كتب رئيس التحرير: لا يُمكن للديموقراطيات أن تُفرض فرضاَ، هي بديهية كُشفت للعالم من خلال حروب الولايات المتحدة الأمريكية التي حاولت تصدير ديموقراطيتها على ظهور الدبابات ومن خلال صواريخها الذكية، حاولت ذلك في العراق وأفغانستان فلم تنجح، وبدل ذلك زرعت دماً وخراباً وتخلفاً، لينطلق اتجاه جديد يقول إن الديموقراطية هي صنيعة المجتمع نفسه، فلكل مجتمع أفكاره وثوابته وعناصره الثابتة والتي لا تقبل لبس ثوب مستورد.

من هنا علينا الانطلاق في حديثنا عن الديموقراطية الفلسطينية، فهي ليست إسقاطاً من الأعلى، ولن تكون مختلفة تماماً عن ديموقراطية الدبابات إن ظلت تسير بهذا الشكل، فهي يجب أن تكون نابعة من الأسفل، ليكون أساسها قوياً، أي أن صندوق الاقتراع ليس اختراعاً سحرياً يٌنهي المشكلات التي علق بها أقطاب الانقسام من 15 سنة، ولو كان حلاً حقيقياً فإن هذا الصندوق سيزيل عن خارطة الفلسطينيين هذين الحزبين ولو مؤقتاً كعقاب على ما وقع على الشعب الفلسطيني في هذه السنوات الخراب!

كثير من المحللين، وحتى القيادات الوزانة في حركتي فتح وحماس تشككوا من موضوع الانتخابات، الاستخبارات الإسرائيلية، رسائل مبطنة من الاتحاد الأوروبي، كلها تشير إلى تشكك من نجاح الانتخابات، لأن الأرضية والمناخ يُنبئ بذلك، فهل تزرع شجرة في صحراء دون ماء ولا تراب؟

فطِنت الفصائل الفلسطينية وبينها فتح وحماس أن مناخ الحريات ليس كما يجب، وإذا هم أرداوا إنجاح الانتخابات فعليهم خلق مناخ حريات! وهنا تقع الفصائل الفلسطينية في نفس الخطأ الذي وقعت فيه في ملف الانتخابات، فإذا لم يكن هناك جو للحريات، كيف امتلكت الفصائل أصلاً حرية قبول الانتخابات والانخراط فيها من البداية؟! إذاً ما الضامن لهذه الحرية؟ هل هو مرسوم الرئيس؟ مَن الأسمى القانون الأساسي الفلسطيني الذي نص على الحريات ورفع من شأنها؟ أو مرسوم الرئيس؟ أم الاتفاقيات الدولية التي انخرطت فيها فلسطين بعد أن أصبحت دولة؟ 

الشارع الفلسطيني نفسه غير مؤمن بالخطوات التي تُعتبر ممهِدة للانتخابات، وهو اليوم أقل ثقة من أي وقت مضى في كل ما يتعلق بالنظام السياسي الفلسطيني، فبعد مئات اللقاءات الفتحاوية الحمساوية في مكة والقاهرة والأردن وموسكو وأنقرة ورام الله والقدس وغزة، بات الأمل في أقل مستواه، وباتت قناعة الشارع أن قادة الفصائل الكبرى وحتى الصغرى لا تريد من الأمر غير تثبيت وأعادة شرعيتها أمام العالم وليس أمام شعبها، فالشعب من أول يوم للانقسام كان يريد الاحتكام لصندوق الانتخابات، أما العالم فقد وقف متفرجاً 15 عاماً ويبدو أن متطلباته ومتغيراته باتت جديدة وتحتم على أقطاب الانقسام وغيرهم في لعبة السياسية الفلسطينية أن يغيروا من طريقة اللعب.

يا سيدي، أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي، ونأمل أن تكون جرعة التشاؤم التي تنتشر في الشارع هذه الايام مجرد تشاؤم لا حقيقة، وأن يكون في نية أصحاب القرار والقيادات تغيير الواقع إلى الأفضل، وأن يكونوا قد آمنوا أن فلسطين دون شعبها ومشاركته ستضيع كما ضاع معظمها.

لننطلق الآن من أساس "الحريات"، اعتماداً على القانون الفلسطيني والتزاماً بالاتفاقيات الدولية مروراً بمرسوم الرئيس الأخير، على السياسيين أن يقتنصوا هذا المدخل لخلق أمل في الشارع، وليرى الناس أن شيئاً جديداً يحدث، لا أن يتنكر قادة حماس لوجود معتقلين سياسيين في غزة أو قادة فتح بإنكار وجود معتقلين سياسيين في الضفة، لو لم يكن الأمر موجوداً لما طالب الطرفان باحترام الحريات! والشعب ليس أعمى ليصدق أن سجون الضفة وقطاع غزة خالية تماماً من أصحاب الرأي والتوجهات السياسية.

إن عدم احترام مرسوم الحريات بالحد الأدنى هو حكم على إعدام ما ستنتجه صناديق الاقتراع، فمن لا يحترم قراراً من صفحة أو صحفتين، لن يحترم ملايين الأصوات التي ستجمعها صناديق الاقتراع.

الصفحات المشبوهة في وسائل التواصل الاجتماعي تضاعفت، لكن محتواها يؤكد ان خلفها فصيل معين و قد اختبأ خلف اسم وهمي وينشر فضائح الطرف الآخر، وهذا يدل ان هناك غياباً للحريات وكذلك باطنية في العلاقات، حيث مثلاً جماعة دحلان والتي بعضها كان عليه أحكاماً بالاعدام من قبل سلطة حماس سُمح لهم بالعودة لغزة وحرية العمل لكن فقط باتجاه رام الله دون ذكر لأي ممارسة من حماس، ويتضح ان منح الحريات ومنعها تحتاج فقط لكبسة زر دون أي اعتبار للقانون الاساسي أو مرسوم الرئيس الجديد.

الحريات التي اعلنوها لم تغير شيئاً في قانون الانتخابات الجديد وبالذات المادة 8 والتي تشترط على من يعمل في الحكومة ليس فقط بتقديم الاستقالة وانما بموافقة الوزير المعني عليها، بمعنى ان من لا يوافق عليه المسؤول او الوزير، لا يُسمح له بالترشح للانتخابات.
 
ناهيك عن قيود اخرى تتعلق برسوم الترشح العالي للقوائم والذي وصل لعشرين الف دولار  فهل هذا احترام حريات وتهيئة بيئة ديمقراطية وتنمية سياسية وغيرها والتي جميعها تستند لاطلاق الحريات، وحتى التنمية الاقتصادية والاجتماعية تحتاج اطلاق طاقة الافراد والجماعات داخل المجتمع الفلسطيني.

الديمقراطية ليست حبرا على ورق او قانون هنا وهناك بل ثقافة تُزرع بالأفراد وترسخ بالسلوك الفردي عبر ارضاعها  لهم بالاسرة والمدرسة والشارع، بعدها نقول ان الحريات ترسخت.

مرسوم الحريات اول اختبار بين الاطراف ظهر فشله فهل يُنهي هذا الاختبار التفاهمات وتتأجل الانتخابات ويستمر الخلاف والانقسام أم ان هذه الاتهامات والممارسات هي نوع من انواع التنافس الانتخابي. 

وضعنا الفلسطيني يشبه إلى حد كبير قصة أحدهم الذي قال ذهبنا إلى أداء العمرة مع زوجة أبي، وطوال طريق الذهاب ونحن ندعي عليها وهي تدعي علينا سراً، وفي الطريق حصل حادث أليم ولم نصل إلى الحجاز ورجعنا مُكسرين ومحطمين وشبه مشلولين، فهل نحن نصل لعرس ديمقراطي رصين يخرجنا من ما نحن فيه ام سنبقى مشلولين عاجزين عن منح الامل لشعبنا العظيم؟!