ثمة ضرورة عاجلة، تستدعي من أصحاب القرار والتأثير، الوقوف والتفكير بعمق ومسؤولية إزاء ما وصلت إليه أحوال الفلسطينيين عموماً. الأوضاع القائمة لم تعد تحتمل الترقيع، فما بالنا في استمرار الواقع المرير الذي يضرب عمق القوة والقضية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
انقسام عميق، ويزداد تعمقاً بين أطراف الفعل السياسي والاجتماعي الفلسطيني وكأنه الفيروس الخاص بالفلسطينيين. إسرائيل تقسم الأرض والمجتمع والداخل والخارج، والداخل والداخل، وبين الضفة وغزة، وأيضاً بين أطراف الفعل السياسي في أراضي 1948.
كأن الفلسطينيين فقدوا وحدة البرنامج ووحدة الهدف، واستتباعاً وحدة الفعل، بل تحولت الأفعال لكي تنال من بعض ما تبقى من عناصر القوة الفلسطينية.
أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، المقيمين خارج الوطن مهمشون ومحيدون عن الصراع المباشر، وهم خارج حساب القوة التي تتمتع بها منظمة التحرير الفلسطينية صاحبة الولاية الوطنية نظرياً بعد أن فقدتها عملياً لصالح السلطة الوطنية بكل ما لها وعليها.
هل يمكن لأحد أن يفسر للمواطن الفلسطيني المقهور، كيف يمكن لشخصية عربية من مستوى وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم، لأن تبلغ به الجرأة إلى حد مطالبة الرئيس محمود عباس بالاستقالة؟ لقد كان الفلسطينيون في زمن سابق، عنصراً مهماً وفاعلاً في ضمان استقرار عديد الأنظمة العربية، أما ما يحصل، اليوم، فهو سهولة التطاول من قبل عديد العرب على القضية ورموزها، وتحول مريع عن دعمها.
فعلاً، الخيانة أصبحت وجهة نظر، لا يخجل أصحابها من المجاهرة بما يعتقدون دون خوف أو خجل.
انظروا ماذا يفعل ويقول منصور عباس رئيس الحركة الإسلامية الجنوبية، وكيف يتاجر بالقضية، وينتظر بيعها بأبخس الأثمان، لحساب اللئام من اليمين المتطرف الإسرائيلي.
منصور عباس، الذي ينتسب لجماعة الإخوان المسلمين، يقول، ان ما صدر عنه من أقوال مريعة، هو موقفه اليوم وكل يوم، ولذلك فإنه يندد بالجنائية الدولية. يريد عباس أن يشتري مقعداً في أي حكومة يديرها اليمين المتطرف، سواء كان برئاسة نتنياهو أو برئاسة بينيت، وقد حصل على دعم حاخام صفد شموئيل الياهو، الذي طالب بالموافقة على ضم حزبه الى حكومة يشكلها بنيامين نتنياهو.
من الصعب الاستطراد في وصف أحوال الفلسطينيين، كقضية وحقوق وشعب، وسلطات، ونخب سياسية واجتماعية، فالحال بائن بوضوح أمام الجميع بما في ذلك المواطن العادي.
لا يمكن تبرير ما يعاني منه الفلسطينيون بما تعاني منه إسرائيل فالفارق نوعي وشامل. إسرائيل دولة احتلال، تقول عن نفسها قانونياً بأنها دولة «أربرتهايد»، فوق كونها دولة احتلال وإرهاب، أما الفلسطينيون فشعب موحد بهوية واحدة، وحقوق واحدة وتاريخ واحد.
لقد تبخرت آخر الأحلام الصغيرة، بعد إقفال ملف الانتخابات الذي لا يعرف أحد، ما إذا كان تأجيلا أم تم إلغاؤه حتى إشعار آخر، وعاد الكل إلى ما تعودوا عليه من أربعة عشر عاماً مع إضافات. الإضافة الجديدة تكمن في الغضب الذي يجتاح المجتمع الفلسطيني وظهور بوادر فوضى، وتمرد واحتجاجات شعبية. لا يمكن المراهنة على اندلاع انتفاضة فلسطينية بسبب الانقسامات العميقة التي تضرب الجسم الفلسطيني، ولكن ذلك، لا يمنع من ملاحظة التصعيد الجاري في ممارسة أشكال مختلفة من النضال ضد الاحتلال.
عملية حاجز زعترة، ليست سوى مؤشر على احتمال انفجار الأوضاع في وجه الاحتلال، من حيث كونها تدعم ما يجري من مواجهات في القدس والشيخ جرّاح.
إن من يتابع الأحداث سيقف على حالة واسعة من الاشتباك اليومي مع الاحتلال وحواجزه ومستوطنيه تكاد تشمل كل أنحاء الضفة الغربية، لا يغيب عن الفطين أبعاد السلوك الذي قاد الشباب إلى إحراق السيارة المشتبه بأن الفدائي الذي قام بالعملية قد استعملها.
هنا لا بد من أن نستخلص نتيجة مهمة، وهي أن الشعب الفلسطيني على قدر من الوعي والمسؤولية ما يفوق وعي النخب السياسية، من حيث إنه لا يفقد البوصلة، فهو حين يغضب من قياداته ومسؤوليه يصبّ غضبه نحو الاحتلال.
الشعب الفلسطيني ينتظر بادرة تعيد إليه الأمل المفقود، وتعيد إليه الثقة بقياداته  وفصائله، فمنذ أن تم الإعلان عن تأجيل الانتخابات، دخل الناس في حالة من الضياع. ثمة ما يمكن وينبغي عمله لإحياء الأمل والمسؤولية تقع على أهل المسؤولية، وإلّا فإن أفضل الحسابات الذاتية والفئوية، لن تنجح في أي شيء. إن كانت إسرائيل تغوص في أزماتها، فإنه الوقت المناسب للفلسطينيين لكي يلملموا صفوفهم ويستعيدوا وحدتهم وقوتهم، وبأن يقدموا للعالم النموذج الذي يليق بأصالتهم، وبصدق روايتهم، وعدالة قضيتهم وحقوقهم.