كتب رئيس التحرير: لا يُمكن للانحياز الأمريكي لدولة الاحتلال الإسرائيلي أن يختلف من شخص رئيس أمريكي إلى آخر، فهو رُكن أساسي من معتقدات السياسة الخارجية وحتى الداخلية لواشنطن، ما يعني أن تعليق الآمال من قِبل الفلسطينيين على أي رئيس أمريكي ليتخذ موقفاً مناهضاً لإسرائيل سيكون ضرباً من العبث والخيال واللامنطق!

يُمكن أن تختلف الإدارات الأمريكية بطريقة التعبير عن هذا الانحياز التام، فبعض الإدارات تجاهرُ بطرق فظّة، وأخرى تفضل الانحياز الناعم، حتى لا تثير غضب مناصري فلسطين من عرب ومسلمين، فهي بذلك تُمسك (أمام الملأ) العصا من المنتصف، وتكون (في الخفاء) تمسكها من الطرف الإسرائيلي فقط، إلا أن المحصلة هي انحياز دائم بأشكال مختلفة.

إدارة ترمب أظهرت الوجه الخشن لأمريكا تجاه القضية الفلسطينية، وأصبح واضحا أن هذا الرئيس الذي وُصف بالجنون قد إتخذ كل ما يستطيع من قرارات لذبح ما تبقى من حلول للقضية الفلسطينية، وكأن الجالس في البيت الأبيض هو بنيامين نتنياهو، وليس دونالد ترمب!

ترمب أغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن وأوقف دعم الأونروا وألغى دعم أمريكا لحل الدولتين، ودعم قانون القومية الاسرائيلي العنصري واعتبر ان دولة اسرائيل لليهود فقط، ونقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل ابيب الى القدس واعتبر القدس كاملة عاصمة لإسرائيل ووضع سفير أمريكا في اسرائيل مستوطناً اسمه "ديفيد فريدمان".

إدارة بايدن في أول يوم لها غيرت صفة سفيرها في إسرائيل، حيث غُيِر حساب السفير الأمريكي إلى إسرائيل في تويتر والنبذة التعريفية له ليصبح "سفير الولايات المتحدة في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة"، بعد ساعات قليلة من تولي الإدارة الأمريكية الجديدة  برئاسة الرئيس جو بايدن مهام عملها رسمياً.

بعد ساعات من التعديل أعيد حساب تويتر للسفارة الإسرائيلية كما كان (السفير الأمريكي في إسرائيل)، وفي هذه (الهفوة) قراءات مختلفة، منها ما أشار له رجال بايدن ومنهم وزير الخارجية الأمريكي الجديد أنتوني بلينكن، والذي قال أن بايدن يرى أن السبيل الوحيد لضمان مستقبل إسرائيل هو حل الدولتين بوجود دولة للفلسطينيين والاجراء بالتعديل السريع جاء تنفيذاً لهذا التوجه لكن التراجع السريع أيضا يُظهر قوة اللوبي الصهيوني داخل أمريكا ولا يبشر خيراً بقدرة بايدن مثلاً عن التراجع عن قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس او حتى إعادة التأكيد على دعم امريكا لمشروع الحل على أساس حل الدولتين.

وهناك تيار آخر يحلل هذا التغيير بإسم السفارة لسفارة أمريكا في اسرائيل بأن امريكا بإدارة بايدن قررت إعادة فتح سفارة خاصة أو مكتب تمثيلي للفلسطينيين من خلال إعادة فتح المقر السابق للقنصلية الامريكية في القدس الشرقية باعتبار أن مقر السفارة الامريكية في القدس الغربية، وبهذا يكون قد أعاد أمريكا لتقترب من التوازن والحياد في رعاية الحل بين الفلسطينيين وإسرائيل ووفق الإجماع الدولي وخاصة اوروبا.

إدارة بايدن لن تخرج عن السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ولكنها ستسحب فتيل التوتر من المنطقة وأي خروج عن السياق بإتجاه حقوق الفلسطينيين وخارج توجهات الصهيونية فإن بايدن عاجز عن ذلك وفِي قرار نقل السفارة إشارة لذلك.

لكن، ورغم هذه المسلمات، هل يعني ذلك أن تقف القيادة الفلسطينية مكتوفة الأيدي، ومتفرجة على يحدث في البيت الأبيض وعلى المسرح الدولي؟ 

على القيادة تفعيل دبلوماسييها ووزير الخارجية وكل من له علاقة بالحزب الديموقراطي، كذلك عليها تفعيل تواصلها مع الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة والإعلام الأمريكي للتأثير على القرار الأمريكي وساكن البيت الأبيض الجديد.

السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وكأي دولة ديموقراطية تتأثر كثيراً بالداخل كالإعلام وجماعات الضغط، ودليل ذلك تأثرها بضغوطات اللوبي الصهيوني في أمريكا، معنى ذلك أن لدينا فرصة بالتأثيير أيضاً ولو على نطاق أضيق من اللوبي الصهيوني، لدينا الفرصة للتأثير على القرار الأمريكي إن نحن استثمرنا قدراتنا وتواصلنا وعلاقاتنا بشكل صحيح.

إن مكتوف اليدين لن يحصد شيئاً، لذا فإن سياسة أمريكا في عهدها الجديد مرهونة بمدى عملنا نحن لتغيير ما يُرسم في البيت الأبيض تجاه قضيتنا.