حتى هذه اللحظة لا يزال الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب متمسكاً بالسلطة، على الرغم من الفارق الكبير في الخسارة التي مني بها أمام منافسه جو بايدن في الانتخابات الرئاسية التي جرت مطلع الشهر الجاري، وعلى الرغم أيضاً من تحذيرات مسؤولين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي من تداعيات عدم ترك منصبه.
ترامب الذي أحدث «علامة فارقة» في السياسة الخارجية الأميركية، لا يريد ترك موقعه تحت قناعة وجود مغالطات وتزوير في الانتخابات وتحديداً في بعض الولايات التي رسّخ فيها الجمهوريون طوال سنين «كوتة كاملة» على حساب الديمقراطيين في الانتخابات السابقة مثل جورجيا وبنسلفانيا وأريزونا وأوهايو.
أولاً عن آخر سيخلي ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية لبايدن الذي أكد في أكثر من مناسبة تالية على فوزه في الانتخابات أنه بصدد إعادة التحالفات مع بعض الدول التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع واشنطن، على عكس ترامب الذي وضع حواجز كثيرة بينه وبين الدول الغربية.
في السياسة الخارجية أغلب الظن أن بايدن سيعيد المقاربة التي كان ينتهجها سلفه باراك أوباما حينما كان رئيساً وكان جو نائباً له، وهي مختلفة تماماً عن إدارة ترامب للسياسة الخارجية، التي أغضب فيها كلاً من فرنسا وألمانيا نتيجة الفوقية التي كان يتعامل بها ترامب، إلى جانب سياسة «خالف تعرف» في ملفات كثيرة من بينها الملف الإيراني.
بايدن سيعيد دفء العلاقات مع ألمانيا وفرنسا، لكنه سيتعامل مع الصين وروسيا بطريقة مختلفة، حيث يعتبرهما مصدر تهديد رئيسي للأمن القومي الأميركي، ومن غير المستبعد أن يركز الرئيس الجديد على أولوية آسيا والمحيط الهادئ، ويسعى قُدماً إلى فرملة صعود كل من روسيا والصين.
قد يحاول الديمقراطي بايدن إعادة الاعتبار لحلف «الناتو» الذي يجد في قوته أمرا جيدا ومصلحة للولايات المتحدة في حماية أوروبا من النفوذ الروسي تحديداً، ففي النهاية ثمة إجماع في دوائر صناعة القرار بواشنطن  على أن بقاء الولايات المتحدة في سلم النظام الدولي مرهون بصناعة الأعداء، لأن ذلك يعني بالنسبة لها المزيد من السيطرة على العالم وتطوير الأسلحة وتسليح الدول الحليفة وبيعها السلاح الأميركي.
بالتأكيد ثمة اختلاف كبير بين برنامج بايدن لإدارة العالم والمناطق الساخنة تحديداً وبين برنامج ترامب الذي خرج من اتفاقية باريس للمناخ التي وقعها باراك أوباما عام 2015، وكذلك انسحب من منظمة الصحة العالمية منتصف العام الجاري، بدواعي تأخرها في التحرك لمواجهة فيروس «كورونا».
ترامب فعل المفاعيل في السياسة الخارجية الأميركية، وهي مفاعيل لم تكن تقلق الناخب الأميركي بقدر قلقه الكبير من إدارة الرئيس المنتهية ولايته لملف «كورونا»، حيث فشل فشلاً ذريعاً في التعامل مع هذا الملف الذي يبدو أنه أطاح به في هذه الانتخابات.
الناخب الأميركي عاقب دونالد ترامب وحاسبه في ثلاثة ملفات في السياسة الداخلية. الأول يتعلق كما قيل سابقاً بملف «كورونا» الذي جعل منه الرئيس وقوداً لتغيير مزاج الناخب من معه إلى ضده. الملف الثاني يتصل بالخطاب التمييزي الذي دفعه ترامب إلى الواجهة بين البيض والسود على خلفية مقتل جورج فلويد في 25 آيار الماضي في مينابوليس.
ثالث الملفات مرتبط بموضوع الهجرة الذي مثّل نقطة تحول في سياسة ترامب الذي فتح النار عليه، حيث بدأ منذ استلامه الحكم التضييق على الهجرة الشرعية وغير الشرعية، وأصدر أوامر تنفيذية بتقييد الهجرة الشرعية، علماً أن الولايات المتحدة قامت على مجتمع المهاجرين، وهؤلاء يشكلون في نسيجها البنيوي السواد الأعظم.
هذه الملفات أطاحت بترامب وجعلت بايدن يتقدم عليه لأن الأخير يدرك أهميتها في الانتخابات الأميركية، أما التركيز على السياسة الخارجية فهو تحصيل حاصل، بينما مربط الفرس لنجاح أي رئيس مرهون بما يقدمه في المعركة الداخلية للناخب الأميركي، هذا إلى جانب أن هذه الملفات ما تزال مشتعلة ومفتوحة على المجهول.
حتى إجراء مراسم التنصيب في النصف الثاني من شهر كانون الثاني 2021، سيحاول ترامب كل الوقت «العكننة» على بايدن والتلويح بالبقاء في السلطة طالما هي فرصته الأخيرة لترك الرئاسة، وحينذاك تتصاعد كل يوم الأصوات التي تدعوه إلى ترك منصبه بدون عنف.
هذا هو ترامب وقد يفعل شيئاً للفت انتباه المجتمع الأميركي، مثل قرار انسحاب بعض قواته من العراق وأفغانستان، وقد يتخذ قرارات أخرى أكثر جرأة، لكن المؤسسة الأميركية متمسكة بمعايير تقليدية راسخة منذ القدم وملتزمة بمسألة تداول السلطة في موعدها المحدد.