تشرفني استضافة الكاتب وضاح زقطان في أربع لوحات سردية من ذاكرة مخيم الكرامة، مخيم الصمود والحياة.


***
(1)
وصلتْ طلائع الجيش العراقي، في اليوم الرابع من حرب حزيران، إلى مثلث الشونة الجنوبية ثم إلى تخوم الضفة الغربية... عندها قام سرب من طائرات (السوبر ميستر) بقصف الرتل... سقط شهداء وجرحى.
كان سكان المخيم يتابعون الغارة التي تبعد ٣ كيلومترات فقط.
بعد ساعة من الحدث وصلت سيارة عسكرية عراقية، ضابط وخمسة جنود، وطَلبتْ من الأهالي عنوان أقرب مستشفى.
حسان الشخص الهامشي في المخيم رافق الجنود نحو مستشفى السلط..
على نفس المثلث قصفت الطائرات المكان مرة أخرى.
لم يكن هناك وقت للحزن... وأنا الآن أتذكر حسان وسيارة الجيش العراقي وضابطاً وخمسة جنود ركضوا من أقاصي العراق ليموت الضابط وجنوده... من أجلنا.

(2)
مئة أو أكثر حشرونا في باص (الجغل)، والجغل لا شركة مساهمة ولا محدودة. كان هدف الرحلة منابع نهر اليرموك. رحلة نظمتها الأمم المتحدة ممثلة بوكالة الغوث في منتصف القرن الماضي.
انطلقت حافلة العبيد إلى الهدف... ومنذ البداية لم تكن هناك رحمة... تعرضنا لضرب مبرح من دون سبب... ومع ذلك كنا سعداء فقد غادرنا المخيم أخيراً.
المهم أعلن قائد الرحلة الأستاذ وحيد أن موعد الأكل قد حان.
بيض مسلوق، سردين، بصل، ونشاط مئة طفل كانت كفيلة بأن تترك رائحة امتدت حتى الآن.

(3)
دخلت المخيم كهرباء متعثرة وضعيفة... كان ذلك في العام ٦٥، اشترى جارنا الحاج أبو علي مروحة، وتورط أبي بثلاجة قصيرة كانت طولي أنا طفل الصف الرابع. ثلاجة من نوع (أجينس) أحضرها أبي من أريحا...
عندها ملكنا العالم، لدينا قوالب ثلج في البيت... وحتى أثبت لصف المدرسة أن هناك ثلجاً في العالم... كنت أمرر قالب ثلج صغيراً على خدود أقراني في (الترويحة). ثلاجة (أقساط) غيّرت حياة جهنم وأصبحت حديث العامة (شربنا مي باردة عند دار الأستاذ خليل).
 (4)
أبو خميس سائق إسعاف الوكالة في المخيم.. سيارة «الفان» البيضاء المزينة بشعار الأمم المتحدة.
أبو خميس صاحب رحلة الثلاثاء... حين يتجمع المرضى الأكثر حظاً أمام الحكمة... وهي عيادة الوكالة، عندها ينطلق (سمور) نحو القدس إلى مستشفى المطلع أو إلى عمّان حيث مستشفى (اللوز ميلا) في جبل اللويبدة، والمرشحون لهذه الرحلة هم من وصلوا إلى الرمق الأخير أو كادوا، لن يكون أبو خميس وحده، سترافقه ممرضة المخيم جملات... وسينتظر المخيم نتائج لن يطول انتظارها.
رحلة الأنين.. أو كما كانت تسمى «رحلة نهاية العمر» تنطلق صباح الثلاثاء من أمام عيادة الوكالة في المخيم.