حالة التخبط من قبل جميع المؤسسات سواء تلك المكونة للنظام السياسي أو المكونة للمجتمع المدني جعلت القضية الفلسطينية ــــ للأسف ــــ في حالة تشرذم متناثرة لدرجة فقدان السيطرة لوضع رؤية واحدة تجمع الكل الفلسطيني، وسأذهب إلى أبعد من ذلك بأن القضية الفلسطينية أصبحت عبارة عن مشاريع متنوعة، كل حسب مهارته وتطلعاته والقطاع الذي يعمل به.
باتت قضيتنا مشاريع متنوعة يتم التداول بها بأشكال متنوعة محلياً، إقليمياً، دولياً دون أن يكون لأصحاب القضية أنفسهم رأي حول مصيرهم كشعب خاضع تحت الاحتلال، ليس هذا فحسب بل أصبحنا نتابع قضيتنا من خلال آخرين وضعوا أنفسهم أوصياء علينا.
مشروع في قطاع غزة، مشاريع في الضفة الغربية، أما مشروع الاحتلال فهو تصفية تلك المشاريع بطرق وأساليب متنوعة، أهمها انه يتعامل، الآن، مع القضية الفلسطينية كملف إنساني تتم إدارته من قبل جهات متخصصة في إبقاء الشعب الفلسطيني تحت السيطرة من خلال امتلاكها لأنبوبة الأكسجين المتصلة بكل رئة تنموية تستطيع النهوض بحالتنا نحو التحرر وتقرير المصير وقيام الدولة المستقلة.
هذه الحقيقة ليست بحاجة إلى مجهر لكي نشاهدها، لذلك علينا أن نشاهد ما هو داخل تلك المشاريع المختلفة؛ لأننا سنكتشف بأن ليس فقط حركتا فتح وحماس لديها مصلحة في بقاء الوضع كما هو عليه، بل جميع المؤسسات المكونة للنظام السياسي والمجتمع المدني أصبح لديها هذه المصلحة، بالتالي هي جزء من مشروع حتى لو عارضت بعض الخطوات هنا واستنكرت بعض الإجراءات هناك لأنها في المحصلة مرتبطة بالمشروع الكلي من أجل الحفاظ على ذاتها ومصالحها.
وبعيداً عن السياسة، حتى في عالم المال والأعمال نجد أن هناك مشاريع بنيوية أصبحت مرتبطة مع نسبة كبيرة من المشاريع الاقتصادية والتجارية مع دولة الاحتلال في كافة المستويات، والأخطر من ذلك أن رجل الأعمال المرتبط بشراكة كاملة مع الجانب الإسرائيلي يعجبه التنسيقات السياسية ولا يعتبر ذلك تهديدا للمشروع الوطني لأنه سيخدم زيادة المال بأرصدته البنكية وبالتالي هو بحاجة إلى استقرار الوضع كحد أدنى إذا لا نستطيع تطويره لحالة من الهدوء الدائم!!
حتى أعضاء المؤسسات المختلفة لديهم أصبحت حالة من التكلس والتقوقع على أنفسهم من أجل الحفاظ على ذاتهم من خلال الحفاظ على بقاء الوضع على ما هو عليه، دون أن تتم المجازفة بأي تغييرات تعرضهم للمساءلة، لأنه من خلال ثباتهم العضوي في تلك المؤسسات أصبح لديهم أيضاً مشاريع أخرى تخطت أعمالهم الأساسية لمشاريع قائمة بحد ذاتها أوجدها قبولنا أن نرضى بأن نكون صامتين من أجل الحصول على الامتيازات المتنوعة وخصوصاً إذا لم تكن من مستحقيها!!
السؤال، الآن، هو مع تنوع المشاريع المختلفة التي وصلنا لها؛ هل ما زالت القضية الفلسطينية مشروعا تحرريا؟ أم أصبحنا نعاني من مرض الشيزوفرينيا الوطنية؟ لأن ما أجده في الغرف المغلقة والصالونات السياسية لا يعبر عن حقيقة واقعنا الذي وصلنا له، والأغلب يريد أن يشتري وقتا فقط للحفاظ على مشروعه الخاص؟!
القيادة الحالية أو القادمة المستقبلية لن تستطيع التقدم للأمام ما لم تحطم جميع المشاريع الفردية والجماعية وصهرها حتى نعيد صياغة قضيتنا للكل الفلسطيني، وليس مشاريع ربحية لشركات ومساهمين ما زالوا يعتقدون بأن القضية هي استثمار ربحي لهم ولا ضرر ببقاء الوضع كما هو عليه!!