ما زال الموضوع الرئيسي المطروح على النقاش فلسطينيا وحتى عالميا هو الانتخابات التشريعية، ولم يحدث ان استبدت الحيرة في المتابعين مثلما استبدت الان، وذلك للعجز عن إيجاد إجابة قاطعة هل ستجري الانتخابات ام تؤجل؟؟

كثير من الساسة الفلسطينيين يتحدثون عن ان التأجيل وارد، وربما يكون اقرب الى الاعتماد، وترجيحهم لذلك هو الموضوع الأكثر اغراءً وجاذبية لتغطية المواقف وهو القدس.

ورغم الاجماع الفلسطيني على الأهمية السياسية والوطنية والمعنوية للعاصمة الفلسطينية، الا ان هذا الاجماع لم يقابله إجماع مماثل حول اجراء الانتخابات اذا واصل الاسرائيليون تجاهلهم للطلب الفلسطيني بل هنالك وربما تكون اغلبية ترى ان امتناع إسرائيل عن الموافقة على اجراء الانتخابات في القدس ينبغي ان يواجه باجراء الانتخابات في كل الوطن ولتكن الانتخابات في القدس مجال تحدٍ وليس مجال وفاق مع المحتل.

التفتيش عن عنوان لعدم اجراء الانتخابات له مؤيدون كثر من أولئك الذين لا يريدون الانتخابات أصلا، وهم وان كانو قلة عددية بالقياس للأغلبية الفلسطينية الكاسحة التي تريد الانتخابات فهم ربما يكونوا بل هم كذلك بالفعل اكثر نفوذا وتأثيرا في صياغة القرار الفلسطيني وتوفير حاضنات إقليمية ودولية له، لذلك فإن القدس كعنوان لتأجيل الانتخابات يبدو سطحيا وغير مقنع، أمّا القدس كتحدٍ وطني لاجراء الانتخابات حتى لو مانع الاحتلال فهذا هو الموقف ذو المصداقية والذي يرحب به الشعب كله.

وغير القدس هنالك عنوان آخر وهو ما تكثر إسرائيل الحديث عنه واوشكت على اقناع الأمريكيين به، وهو ان الانتخابات الفلسطينية ستأتي بحماس على رأس المؤسسة الفلسطينية المنتخبة والتي سينبثق عنها كل المؤسسات الأخرى، ولو دققنا في هذا العنوان لوجدنا انه غير موضوعي بل وحتى غير منطقي فإسرائيل التي وضعت هذا العنوان كبند مركزي في تحفظها وسياساتها المعوقة للانتخابات، تدرك جيدا ان حماس لن تسيطر على الحالة الفلسطينية كلها، وافضل ما يمكن ان تحصل عليه هو مشاركة آخرين في تشكيل حكومة ائتلافية، وهذا لا يعني انها ستحكم فلسطين وستحتكر قرارها السياسي.

إسرائيل التي تملك مؤسسات بحثية عالية الدقة وتملك قواعد بيانات عن الوضع الفلسطيني من كل جوانبه تعرف ذلك اكثر من غيرها، الا انها ولتفادي لوم العالم على تعطيلها الاتجاه الفلسطيني نحو الدمقرطة الحقيقية ترى في عنوان حماس تغطية فعالة لنهجها الحقيقي الرامي الى منع ولادة نظام سياسي فلسطيني حديث يقدم برهانا للعالم على ان هذا الشعب يستحق دولة كاملة السيادة، وانه يملك التأهيل الكافي لانتاجها وادارتها، كما ان إسرائيل واعني هنا اليمين الحاكم لا تريد ان تكون الانتخابات الفلسطينية وما يتلوها من ترتيبات ذات طابع سيادي تشويشا على خطط السيطرة التي تنفذها بتسارع ملفت على الأرض وأعني تطوير الاحتلال الى سيطرة طويلة الأمد وقد تكون نهائية على الحاضر والمستقبل الفلسطيني، اذا فعنوان حماس ليس اكثر من تمويه على ما هو اعمق واكثر الحاحا لدى القيادة الإسرائيلية .

عنوان آخر اراه سطحيا كذلك وهو فلسطيني بامتياز .... وهو الخوف من ان تأتي الانتخابات بقوى جديدة تخل بنمطية النظام "الثوري" الفلسطيني الذي كان سوء الأداء فيه السبب الرئيسي لما وصلنا اليه الان، الاعمق من هذا ان ما يخاف منه البعض هو المطلب الأساسي للشعب الفلسطيني بكل اطيافه واجتهاداته فالذين يخافون على النظام الحالي من منافسين جدد، ينبغي ان يدركوا عدم قبول الفلسطينيين لفكرة ان يحكم قرارهم بحلقات ضيقة وبقوى لم تسجل نجاحا تعرضه على الجمهور في الانتخابات القادمة.

فلسطينيا .. الانتخابات اكثر من ضرورة لأنها ستنتج التصنيف الشعبي الحقيقي للقوى الفلسطينية، وتعطي كل فصيل او تشكيل سياسي حقه من التأييد قدر ما يحصل من الأصوات والمقاعد، وهذا امر يرعب الذين فقدوا عمقهم الشعبي وصار مستحيلا عليهم اجتياز نسبة الحسم، اما الذين سيجتازون فيخشون من تراجع النفوذ على نحو لا يوفر صدقية واقعية لاحتكار القيادة والقرار.

أخيرا لابد من كلمة عن القدس، فهي في حياتنا وقراراتنا وحاضرنا ومستقبلنا اعمق واشد بقاءً من ان يصادرها الاحتلال بقرار يمنع او حتى يجيز الانتخابات فيها بشروطه ومتطلباته، انها قلب هدفنا الوطني الاسمى الحرية والاستقلال.

العالم كله يعترف بذلك ولن يقيم وزنا لكل الإجراءات الإسرائيلية المتعلقة بها وبالوطن الفلسطيني لهذا فليكن قرارنا المضي قدما في كل ما يؤكد حقوقنا واهدافنا والانتخابات العامة وبأسلوب التحدي في القدس ركنا من أركانها.