كتب رئيس التحرير: كان حملاً "كذَاباً"، هكذا هو حال الانتخابات الفلسطينية التي كان من المفترض ولادتها في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، فانتظر الفلسطينيون على أحر من الجمر المولود الثالث لتجديد الشرعية بعد انتخابات 1996 و2006، إلا أنه كان حملاّ كذاباً، أو ربما كان حقيقياً لكنه أجهِض.

رفع السياسيون شعار "الانتخابات طريقاً لتحقيق الوحدة"، وفي الواقع كان شعاراً مليئاً بالتضليل واللاواقعية، كيف يُمكن لك أن تسكن الطابق الخامس في شقة سكنية دون أن يكون هناك طابقاً أول وثاني وثالث ورابع؟! مستحيل، وكذلك الانتخابات دون إنهاء للانقسام.

على كل حال، انتهى موسم الانتخابات، أو "تأجل" إن كنا لا نريد أن نكون متشائمين كثيراً، والآن ماذا بعد؟ هل تعود جولات إنهاء الانقسام العقيمة؟ فتعود الرحلات إلى مكة واسطنبول والقاهرة؟ أم أن الأمر بات أبعد وأعقد؟

كان فشل الانتخابات وحتى تأجيلها أو إلغائها متوقعاً وبنسب عالية، بل إن توقف العملية الانتخابية حالياً بوضعها الحالي وبالواقع السياسي المُعاش، ربما جاء لصالح الشعب، فرد فعل الفصائل "الرافضة للتأجيل" جاء على شكل ردح وتشكيك، وكذلك ردت فتح على الرافضين بوصمهم أحياناً بالخيانة، فكيف لو تمت العملية الانتخابية وصار استحقاقا على حماس أن تتنازل عن قطاع غزة، أو استحقاقاً على فتح أن تتنازل عن الضفة الغربية؟ هل باعتقادكم سيحصل هذا أم أن السلاح والميليشات سيعود إلى الشارع كما جرى في أحداث الانقسام الدموي في قطاع غزة!

أليس من الأفضل أن تكون الكرة في الملعب الإسرائيلي حالياً بدل أن تكون في ملعب إحدى الفصائل إن جرت الانتخابات ورفضت تسليم السلطة؟! وذلك إلى حين بناء وحدة وطنية حقيقية، وليس مجرد شعارات! إسرائيل اليوم هي من يعطل الانتخابات، لكنها لو جرت فإن الفلسطينيون أنفسهم من سينقلبون عليها في ظل الشك وعدم اليقين وتخوين الفلسطيني لأخيه.

لا بد من العودة إلى القاعدة الأساسية، لا بد من إنهاء الانقسام بأي طريقة بعدها يُصار إلى تجديد الشرعيات والدماء في مؤسسات الدولة، أي أن يكون العمل مبنياً على حقائق وليس على افتراضات، فمن لم يضع يده في يد أخيه قبل الانتخابات لن يضعها بعدها، بل ربما سيقطعها!

بعد "تأجيل الانتخابات"، سيناريوهات عديدة تبرز على طاولة السياسة الفلسطينية، منها تشكيل الرئيس محمود عباس حكومة وحدة وطنية تقول بالترتيب والإعداد للموعد الجديد للانتخابات، لكن هل ستشارك الفصائل الرافضة للتأجيل في هذه الحكومة؟ وإذا لم تشارك هل ستكون تلك الحكومة حكومة وحدة وطنية أصلاً؟

السيناريو الثاني هو أن تتم الدعوة لعقد المجلس المركزي لطرح مبادرات واتخاذ قرارات قد تخفف من حدة الاشتباك الداخلي من خلال انتخاب لجنة تنفيذية جديدة واتخاذ خطوات نحو تشكيل مجلس تأسيسي لدولة فلسطين وإقرار دستور وقانون للأحزاب وتفعيل معارك جديدة تتجاوز أوسلو باعتماد خطوات تنقل الحالة الفلسطينية من مرحلة السلطة الى مرحلة الدولة وملاءمة القانون الفلسطيني مع القانون الدولي.

السيناريو الثالث هو أن تستمر مرحلة إجراء الانتخابات والدعوة لاجتماع يشمل جميع القوائم ووضع خطة وبدائل للتعنت الاسرائيلي باتخاذ خطوات تحافظ على مكانة القدس وتضمن مشاركتها سواء باشتباك دبلوماسي أو على الأرض بقرار موحد للجميع يجعل إسرائيل تخضع لذلك، ويتم اجراء الانتخابات خلال الأشهر القادمة، والعمل على معالجة كل العقبات التي تتعلق بنتائج الانتخابات وإلزام احترامها من الجميع.

السيناريو الرابع ترفع لواءه مواقع مشبوهة، ويتحدث عن إمكانية انفصال قطاع غزة وإعلان حكومة انفصالية، وإشراك بعض القوى التي تؤمن الدعم الدولي والاسرائيلي والتمويل لهذا الانفصال وتضمن تخصيص اسرائيل لنسبة من اموال المقاصة ويتم تحويلها لقطاع غزة، لكن يبقى هذا السيناريو السوداوي بعيداً عن الواقع لما فيه من تنازل عن فكرة وجود دولة فلسطين، وفي ظل رفض الفلسطينيين وفصائلهم جميعها لهذا الطرح.

ستظل ثقة الشارع الفلسطيني في السياسيين والفصائل في تراجع مستمر إذا بقي الحال على ما هو عليه، ولن تقوم لهذه القوى السياسية قائمة في أعين الشعب إلا بتحقيق وحدة حقيقية، وحرية حقيقية وانتخابات نزيهة، وأن يشعر المواطن بمواطنته، لا أن يشعر أنه لا ناقة له ولا جمل في هذه البلاد. على الكل الفلسطيني، أحزاباً ومؤسسات وأفراداً أن يكون شعارهم: البديل عن الانتخابات هو الانتخابات، واستمرار الضغط على إسرائيل محلياً وإقليمياً ودولياً للوفاء بالتزاماتها الموقعة حول الانتخابات في القدس، لكن قبل كل ذلك، علينا العمل على إنهاء الانقسام حتى لا يكبر ويصبح انفصالاً.

نهاية القول: إذا لم تستطع القدس توحيد الفلسطينيين وقواه السياسية، فلن يستطيع صندوق الانتخابات فعل ذلك أبداً.