على عكس الشعار الذي طرحه الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب «أميركا أولاً»، قدّم الرئيس الجديد جو بايدن شعاراً مغايراً، يعيد فيه الاعتبار لمكانة بلاده في قيادة العالم انطلاقاً من المواصفات المتفردة التي تمتلكها وحجم نفوذها الدولي.
بايدن كان أكثر ذكاء من سلفه حينما رفع شعار «قيادة العالم»، إذ تزامن حمل هذه اليافطة مع تعيينات وزراء في حكومته الجديدة تعكس رغبة الرئيس الجديد في تنويع طاقمه الوزاري انسجاماً مع التركيبة الاجتماعية الأميركية.
لا يريد الرئيس الجديد فتح الباب أمام عداوات كثيرة مع دول العالم، ذلك أن تفسيره لشعار استعداد بلاده للقيادة مرهون بالعمل مع الدول الأخرى، وإعادة ترتيب العلاقات مع الحلفاء التقليديين، وقد ترجم وزير الخارجية المقبل أنتوني بلينكن شعار بايدين بالقول إن بلاده لا يمكنها معالجة مشكلات العالم منفردة وإنها بحاجة إلى التعاون والشراكة مع الدول.
أما السفيرة الأميركية المقبلة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد فقد قالت إن تعددية الأقطاب عادت وكذلك الدبلوماسية، في إشارة إلى أن سياسة الولايات المتحدة الجديدة ستكون مختلفة عن سياسة ترامب الذي لم يعترف بمسألة التعاون والشراكة الحقيقية مع الدول والحلفاء أيضاً.
الرئيس بايدن قدّم خطابين: واحداً للداخل الأميركي والثاني للعالم، الأول قال فيه إن إدارته ستحكم بطريقة متوازنة تلبي التنوع السكاني والعرقي، والأهم من ذلك أنه يعطي اهتماماً كبيراً لمسألة مكافحة فيروس كورونا.
في حقيقة الأمر الفيروس تفشى في الأسابيع الأخيرة بطريقة عجيبة، ويخشى أن يصل عدد المصابين بـ»كورونا» في الولايات المتحدة وحدها إلى أكثر من 20 مليون شخص خلال فترة تنصيب الرئيس بايدن مطلع العام المقبل.
في المقابل ثمة حركة متسارعة بشأن طرح عدد من اللقاحات في الأسواق العالمية، من بينها لقاحان أميركيان وواحد روسي وآخر بريطاني، وإذا تمكن بايدن من إدارة ملف «كورونا» بطريقة تضمن وصول اللقاحات بسرعة إلى الأميركيين وتوزيعها على مستوى العالم فذلك بالتأكيد يحسب لصالحه.
الخطاب الخارجي للعالم ربما أوضح فيه بايدن بشكل جلي أن بلاده لا ترغب في الانفراد بقيادة العالم، واتخاذ قرارات فردانية دون التشاور مع الدول والحلفاء، ومثل هذه السياسة إذا كانت صادقة فإنها جيدة للولايات المتحدة الأميركية لإعادة تحسين صورتها وموقعها أمام دول العالم.
ربما أيضاً ينبع الشعار من قاعدة أن إدارة الرئيس الجديد تدرك أن الساحة الدولية كبيرة وتتجاوز أكثر من لاعب رئيس، إذ كثيراً ما أشارت الدراسات والتحليلات إلى بروز الصين كقوة عظمى حقيقية تنافس الولايات المتحدة الأميركية على سلّم النظام الدولي.
أيضاً هناك روسيا التي تلعب يوماً بعد يوم دوراً قوياً في النظام الدولي وهي الأخرى ترغب في أخذ حيز مهم في هذا النظام، ولذلك ترى إدارة بايدن أن على الولايات المتحدة أن تتشارك مع الدول الكبرى في عدد من الملفات الحيوية.
باختصار، كل ما يقرره بايدن في إدارة السياسة الداخلية والخارجية الأميركية متناقض تماماً مع سياسة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب الذي أثار حفيظة العديد من الدول، حتى أنه أثار حفيظة المجتمع الأميركي الذي عاقبه على سوء إدارة ملف «كورونا» تحديداً.
أغلب الظن أن إدارة بايدن ستكون خلال السنوات الأربع المقبلة هادئة وسيقيمها الكثير من الدول بالجيدة، ارتباطاً بالعديد من التصريحات الأميركية التي تركز على عودة واشنطن إلى اتفاقيات هجرها ترامب مثل اتفاقية المناخ.
بايدن يتطلع إلى القيادة في عودة واشنطن للعديد من الاتفاقيات الدولية، ويتطلع كذلك إلى تقريب المسافة بينه وبين أوروبا الغربية، وربما يريد الرجل أن تعيش إدارته في فترة سلام، بما يعني في أسوأ الأحوال جموداً في العلاقة مع روسيا والصين.
قد يعكس شعار بايدن وتصريحات المقربين حوله بداية سياسة أميركية ناعمة في العالم تبتعد عن خلق الحروب، ومع ذلك من الصعب القول إن السياسة الخارجية للرئيس الديمقراطي ستكون ثابتة كما يرسمها ويتصورها الآن، لأن السياسة لا تعرف الأخلاق.
بايدن بالتأكيد يفكر في مصلحة بلاده كما فكّر من قبله ترامب، والخلاف بين الرجلين أن الأول يريد تحقيق المصلحة لبلده دون تكبد أضرار كبيرة، بينما الثاني وضع بلده فوق الجميع وجلب الكثير من الأضرار التي زعزعت مكانة الولايات المتحدة في العالم.