتنا عمّروا وخُلدوا في دولة واحدة! ومن المعلومات المؤكدة أن هناك سفراء تجاوزوا ال 80 دون أن يتغيروا حتى من الدول التي بدأوا بها.

مشكلة السفراء تتكرر منذ سنوات ولا يوجد جهة تحاول اجراء تغيرات وكل جهة تتهرب عن تحمل المسؤولية، والظاهر للعيان ولكل متابع ان هناك تفوق دبلوماسي اسرائيلي سواء في مواقف الدول او حتى نشاط هؤلاء السفراء داخل دولهم التي يخدموا بها، حتى خسارتنا لدول عربية.

وزير الخارجية الذي استلم مهامه منذ العام 2009 و رغم التغيرات والتعديلات للحكومات المختلفة بقي في منصبه رغم كل هذه الاخفاقات، فهل بعد 12 عاما من العمل ووجود كل ما ذكرناه من خلل هل هناك أمل لدى المسؤولين بأنه سيغير أو ينجح في معالجة كل ما لحق في القضية الفلسطينية من مصائب ضربت في الصميم الدعم الدولي وحتى العربي والاسلامي، وهل مصير القضية الفلسطينية مرتبط بهذا الوزير أم أن شخصه الكريم أهم لدى قيادتنا من قضية فلسطين ومستقبلها، فقد تابعنا الوزير في مداخلته أمام الجمعية العامة وحتى في مجلس الأمن لا يحمل صورة من آلاف الصور للأطفال والنساء والبيوت والأبراج التي قصفت، في المقابل رفع وزير خارجية إسرائيل صورة لطفلة لمجرد شعورها بالرعب، هذه مقارنة بسيطة لمدى ضعفنا الدبلوماسي!

الحمد لله أن نشطاء فلسطينيين استطاعوا إيصال ما جرى من مجازر إلى العالم عبر السوشال ميديا، والحمد لله أن لنا جاليات في بقاع الأرض قادرة على حمل هموم شعبها، فلولاهم لما سمع أحد في العالم عن ناس اسمهم الفلسطينون! 

واقعنا الدبلوماسي المخجل أمام العالم يتطلب منا جرأة كاملة لنقول أن وقت التغيير حان، لا بل تأخر كثيراً. هذه المرحلة تتطلب منا أن يكون لدينا وزير خارجية قوي وسفراء يعرفون معنى الدبلوماسية، ويتقنون بث الرواية الفلسطينية والدفاع عنها.

المطلوب دون لف أو دوران تغيير وزير الخارجية بشخصية تمتلك مؤهلات وقدرات لاجراء تعديلات وتعيينات لسفراء جدد ووضع خطة لإعادة تأهيل من لديه مقومات الاستمرار من طاقم الوزارة، ولا يجوز بأي حال من الاحوال السماح باستمرار أي سفير في عمله دون أن يطبق عليه النظام والقانون، كذلك يجب تفعيل الجهات الرقابية للوقوف أولاً بأول على تلك الثغرات ووضع آليات صارمة مكتوبة للتعينات الجديدة.

علينا وقف الخسارات في المعارك الدبلوماسية التي لا تقل أهمية عن المعارك الميدانية، غير ذلك سنظل "نرقص في العتمة"، وسيظل عدونا قوياً قادراً على تمرير روايته في ظل غياب روايتنا وعجز سفرائنا وشيخوخة دبلوماسيتنا.