وأنت تشارك، بكل همّتك، في النضال ضد "الممثل الأمي" محمد رمضان، لمناسبة استعماله في كرنفال تطبيعي بدولة الإمارات، لا يجب أن تغفل، أو تتغافل، أو بالأحرى تتعامى عن "السياسي الأممي" محمد البرادعي، حين مارس الفعل ذاته، ولا عن "المثقف الأممي" من نوعية يوسف زيدان، وأسامة الغزالي حرب، حين قطعا شوطًا أبعد في الإتيان بالفعل ذاته.
إذا كنت ضد التطبيع حقًا، فإدانة التطبيع واجبة، بصرف النظر عن مرتكب الفعل، أو مكان وقوع الفعل، أو السياق الذي تم فيه ارتكاب الفعل، وإلا ستكون ممن يكيلون بأكثر من مكيال، فيجلدون الأمي، ويقولون للأممي: الله عليك يا بوب.
اعتقادي أن ظهور محمد البرادعي، مبتسمًا بعرض البحر الميت، مع مجرم الحرب إيهود باراك في منتدى "ريشموند" بالولايات المتحدة، قبل ثلاث سنوات، أخطر وأفدح بعشرات المرات من ظهور الممثل محمد رمضان مع مطرب صهيوني في سهرة نظمتها حكومة أبو ظبي في إطار مشروعها لخدمة المشروع الصهيوني بالمنطقة.
بل إن ظهور ممثل، مثل عمرو واكد، في أعمال مشتركةٍ مع ممثلين صهاينة، أخطر من واقعة محمد رمضان، والذي هو ليس إلا ذلك الشاب الذي يجسّد حالة الأمية الثقافية والسياسية، والذي تم استخدامه محليًا للتطبيع مع القبح والرداءة والإسفاف، ولم يزعم يومًا أنه زعيم جماهيري، أو أيقونة نضال سياسي، أو زعامة ثورية .. هو محض تعبير عن حالةٍ سوقيةٍ مبتذلة، أوجدتها السلطة الحالية عامدةً متعمّدة، وهي السلطة نفسها التي سمحت باستخدامه على النطاق الإقليمي، بحكم التزامها الكامل بما ترغبه أبو ظبي، وتريده تل أبيب.
ليس لمحمد رمضان تيار سياسي، أو ثوري، يتلقّف كل ما يتحدث به باعتباره الحكمة المقطرة، والفلسفة العميقة لتوليد الثورة من رحم العجز، بينما محمد البرادعي على العكس من ذلك، وراءه جيشٌ من التابعين والأتباع يرون في كل خطوة يخطوها، وكل كلمة ينطقها، إلهامًا ثوريًا، حتى أنهم لا يتسامحون في انتقاده، ومطالبته بالاعتذار عن لقطات ريشموند المشينة مع أكثر مجرمي الحرب الصهاينة وحشية وفظاظة.
أكثر من ذلك، فإن مثل هذه اللقطات تكفي لصناعة آلاف الحالات من حالة محمد رمضان، بل هي المشاهد التأسيسية لمن يفكر في احتراف التطبيع.
ولا يقل خطورة في تسويق التطبيع ما يقوم به الروائي يوسف زيدان، بكل إصرار وتفان في تسييل المفاهيم، وتذويب المعتقدات، وتدمير المناعة الشعبية ضد التسليم بالعدو الصهيوني جارًا طبيعيًا وشريكًا، وإذا كنتَ تعتبر في ما فعله محمد رمضان خطيئة، فإن ما يقوم به يوسف زيدان هو الجريمة الكاملة، كونه يقدّم طرحًا ثقافيًا فاخرًا تعجز كل الميديا الصهيونية عن الوصول إليه، إذ يحفر زيدان في الأعماق، ويستهدف أعمدة الحكاية الأصلية بالنخر والنبش، فيتنقل من محاولة تكفير المواطن العربي بقدسية القدس نفسها، حتى يصل إلى مرحلةٍ يرى معها أن معارضي التطبيع جهلة ومخربون ومتخلفون، بل يبلغ به الشطط إلى اعتبار أن رفض التطبيع يعني القبول بالشذوذ، أو كما قال، في حوار تلفزيوني عام 2016، وهو يسخر من رفض التطبيع "ليه لا للتطبيع أومال نعم للشذوذ مثلا".
زيدان المثقف مثل رمضان الممثل، كل منهما منسجم تمامًا مع التوجه العام للنظام المصري الحالي الذي يعد وصوله إلى الحكم بالأساس نجاحًا هائلًا للكيان الصهيوني، ويرى نفسه مدينًا بالكثير لهذا الكيان، إلى الحد الذي حاول معه ردّ جزء من هذا الديْن، حين شارك في مهرجان أقامته إسرائيل لمواجهة حملات المقاطعة الدولية لمنتجات المستوطنات الصهيونية المقامة فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك عن طريق إرسال السفير المصري لدى الاحتلال الصهيوني ممثلة للسفارة، كي تشارك في مهرجان الدفاع عن المنتجات الإسرائيلية، بمواجهة حملات المقاطعة التي دعا إليها الفلسطينيون في الداخل، وتعاطف معها أصحاب الضمير في العالم كله.
لا يساوي ما فعله محمد رمضان واحدًا على مليون مما يقوم به ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لخدمة التطبيع، بحماس منقطع النظير يبدو معه ابنًا بارًا للحلم الصهيوني بقيادة العالم العربي، كما صاغه شيمون بيريز وهو يرسم ملامح الشرق الأوسط الجديد.
باختصار، محمد رمضان يسير على دربٍ طويل، يمتد برعاية النظام الرسمي، منذ الثمانينيات، وسار عليه كثيرون، مثل مكرم محمد أحمد، وأسامة الغزالي حرب، وعلي سالم، والقائمة تطول ممن مارسوا التطبيع برضا النظام، الذي تولى رعاية نشاطهم، بالاهتمام ذاته الذي رعى به حملات تجريسهم إعلاميًا، ومحاكمتهم نقابيًا..يا لها من لعبة مثيرة.
جيد أن ترجم محمد رمضان على فعلته، لكن عليك أن تحتفظ ببعض الحصى لمن يستحقونه أيضًا.