هذا ليس سؤالاً افتراضياً بقدر ما أن واقعيته شديدة التأثير على الحالة الفلسطينية التي تجري فيها انتخابات تحت الاحتلال، فلو كان الفلسطينيون حصلوا على الاستقلال لا يهم كثيراً من يفوز في الانتخابات، ولكن الالتباس الحاصل في الراهن السياسي المتشابك مصلحياً من جهة وعدائياً من جهة أخرى مع إسرائيل يجعل من فوز حركة حماس وهو خيار وارد يزيد من تعقيد الحالة التي تزداد تأزماً.
وارد أن تفوز حركة حماس بالانتخابات لأسباب متعددة سواء لتشتت حركة فتح أو لجهة الأداء الذي قدمته سواء في الضفة أو بسبب الإجراءات التي قامت بها السلطة تجاه موظفيها هناك وهم النواة الصلبة لحركة فتح، أو والأهم لجهة المصلحة الإسرائيلية الواضحة بفوز حماس بالانتخابات بعد التغيير الحاصل للإدارة الأميركية وعودة الديمقراطيين وبرنامجهم التفاوضي سواء ما أعلنه الرئيس بايدن سابقاً في حملته الانتخابية أو لجهة لقاءات عقدها وزير خارجيته أنتوني بلينكن أو لجهة الآراء الاستشارية التي قدمت للإدارة الأميركية من مراكز دراسات أو شخصيات وخاصة أن ظل أوباما مازال يخيم على الادارة الحالية.
كانت آخر مفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين قد انتهت قبل حوالى سبع سنوات أثناء تجربة الأشهر التسعة لوزير خارجية أوباما جون كيري.
وبعدها توقف كل شيء سياسي بين الفلسطينيين واسرائيل، وظل الأمر مقتصراً طوال السنوات الماضية على التنسيق سواء الأمني أو المدني أو الاقتصادي بلا أي حديث عن حقوق وطنية للفلسطينيين. والآن يجيء بايدن وإدارته لإعادة إسرائيل إلى مفاوضات كانت قد أصبحت خلف ظهرها وتصرفت إسرائيل كما تشاء ونفذت برنامجها الأحادي في ظل غياب الشريك.
هل يمكن أن تعود اسرائيل للمفاوضات؟ سؤال يبدو مهماً في ظل الإدارة الجديدة حتى وإن لم يكن الملف الفلسطيني هو رأس أولوياتها، فالمسألة ليست في نتنياهو وحده بقدر ما أن النظام السياسي الإسرائيلي انتقل كلياً نحو يمين يؤمن بالضفة كأرض التوراة وليست خاضعة للتفاوض، وبالتالي ستكون إسرائيل إذا ما تم فتح الملف أميركياً في مأزق حقيقي بدأ الكتاب الإسرائيليون بالإشارة إليه.
فمن يتابع الصحافة الإسرائيلية يدرك حجم القلق الذي ينتاب اليمين الإسرائيلي مما هو قادم.
ويختصر اليكس فيشمان الأجواء السائدة في تل أبيب بالقول في صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن خيارات بايدن وطواقمه: "كل طاقم إسرائيلي يعمل معهم سيتعين عليه أن يعد الكثير جداً من الفروض البيتية، فهذه المجموعة تؤمن بالدبلوماسية وبالتسويات، وإسرائيل لن تتمكن من التلاعب معهم".
وبقدر ما يحصى الفلسطينيون عدد اليهود في الإدارة الأميركية القادمة وهو إحصاء سطحي لا يتعمق  في مضامين السياسة حيث الديانة في الديمقراطيات الغربية ليست ذات شأن في العمل السياسي، بل وأبعد من ذلك فإن المعارضة الأكبر لإسرائيل على مستوى العالم يمثلها اليهودي برني ساندرز والكثير من اليهود الأميركيين يدعمون موقفه بل إن إسرائيل تراقب أيضاً وزير الخارجية اليهودي المرشح واعتبرت حديثه في لجنة الكونغرس أنه ليس أكثر من رسالة تطمين لا تكفي لتهدئة روع نتنياهو، وإذا كانت إدارة أوباما حاولت الضغط على إسرائيل فإن ساندرز "اليهودي" يطالب بمعاقبة إسرائيل.
وفيما ينشغل الفلسطينيون بالإحصاء، تجري في إسرائيل عملية مراقبة وعد وتتبع الشخصيات التي تم تعيينها في الإدارة ومواقفها السابقة والأدوار التي لعبتها بقدر من التشاؤم حين تقف أمام أسماء مثل توني بلينكن ونائبته شيرمن وساليفان وبرانس وغوردون ووليام بيرنز رئيس وكالة المخابرات المركزية ما جعل موقع واللا الإخباري يكتب بتندر "يعاني كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية وقادتهم حالياً من أعراض مدمني المخدرات في عملية إعادة تأهيل بعد تدليلهم لمدة أربع سنوات مع دونالد ترامب" وكتب أيضاً أن قلق نتنياهو ليس مفاجأ وتبذل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن جهداً لتهدئة هذه المخاوف ولكن ليس من المؤكد أن تنجح".
ووسط هذه المناخات تصبح إسرائيل معنية بفوز حماس بالنظام السياسي ليس فقط التشريعي بل والرئاسي أيضاً، فهذا خشبة خلاصها الوحيدة من كابوس المفاوضات الذي أغلق نتنياهو بوابته وألقى بالمفتاح وسط المحيط منذ آذار 2014 وخلفه إجماع إسرائيلي حيث غابت المفاوضات وبرنامجها عن برامج الحملات الانتخابية الإسرائيلية التي تلت ذلك التاريخ ولم تعد جزءا من النقاش العام في الدولة إذ إن فوز حماس سيقطع الطريق على برنامج بايدن التفاوضي، لأن حماس لن تقبل بالمفاوضات بل تتخذ موقفاً ضدياً منها وسيكون التفاوض كما نموذج غزة من خلال دولة وسيطة مثل قطر على إدخال المعونات المالية وعلى القضايا الحياتية، وهذا هو المخرج الوحيد لمأزق إسرائيلي بات يتبدى بعد تشكيل الإدارة الأميركية.
قد يقول قائل إن تجربة حماس عسكرياً في غزة لا تشجع إسرائيل لتكرارها في الضفة، ولكن الأمر يختلف في غزة عنه في الضفة حيث قبضة إسرائيل لن تعطي لحماس الفرصة لنسخ نموذج التصنيع والعسكرة، وهذا صحيح حيث التواجد والرصد والملاحقة لكل قطعة سلاح في الضفة الغربية، والأمر الثاني أن حماس إن تحملت المسؤولية الكاملة قد تتأثر التجربة نفسها في غزة والأهم أن الثمن السياسي الإسرائيلي حينها سيكون أكبر بالنسبة لإسرائيل.
ولكن بالمقابل وإن كان من حق حماس الدخول للانتخابات والمنافسة لكن مشروع السلطة كسلطة يرتبط بإسرائيل.
وهذا جاء في تعريف السلطة وفقاً للاتفاق المشترك الأخير بين حركتي فتح وحماس بأنها سلطة خدماتية ولكنها في الحقيقة تقوم بدور سياسي بعد تلاشي دور منظمة التحرير لو فازت حماس هذا يعني عودة الاختناق الذي حصل العام 2006 وأدى إلى خنق السكان في غزة. فإن فازت حماس هذا يعني شمول الإغلاق على الكل الفلسطيني وهنا مأزق يزيد من وطأة الأزمة المركبة أصلاً، فما الحل في مسألة تحتاج إلى تفكير هادئ بعد الانتهاء من الاحتفال بالمرسوم الرئاسي فإن الأمر يجب أن ينتقل نحو التفكير العقلاني.
ليس لدى الفلسطينيين سوى ثلاثة خيارات تتبدى بشكل واضح. الأول: أن تعلن حماس التزامها ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية تحل تماماً محل حركة فتح في حال فوزها بنفس البرنامج السياسي والتفاوض على علته وحينها يبدو أمر الاعتراف بإسرائيل مسألة مطلوبة رغم مرارتها بالنسبة لها لكنها مدخل لتسيير حياة الناس، وهي المسألة التي تذرعت بها إسرائيل بتحويل حياة سكان غزة إلى جحيم ولكن هذا قد تمت إزالته كشرط على حماس ولا يعرف ما الهدف منه سوى أنه سيؤدي لزيادة تعقيد الحالة السياسية.
الثاني: إن فازت حماس وهو خيار ممكن وهذا الفوز لا يحتاج الكثير من أجله فقد تكفلت فتح باللازم ولكن أيضاً طالما أن هذا مخرج إسرائيلي، فقد نرى مرونة في صفقة تبادل الأسرى وتتم الصفقة التي ينتظرها الفلسطينيون أثناء الحملة الانتخابية ستقلب المعادلة، ولكن إن فازت قد يكون هناك مخرج قد قدم للحركة العام 2006 بألا تغامر بتشكيل حكومة.
والأمر الثالث : تكرار سيناريو غزة والانتقال لتحويل حياة الضفة الى مأساة تتكرر وبلا نتيجة ويتجلى المأزق أكثر بين برامج سواء تفاوضية أو صدامية اصطدمت دون أن تحقق نتائج تذكر أو نتائج بحجم الآمال الفلسطينية التي تتوق للتحرر من الاحتلال، وبدلاً من ذلك كانت نتيجة البرامج مزيداً من سيطرة اسرائيل سواء على الأرض أو السكان إما بالإغلاق أو المصالح اليومية وهنا فإن المسألة الفلسطينية بحاجة إلى إعادة تعريف من قبل الفكر السياسي الفلسطيني الذي لم يمتلك الكفاءة حتى اللحظة للوقوف أمام الاستعصاء الأشد الذي بات أمراً واقعاً تبدو الانتخابات حتى إن تمت ليست سوى محاولة رتق سطحية لجرح عميق جدا..!