أتساءل عن الشخص أو الجهة التي أطلقت على «كوفيد 19»، اسم «كورونا». كورونا اسم جميل، لا يليق بوحش غير مرئي من النوع الذي يجتاح البشرية منذ أكثر من عام ونصف العام. لماذا لا يطلق على هذا الوحش، اسم الاستعمار مثلاً أو الاحتلال، أو الإرهاب الكاسح، أو أبو جهل، أو المدمّر، القواميس فيها من الأسماء والصفات الكثيرة التي تطابق طبيعة هذا الوحش.
وعلى الرغم من مرور كل هذا الوقت، وما تركته وتتركه هذه الجائحة من تدمير لكل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والنفسية إلاّ أن البحث عن الفاعل، أو المصدر الذي جاءت منه لم يعد محل تداول. في بدايات ظهورها، طالعنا اتهامات متبادلة، فثمة من ادعى أن الصين هي المصدر والأكثرية ادعوا أن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن إطلاقه. حين تغيب المعلومة المؤكدة، يصبح من الجائز جداً والمنطقي أن تتجه الأنظار إلى صاحب المصلحة. في الواقع ثمة تواطؤ لأسباب لا نعلمها من قبل أجهزة الاستخبارات ذات الإمكانيات الكبيرة، ونعتقد أن منها من توصل إلى الفاعل.
نقول الفاعل لأن ثمة ادعاء يطلقه أحد العلماء اليابانيين الحاصل على جائزة نوبل، والذي لا يرى بأن هذا الفيروس من صنع الطبيعة وإنما هو من صنع الإنسان.
مقنع هذا الادعاء حين يقول، إن الفيروسات تظهر في مناخات معينة، لكن هذا الفيروس يخترق كل المناخات، من الثلجية إلى الصحراوية ومن درجات حرارة صفرية إلى درجات حرارة تتعدى الأربعينات، وتصل في بعض الأقاليم إلى الخمسينات في فصل الصيف.
الغريب أن هذا الفيروس يشبه إلى حد كبير الغبار الذري، ذلك أن الإنسان لا يعرف من أين أتته الإصابة وكيف، على الرغم من الحرص الزائد في اتباع وسائل الوقاية من الكمّامة إلى التباعد، إلى النظافة المفرطة والتطهير دون توقف. يبدو أن لا أحد ينجو من الإصابة حتى لو حصل على افضل التطعيمات واتبع أعلى درجات الحرص.
هذا الفيروس لا يختص بفئة عمرية معينة، ولا بأنواع من المصابين بأمراض مزمنة، إنه يحصد الشباب كما كبار السن، ويحصد الأصحاء كما المرضى، والفرق بين من ينجو ومن يقع ضحية، هو طبيعة الأجسام وقدرتها على المقاومة.
المحصّلة حتى الآن، هو أن الفيروس يظهر بطبعات جديدة ومتجددة وبعد أن كان أممياً، أصبح يتخذ هويات وطنية، فمنها البريطاني ومنها الهندي، ومنها البرازيلي وهكذا من المرجّح أن تنشأ طبعات أخرى بمواصفات أخرى، ذات هويات وطنية.
يثيرنا إلى حد الاستفزاز، أن هذا الفيروس لم يختر هوية عربية حتى الآن، ونعتقد أنه لا يجد له مكاناً بين عديد الفيروسات القاتلة ذات الهويات العربية.
طبيعة الخسائر والأضرار التي لحقت وتلحق بالمجتمعات والكيانات والبشر حتى الآن، ترشح أن تكون البشرية أمام حرب بيولوجية تترافق مع التحولات الجارية لتغيير طبيعة النظام الدولي، وتغير هويات القوة وربما يكون هذا الفيروس واحداً من آليات مقاومة أو تسريع هذا التغيير.
البشرية خسرت عشرات تريليونات الدولارات، حيث انهارت اقتصاديات وشركات، ومصالح تجارية، هذه الجائحة فرضت شروطها على سلوكيات الدول والشركات والمجتمعات وحتى الأفراد، وأحدثت تغييراً جذرياً على العادات والتقاليد والثقافة والعلم. ثمة رهاب «كورونا» يعمّ البشرية، ويفرض إرهابه على الجميع، ويفرض مرضاً يصلح تسميته التوحد الاجتماعي حتى داخل العائلة النووية، ويقطع الأرحام.
رمضان هذا العام مثلاً ليس كأي شهر رمضان قبل «الكورونا» اللعينة، إذ لم يتبق منه سوى مظاهر شكلية ذات أبعاد انعزالية. تظهر الأعراض والنتائج على أبشع صورها، في الدول الفقيرة ومنها المجتمع الفلسطيني الذي يخضع لإرهاب الاحتلال. ثمة نقص فادح في التجهيزات والمستلزمات الطبية، الوقائية والعلاجية، ابتداءً من عدد الأسرة، والقدرة الاستيعابية، وأجهزة التنفس، إلى الخزعات للفحص، إلى الطعومات وصولاً إلى ضعف الإمكانيات المادية للأسر الفقيرة والمعدمة. لا ينطوي ذلك على اتهام للسلطات الفلسطينية التي تقوم بكل ما يلزم، وفقاً لما تملك من إمكانيات، لكنها لا تستطيع محاصرة ووقف زحف هذا الفيروس القاتل.
الأرقام بالقياس لعدد السكان مرعبة من حيث عدد الوفيات وعدد المصابين هذا دون الوقوف على الأرقام الحقيقية للمصابين، نظراً لأن الكثير من المواطنين المصابين لا يبلغون الجهات المسؤولة.
هنا في الأراضي المحتلة، ترتكب جريمة حرب حقيقية يديرها الاحتلال، بما أنه المسؤول عن الشعب الذي يمعن في احتلاله.
من غير المنصف أو المعقول، أن يدعي أحد بأن تغييب مسؤولية الاحتلال عن هذه الجريمة له علاقة بتدعيم ادعاء الاستقلالية الكاذبة والوهمية. إسرائيل قدمت التطعيم لأكثر من خمسة ملايين من مواطنيها، وقامت بحجز خمسة وثلاثين مليون طعم، والسؤال هو أين ستذهب إسرائيل بهذا العدد الضخم من الطعومات بعد أن أكملت تطعيم مواطنيها، أم انها ستتاجر بهذه الطعومات، أو انها ستستخدمها لتوسيع دائرة نفوذها في عديد الأقاليم؟
 والسؤال الآخر، يتصل بسياسة الشركة المنتجة للطعومات، فإذا كانت عديد الدول بما في ذلك دول أوروبية، تنتظر الدور حتى تحصل على مثل هذه الطعومات، فكيف لإسرائيل أن تحصل على هذا العدد الكبير من الطعومات، أم انها هي الأخرى تندرج في إطار المساعدات التي تقدم لدولة الاحتلال؟
أما عن السلطات الفلسطينية، ونحن مع الأسف مضطرون لاستخدام مصطلح السلطات بما أنه يتطابق مع واقع الحال، فإن ثمة مسؤولية تقع عليها إذ ما كان ينبغي التراخي في اتباع إجراءات الوقاية والسلامة في أوقات سابقة. السلطات الفلسطينية تعرف تماماً طبيعة الأوضاع النفسية للمواطنين، حيث يظهر الاستهتار في التعاطي مع إجراءات السلامة، وحتى أن البعض لا يريد أن يصدق بأن ثمة حرباً قاتلة، وكل ذلك ناجم عن حالة الإحباط واليأس التي يعيشها الناس خصوصاً منذ وقع الانقسام الذي مضى عليه نحو أربعة عشر عاماً، دون أن تظهر ملامح الشفاء منه.