مثل بالون تمّ وخزه بدبوس، انفجر وتطاير دون أن يترك أثراً ولم يعد له وجود، هذا هو حال خبر كان مهماً وخطيراً لساعات ثم اختفي عن شاشات التلفزة ومختلف وسائل الإعلام، الخبر المصور لم يعد قائماً، وتجاهلت وسائل الإعلام المختلفة أن تتابعه ولم تعقد له الورشات والنقاشات والأبحاث، نقصد بذلك ما كشفته وكالة «أسوشيتدبرس» الأميركية من خلال صور الأقمار الصناعية عن أكبر مشروع إنشائي خلال العقود الأخيرة ضمن السلاح النووي الإسرائيلي السري والمعتم عليه، حيث تظهر حفرة بحجم ملعب كرة قدم على بعد مئات الأمتار من مفاعل ديمونا في صحراء النقب.
حسب وكالة أسوشيتدبرس، فإن إسرائيل أخفت عن حليفتها الإستراتيجية الولايات المتحدة الغرض من هذا الموقع الذي كشفت عنه الوكالة، وقالت: إنه مجرد مصنع للنسيج. وإضافة إلى صور هذا الموقع كشفت هذه الوكالة ما يشير إلى أنّ هناك مطالبة أميركية من خلال مسؤولين سابقين في هيئات متخصصة بمنع الانتشار النووي، هما فيكتور جيلنسكي وهنري سوكولوسكس عبر مقال مشترك في مجلة «فورين بوليسي» في عددها الأخير، بإثارة الملف النووي الإسرائيلي وعلى الأقل الحد من ترسانتها النووية الهائلة، وذلك من خلال امتناع الرئيس بايدن عن التوقيع على رسالة روتينية تطالب من خلالها إسرائيل الرؤساء الأميركيين بعدم إثارة هذا الملف، مع العلم أنه قد وقع على مثل هذه الرسالة كل من الرؤساء منذ نيكسون حتى ترامب، وذلك حسب ما أوردته صحيفة «نيويوركر».
ووفقاً للمهنية الصحافية، فإن وكالة أسوشيتدبرس طلبت توضيحاً من إسرائيل حول ما كشفته الوكالة، إلا أنّ إسرائيل لم ترد على طلبها، معتمدة في ذلك على أنّ الصورة المنشورة لم تكن بالوضوح الكافي للإشارة إلى حقيقة المنشأة النووية. ويعود ذلك إلى قرار الكونغرس عام 1997 وبناء على طلب إسرائيلي بمنع منح تراخيص للأقمار الصناعية لتصوير إسرائيل بجودة أكبر من المسموح بها في المجمعات التجارية خارج الولايات المتحدة، وذلك بهدف حماية المنشآت النووية الإسرائيلية، ومن الملاحظ بهذا الصدد أن جودة تصوير الأقمار الصناعية فوق إسرائيل على خرائط «غوغل إيرث» أقل وضوحاً من تصوير دول أخرى، ويقال: إن إدارة ترامب كانت قد ألغت هذا المنح، إلا أن ذلك ليس مؤكداً على ضوء جملة الهدايا التي قدمتها هذه الإدارة لنتنياهو.
إن مطالبة المدير التنفيذي لرابطة الحد من الأسلحة في واشنطن داريل كيمبال، إثر ما كشفته وكالة أسوشيتدبرس إسرائيل بالكشف عن حقيقة هذه المنشأة وأهدافها، ووقف سياسة التعتيم على قدراتها النووية، مؤشراً على أسباب توقيت هذا الكشف الذي يعود بالغالب إلى حالة المواجهة على الملف النووي الإيراني بين إسرائيل وإدارة بايدن. هذه المواجهة التي جندت إدارة نتنياهو زبانيتها في الحزبين الديمقراطي والجمهوري كي تضع بصماتها المؤثرة على السياسة الأميركية إزاء الملف النووي الإيراني.
إن الكشف عن هذه المنشأة، ثم التعتيم عليه، مجرّد رسالة لما يمكن أن تمضي به قدماً إدارة بايدن في المواجهة مع إسرائيل حول هذا الملف، ومثلما فعلت مع المعارضين لهذه السياسية كالسعودية عندما أعلنت إدارة بايدن «قانون خاشقجي» للحد من معارضة سعودية لهذا الملف، فإن الكشف الذي أعلنت عنه أسوشيتدبرس مجرد رسالة لما يمكن أن تقدم عليه إدارة بايدن؛ في حال بالغت إدارة نتنياهو في هذه المواجهة مستعينة بأدواتها في الكونغرس، ذلك أن الدبوس ما زال في حقيبة بايدن.