كتب رئيس التحرير: لا اختلاف كثيراً بين السياسي البريطاني آرثر جيمس بلفور الذي أعطى اليهود وعداً سُمي باسمه لإنشاء وطن قومي لهم على أراضي فلسطين (والضفة الشرقية لنهر الأردن)، وبين الزعماء العرب الذين يُعطون إسرائيل نفس الوعد مقابل (مصالح) ضيقة، لبست ثوب المصلحة الوطنية!

الزعماء العرب وكبلفور أعطوا ما لا يملكونه لمن لا يستحقون، فلم يكن حكام العرب يوماً أوصياء على القضية الفلسطينية أو أرض فلسطين، ولم يكونوا يوماً يملكون شبراً واحداً في البلاد المقدسة حتى يهبوها لمن يشاؤون! وجيوشهم التي تحركت عام 1948 لم تصل حتى اليوم إلى حدود فلسطين،  حتى يستطيعون القول إن لهم شيئاً في هذه البلاد!

أعذار التطبيع العربي كانت أقبح من التطبيع نفسه، فهذه الإمارات تدعي أن تطبيعها جاء لنشر السلام وحل القضية الفلسطينية! حل القضية؟ وهل بعد ذبح قضية القدس واللاجئين تبقى قضايا على قيد الحياة حتى تُحل!

السودان باعتنا لكي لا يُقال عنها إرهابية، والبحرين لتحمي كرسي حاكمها من أي ثورة شيعية مُقبلة! وفِي قضية المغرب هل الصحراء المغربية ولاية أمريكية حتى يمنحها ترمب للمغرب؟

مصالح الدول لا يُمكن لأحد غير أهلها أن يحددوها، لكن في قضية التطبيع أمر مختلف، فلو تزوج العرب إسرائيل جهاراً نهاراً دون زج اسم فلسطين، لن يكون هناك معارضة فلسطينية! فالغضب الفلسطيني لم ينفجر لأجل التطبيع، بل بسبب المتجارة باسم فلسطين وجروحها ودماء شهدائها!

فلسطين ليست ورقة مراهنة أو سلعة تباع وتشترى ويُقابض عليها، ولم تكن في يوم من الأيام تحت جناح أي نظام عربي من أنظمة التطبيع الجديدة، حتى الحركات الفلسطينية التي انشقت عن منظمة التحرير وحتى في أحلك الظروف التي مرت بها القضية الفلسطينية، لم يدخل أي فلسطيني في يوم من الأيام تحت عباءات تلك الأنظمة.

الخيانة التي وقع بها حكام التطبيع كانت بالأصل خيانة للثقة، ثقة أم الشهيد التي كانت تصرخ في ممرات المستشفى وهي تبحث عن جثة ابنها: "وينكو يا عرب"، هي خيانة للطفل الفلسطيني الذي تعلم في حصص الجغرافيا والتاريخ أن الوطن العربي يمتد من المحيط الهادر حتى الخليج الثائر!

لم تكتفي أنظمة التطبيع بما فعلته، بل جندت بعض مواطنيها للترويج له ومدحه على حساب الدم العربي والضمير الإسلامي! فشاهدنا "رعاع" الإمارات كيف يلتقطون صوراً تذكارية مع المستوطنين، وكيف يمتدحون الصهيونية واصفين إياها بالمسالِمة، ولم يعرفوا أو عرفوا وتناسوا أن الأرض التي كانوا يقفون عليها شبعت ألف مرة من الدم الفلسطيني!

زار "الرعاع" حائط البراق الذي ربط النبي محمد دابته عنده في رحلة الإسراء والمعراج دون أن يتذكروا بنيهم، وأن يخجلوا على أنفسهم وهم يرون الحاخامات يصلون عند أثرِ النبي! بل التقطوا الصور وهم فرحون بهذا التطبيع الذي خان النبي قبل كل شيء!

من شدة ما في التطبيع من سم فقد حذف من عقول المطبعين  آية من آيات القران التي تقول: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)!


التطبيع لم يمس قضية فلسطين فحسب بل تجاوز ذلك لضرب مصر وتركيا اقتصادياً سواء ما يتعلق بوسائل النقل وخطوط الطيران أو كوابل الانترنت وغيرها لصالح اسرائيل، فهل من حق تلك الدول مقايضة حقوق دول شقيقة بمصالحها؟

التطبيع عندما نضعه تحت المجهر الفلسطيني فإنه في جميع الاتجاهات يضرب القضية الفلسطينية في مقتل، بل ويتعداه لضرب مصالح حتى الدول التي طبعت وشعوبها، وقد تحدثنا عن ذلك سابقا من خلال تحويل أراضيها لساحة حرب مع الدول المعادية لإسرائيل مثل إيران.

القول إن قرارات التطبيع قرارات سيادية وخاصة بدولها لا يُمكن أن يُقبل! فتأثيرات التطبيع لا تقتصر على الحدود الإقليمية لتلك الدول، بل تتعدى لتصل إلى حدود أغلب دول العرب، خصوصاً فلسطين!

في المحصلة، فإن إسرائيل تدرك أن الربط والحل يكون مع الفلسطينيين أنفسهم، وتدرك جيداً أيضاً أن صفقات التطبيع لا تتعدى كونها فقاعات صابون أطلقها ترامب كدعاية انتتخابية سيستثمرها عام 2024 (الانتخابات الأمريكية القادمة)، وسيعود المطبوع من تل أبيب بخُفي حُنين، وأكبر مثال على ذلك مصر، الدولة العربية الأولى التي وضعت يدها بيد قاتل أطفال فلسطين، فهل ساندت إسرائيل القاهرة في نزاعها مع اثيوبيا على السد؟ هل حمت حدود مصر من تسلل المتطرفين؟ هل أمَّنت سيناء ومنعت قتل الجنود المصريين؟

لم تأكل القاهرة العسل والشهد من اتفاق السلام، بل ظلت رهينة اتفاقيات تمنع الجيش المصري من دخول سيناء إلا بموافقة إسرائيلية!