لا تجوز مقارنة أوضاع الشعب الفلسطيني الذي يتجاوز تعداده الثلاثة عشر مليونا، بأي شعب آخر على وجه الأرض.
هذا الشعب الذي يتجاوز عدده عدد اليهود في كل أنحاء العالم، ونصفهم فقط في إسرائيل تعرض ويتعرض لأبشع المخططات الاستعمارية الدولية، وأصبح يترتب عليه أن يحل ما يعرف بالأزمة اليهودية ذات الأبعاد الدولية أيضاً.
لم يكن في وارد المخططين لإقامة إسرائيل، ما الذي سيحل بالشعب الفلسطيني وإذا ما كانت تلك المخططات ستخلق للعالم أزمة لا تقل خطورتها عن الأزمة اليهودية، فلقد راهنوا على بذل كل جهد ممكن لتوزيع وإذابة الشعب الفلسطيني في محيطه العربي الذي ينتمي إليه.
فوجئ الجميع، بأن الضحايا ليسوا بشراً عاديين يمكن التلاعب بمصيرهم، أو تطويعهم واحتواؤهم لا في المحيط العربي، ولا في المهاجر. وأن الطبيعة الاستثنائية للمخطط الاستعماري ومخرجاته تصطدم بشعب استثنائي، مؤمن بحقوقه حتى النخاع، ويتمتع بإيمان راسخ بقدرته على هزيمة المخطط والمخططين، واستعادة كل حقوقه التاريخية كاملة، غير منقوصة.
شعب يشهد له أعداؤه، قبل أصدقائه بأنه يمتلك الإرادة الصلبة، ويملك الاستعداد للتضحية، ولديه مخزون هائل من الإبداع في مواجهة الاحتلال كما يقول الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي.
قد يستغرب البعض بشأن، مناسبة هذه المطالعة الواقعية والمكرورة بأكثر من شكل وأسلوب وطريقة، ولكن ما أوجب ذلك، هو الدهشة، والاستغراب الذي ينتاب الفلسطيني، جراء ما يعانيه الشعب بسبب نخبه السياسية وقياداته وفصائله.
الفلسطينيون يشبهون أنفسهم وتكويناتهم تشبه بعضها البعض بصرف النظر عن الاختلافات النسبية في البيئات رغم أنها كانت تحت مجهر المخططات الإسرائيلية.
الانقسام الذي يعاني منه الفلسطينيون منذ أربعة عشر عاماً، ولا يزالون غير قادرين على إنهائه، هو انقسام بين الضفة وغزة، وعنوانه فتح وحماس وهو انقسام بين فلسطينيي الداخل والخارج، استناداً إلى الأهداف التي تبحث عن دولة على الأراضي المحتلة العام 1967، وانقسام بين الداخل والداخل، في حدود فلسطين التاريخية، وانقسام أيضاً داخل الحركة الوطنية في الأراضي المحتلة العام 1948.
بعد أن حصلت القائمة العربية الموحدة، على خمسة عشر مقعداً في الانتخابات الإسرائيلية الثالثة، وانتعشت الآمال بازدياد تأثير الفلسطينيين في المشهد السياسي العام في إسرائيل، وقعت الانتكاسة على أبواب الانتخابات الرابعة التي ستُجرى في آذار المقبل.
في الأساس، كان من المأمول أن يحصل الفلسطينيون في أي انتخابات إسرائيلية على ما يوازي كتلتهم الاجتماعية التي تتجاوز العشرين في المئة من سكان الدولة العبرية ولكن الخلاف موجود بين من يرى ضرورة المشاركة في الانتخابات وبين من يرى ضرورة المقاطعة، وهو موجود لأن كتلة اجتماعية من الدروز، انخرطت في أدوات الاحتلال العسكرية والأمنية، واختارت البحث عن مصالحها الخاصة.
الاستطلاعات الحديثة، تشير إلى تراجع عدد المقاعد الذي يمكن أن تحصل عليه القائمة الموحدة، إلى عشرة مقاعد، وأحياناً أقل، أما كتلة الحركة الإسلامية الجنوبية التي انشقت عن القائمة، فمن المتوقع ألا تحصل على نسبة الحسم. كالأطفال، المحرومين من الشوكولاتة، سال لعاب البعض، حين وعدهم نتنياهو، ببعض الحلوى المسمومة.
عدا عباس منصور رئيس الحركة الإسلامية، ثمة أيضاً رئيس بلدية الناصرة، أصبح هؤلاء أبواقاً لنتنياهو، الذي لم يعد حزبه وأنصاره من احتماله.
نتنياهو الساحر، توجه إلى العرب، والتقى مع رؤساء بلديات، ومع شخصيات سياسية واجتماعية، في محاولة لتفكيك وحدة الفلسطينيين من ناحية، وكسب أصوات البعض من ناحية ثانية آملاً في أن يعطيه ذلك أملاً في أن يصل مع شركائه إلى مستوى تشكيل الحكومة عبر الحصول على أغلبية في الكنيست.
نتنياهو الذي تشجع حكومته، العنف داخل المجتمع العربي، حتى أصبح مرضاً ونتنياهو الذي لا يخفي ازدراءه وعنصريته تجاه العرب، ولا تقدم حكومته الحد الأدنى من الموازنات التطويرية للمدن والقرى العربية، يقدم وعداً بأنه سيخصص مئة مليون شيكل لمكافحة العنف، وأنه سيضم وزيراً عربياً إلى حكومته.
هكذا يصبح نتنياهو بالنسبة للطابور الخامس، الشخصية الأفضل والمناسبة أكثر للفوز برئاسة الحكومة، والشخص الذي يجب التعاون معه ومساعدته.
ثمة سابقة لعباس منصور، الذي يقود حركة هي جزء من حركة الإخوان المسلمين حين قاد انشقاقاً العام 1996، وتحول إلى قائد لها في الجنوب، وأيضاً على خلفية الموقف من نتنياهو الذي ترشح وفاز في تلك الانتخابات.
وبصراحة فجماعة الإخوان المسلمين مدينة بتقديم تفسير لهذا السلوك الشاذ، وهي أيضاً مدينة بتقديم تفسير لموافقة الجماعة التي تدير الحكومة في المغرب، على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بل إن رئيس الحكومة الإخواني، هو الذي وقع على الاتفاق.