توسَّطت روسيا بين سورية وإسرائيل لتنفيذ صفقة تبادل أسرى في 20-2-2021، يبدو أن هذه الصفقة التي عادت بموجبها، فتاة إسرائيلية، غير متوازنة نفسياً كما وصفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، نظير الإفراج عن رُعاة سوريين، لم تكن هي الصفقة الحقيقية!
كانت تلك صفقة إعلامية فقط، مقدمة لإعادة بقايا رفات، أشهر الجواسيس الإسرائيليين، (إلياهو شاؤول كوهين) المشهور بإيلي كوهين، هذا الجاسوس ولد في الإسكندرية 1924، جُنِّد في الجيش المصري عام 1947، غادرت أسرتُه مصر إلى إسرائيل عام 1949، بقي إيلي في مصر، اعتقل في مصر لأنه كان ينظم فعاليات لمناصرة الصهيونية.
نظَّمه مسؤول «الموساد»، جون دارلنغ، ليعمل جاسوساً في سورية، سافر للأرجنتين، بعد أن غير «الموساد» اسمَه إلى، كامل أمين ثابت، باعتباره رجلَ أعمالٍ سورياً، بدأ في نسج علاقات مع كل السوريين والعرب، بوساطة تنظيم احتفالات ومآدب طعام، وصل إلى سورية باعتباره مستثمراً سورياً محباً لوطنه عام 1962، أصبح مستشاراً عسكرياً، كشف صفقات السلاح الروسية لسورية، زار تحصينات عسكرية في الجولان، والقنيطرة، صورها بكاميرا حساسة بساعة يده، لم تكن معروفة في تلك الفترة.
أما كيف كُشف أمرُه؟ يقال: إن السفارة الهندية المجاورة لمنزله اكتشفت موجات إرسال لاسلكية تشوش على اتصالاتها فاشتكت للسوريين. وهناك مَن ينسبون الكشف لأجهزة الأمن الروسية التي التقطت الإشارة، أما القول الثالث وهو أن المخابرات المصرية، بوساطة عميلها المزدوج، رأفت الجمال (الهجان) هو الذي تعرَّف على صورة الجاسوس، ما أدى إلى اعتقاله وإعدامه في 18-5-1965.
أما آخر الرسائل المشفَّرة المرسلة من إيلي كوهين إلى «الموساد»، فهي: «عَقَدَ، أحمد الشقيري اتفاقاً مع الجيش السوري لتدريب جنود فلسطينيين»!
نسج الإسرائيليون من قصة هذا الجاسوس أعمالاً فنية وأدبية عديدة، اعتبروه بطلاً، سمّوا باسمه شوارع عديدة، وسمّوا مستوطنة في الجولان باسمه، له قبر رمزي في القدس، صنعوا له الأفلام الوثائقية، ونشروا عن سيرته الكتب والأقاصيص، اختصَّ في الكتابة عن سيرته كُتَّابٌ كثيرون، أبرزهم، رونين بيرغمان، أصبحت قصة (بطولته) أسطورة يهودية!
ما زلتُ أذكر كيف صنعوا من إعادة ساعة يده أسطورة أخرى تدُلُّ على كفاءة «الموساد»، برعاية نتنياهو، وادَّعَوْا أن «الموساد» أحضر الساعةَ من سورية! على الرغم من أن الساعة المُدَّعاة اشتُريت من الإنترنت بفيزا كارت، هذا ما قالته أرملة إيلي كوهين، ناديا، لصحيفة «يديعوت أحرونوت» يوم 6-6-2018، غير أنها غيرت أقوالها للإذاعة في اليوم التالي، بعد اتصال من أحد أفراد العائلة، وهو يوسي كوهين، رئيس «الموساد»!
هكذا نسجوا قصص البطولات، ونحتوا من الأحداث تماثيلَ، ورموزاً، ثم ترجموها إلى كل لغات العالم لتحقيق هدفين: الأول إثارة الرعب في نفوس العرب والفلسطينيين من سطوة جهاز «الموساد»، أما الهدف الثاني فهو تعزيز القوة الإسرائيلية في نفوس أجيالهم، وإيهامهم بأن «الموساد» هو سوبرمان لا مثيل له في العالم.
سأظل أتساءلُ: لماذا تنتشر وتُصدق قصص المحتلين الإسرائيليين بسرعة فائقة، وفي الوقت نفسِهِ لا ينجح الفلسطينيون والعرب في ترويج القصص الحقيقية عن القتل، والتشريد، واغتصاب الأرض من المحتلين، هم ينجحون بترويج باطلهم، أما نحن فنفشل في ترويج حقنا الصادق؟!