شهران حتى تنتقل الإدارة الأميركية للرئيس المنتخب جو بايدن، هذا في حال سلّم الرئيس ترامب بنتائج الانتخابات، واقتنع بهزيمته.

شهران صعبان على العالم، وخصوصاً على الفلسطينيين، سيتعمد خلالهما ترامب خلق المزيد من الوقائع والتعقيدات أمام الإدارة الديمقراطية.

حتى الآن يبث ترامب خطاب الفوز، رغم تعدد الخسارات التي لحقت بطاقم المحامين الذين يواصلون رفع المزيد من القضايا أمام المحاكم في عديد الولايات الأميركية.

«أنا ومن بعدي الطوفان»، هذا هو لسان حال الرئيس الأكثر عدوانية في التاريخ القريب للولايات المتحدة، الانتخابات مزورة وجرت سرقتها، والديمقراطية تعاني من الفساد، وفاسد، النظام الانتخابي، الذي جرى اعتماده، خلال فترة رئاسة ترامب، وهو امتداد لنظام ثابت في القوانين الأميركية، منذ زمن طويل.

لا يحتمل ترامب أن يسلم بالهزيمة، ويسمح بالانتقال السلس للسلطة، ولا أن تتعاون إدارته مع فريق الرئيس المنتخب حتى فيما يتعلق بـ»كورونا».

يعاقب بشدة كل من يعارضه، فيقيل وزير الدفاع، والمدير العام للمركز السيبراني لأنه قدم شهادة تقول إن هذه الانتخابات هي الأكثر أمناً في تاريخ الولايات المتحدة، ويمنع تسليم اللقاح ضد «كورونا» لحاكم ولاية نيويورك، وبالتالي يحرم سكانها من الرعاية المكفولة بالقوانين.

على المستوى الخارجي، ولولا معارضة معظم مستشاريه لكان وجّه ضربة عسكرية لإحدى أهم المنشآت النووية الإيرانية، ولا يزال يضغط بشدة على عديد دول الشرق الأوسط، للاستعجال في تطبيع علاقاتها بإسرائيل بحسب اعتراف رئيس الوزراء الباكستاني، ثم يرسل طائرات (ب 52) القاذفة الأميركية العملاقة، للشرق الأوسط بذريعة مضحكة وهي رد أي عدوان، وحماية الاستقرار في المنطقة.

القواعد الأميركية، والتدخلات العسكرية المباشرة تتوزع في معظم أرجاء الشرق الأوسط، لتمارس وظيفة العدوان على شعوب المنطقة.

ويدعي ترامب أنها للدفاع، وكأن ثمة من يفكر بالعدوان على أراضي الولايات المتحدة، أما ما يتعلق بالوظيفة الحقيقية لهذه القاذفات العملاقة فهي ترهيب الدول، التي تتردد باتخاذ قرارات التطبيع، وطمأنة الدول التي طبعت علاقاتها بإسرائيل خلال الأشهر القليلة المنصرمة.

ترامب مستعد لأن يلبي كل طلبات إسرائيل وفوراً، فإن أرادت، الإعلان عن بسط سيادتها على ثلثي الضفة الغربية فإنه لن يتردد في الاعتراف بذلك رغم مخالفتها للقانون الدولي.

في الحقيقة فإن إسرائيل قد تتردد في اتخاذ مثل هذا القرار حتى لا تدخل في مناكفة مع الولايات المتحدة في زمن بايدن، الذي يعارض هذه السياسة ولكن زعامة نتنياهو توأم ترامب، قد تغامر باتخاذ مثل هذا القرار.
مئة وست وخمسون دولة بما في ذلك كل دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين تصوت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، باعتبار الاستيطان غير شرعي ومخالفا للقانون الدولي، بينما وزير الخارجية الأميركي بومبيو، يزور إحدى المستوطنات، ويعلن أن منتجاتها سيوضع عليها وسم «صنع في إسرائيل».

المؤسف أن يقوم بومبيو بهذا الفعل المخالف للقانون الدولي بينما يبتسم وزير خارجية دولة البحرين للإنجاز الذي حققه خلال زيارته لإسرائيل، ووقوفه إلى جانب نتنياهو ثم يدعي أن ما تفعله البحرين إنما لخدمة السلام وحقوق الشعب الفلسطيني.

وليس أخيراً يعلن ترامب أن الضفة الغربية، طبعا من دون القدس، وقطاع غزة كيانان منفصلان جغرافيا، وذلك مجاراة لقرار إسرائيلي سابق تم اتخاذه في أيلول 2007، ويقضي باعتبار قطاع غزة كيانا معاديا.

في جيب الحاوي الأميركي الكثير من القرارات والسياسات المعادية للشعب الفلسطيني، والمخالفة للقوانين الدولية، والأمر يتعلق بما تطلبه إسرائيل، التي تمضي في تقويض أي فرصة لتحقيق سلام قائم على القانون والقرارات الدولية.

قضية الجاسوس الإسرائيلي بولارد ظلت لعقود موضع مطالبة إسرائيل للإفراج عنه، لكنها لم تحقق ذلك إلا في زمن ترامب، الذي حرره مؤخرا من إطلاق السراح المشروط، بما يمكنه من السفر إلى إسرائيل في الوقت الذي يشاء.

قد يستغرب البعض، إزاء موقف الرأي العام الأميركي إزاء رئيس بلطجي، ومغرور مثل ترامب، حين يحصل على اثنين وسبعين مليون صوت في الانتخابات، وهو أقل بنحو ستة ملايين صوت عن بايدن الفائز في الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخراً.

الجواب الأكيد هو أن هذه هي الولايات المتحدة، الدولة الاستعمارية الأكبر والأقوى، والدولة الأكثر عدوانية في العالم.

ومرة أخرى سنقول إن نعومة بايدن لا تغير من هذه الطبيعة العدوانية، وإن كان الأمر يتعلق بالقضية الفلسطينية فإن الفارق بين الديمقراطيين والجمهوريين هو في الإجابة عن سؤال ما هو الأفضل لتقوية وإطالة عمر إسرائيل.
بالتوازي مع ظهور نتائج الانتخابات الأميركية يظهر مجدداً بيان للرباعية الدولية، يدعو الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لاستئناف المفاوضات، ولكن من دون تحديد الأساس القانوني الذي ستقوم عليه العملية.

غانتس وأشكنازي وزيرا الدفاع والخارجية كانا قد دعوا السلطة الوطنية للعودة إلى المفاوضات من دون شروط مسبقة، بينما لم تستجب السلطة إلا لدعوة الرباعية الدولية رغم أن الحضور الأميركي فيها هو حضور للتمثيل الرسمي للإدارة الحالية.

المشكلة أن الكل يمضي في طريقه، من أميركا إلى إسرائيل، وإلى الدول العربية التي بادرت لتطبيع علاقاتها بإسرائيل، وحتى الدول التي تنوي ذلك، وتنتظر اللحظة المناسبة، وحال الفلسطينيين لا يختلف فهم أيضاً ماضون كل في الطريق الذي سار عليه منذ سنوات طويلة رغم الاحتفالية التي وقعت بداية من اجتماع الأمناء العامين وانتهت في زمن قياسي.

السؤال هل سيعود الفلسطينيون للتعايش مع استمرار الانقسام، واستنزاف القوة الذاتية للشعب الفلسطيني أم أن ثمة توليفة للمصالحة يمكن أن تعفي السلطة من المسؤولية عن سلاح المقاومة، وتعفي حماس وآخرين من المسؤولية عن النهج السياسي للسلطة الوطنية؟