كتب رئيس التحرير: كتم العالم أنفاسه لأكثر من 4 أيام منذ بدء الاقتراع الرسمي في الولايات المتحدة الأمريكية إلى حين الإعلان عن النتائج الأولية، أنظار العالم كلها اتجهت صوب "البيت الأبيض" وشاشات التلفزة، خصوصاً الأمريكية منها، لمعرفة من سيكون سيد البيت الأبيض، الذي سيقود أقوى دولة في العالم، والذي يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في كل شيء تقريباً على الأرض، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وحتى بيئياً.

تابع السياسيون ورؤساء الدول والمنظمات الدولية الانتخابات الأمريكية ليعرفوا ملامح السياسة الخارجية للولايات المتحدة، هذه السياسة التي دمرها ترامب في السنوات الأربع العجاف التي حكم فيها أمريكا، لذلك فقد أراد السواد الأعظم من زعماء العالم أن تُنهي الانتخابات هذه الحقبة التي سيذكرها التاريخ الأمريكي في خانة (أسوأ أيام أمريكا)، لقد أرادوا التغيير ليس حبا في بايدن وإنما كرها في ترامب.

بانتهاء العهد الترامبي، يُمكن للعالم الآن أن يلتقط أنفاسه، فالحرب الاقتصادية مع الصين ستنتهي، وتسخين الجبهة مع إيران سيتم تبريدها. أغلب الملفات الشائكة التي افتعلها ترامب من انسحاب من أهم منظمات دولية ومعاهدات إلى مخالفة القانون الدولي جهاراً نهاراً وازدراء دول وحكومات وشعوب سينتهي.

لا يعني ذلك أن بايدن سيترك الداخل على حساب الخارج، فالناخب الإمريكي لا يهمه ماذا يجري خارج حدوده، بل يريد تأميناً صحياً وأوضاعاً اقتصادية جيدة، تقليل البطالة، مواجهة فيروس كورونا، وما إلى ذلك من ملفات تهم الأمريكي بالدرجة الأولى.

سيتسلم بايدن مفاتيح البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني 2021، لكن سيواجه كماً هائلاً من المتاعب التي زرعها ترامب خلال الـ4 سنوات الماضية، لكنه في نفس الوقت سيأتي في أواخر عهد الكورونا، وهو الملف الذي كان القشة التي قصمت ظهر ترامب وإدارته، فالعالم الآن على مشارف اكتشاف اللقاح المضاد للفيروس، وهو ما يعني أن ملفاً ثقيلاً سيُزاح عن كاهل إدارة بايدن، وهو ما يعني أيضاً أن الأزمة الاقتصادية المصاحبة للجائحة ستخف حدتها بشكل كبير أيضاً.

السعودية مصابة بالرعب حالياً، وأروقة قصور الرياض متخبطة لا تعرف ما الذي ينبغي عليها فعله، خصوصاً وأن بايدن كان قد صرح أنه سيتعامل بحزم مع الأمير محمد بن سلمان فيما يتعلق بمعلومات ال CIA حول مسؤوليته على مقتل الصحفي جمال خاشقجي. السعودية كانت قد وضعت كل بيضاتها في سلة ترامب، وعملت كل ما تستطيع للتقرب منه ومن إدارته، بداية بصفقة الـ500 مليار دولار وانتهاء بتسهيل تطبيع بعض دول الخليج مع إسرائيل، حتى أن تقارير خرجت تقول إن السعودية ستهدي تطبيعها مع إسرائيل للإدارة الأمريكية الجديدة، إلا أن بايدن بعكس ترامب، لن يلهث وراء حملات علاقات عامة لتلميع صورته من خلال اتفاقيات سلام هزيلة لا تعني شيئاً في ظل عدم إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

مصر هي الأخرى لن تكون مرتاحة في عهد بايدن، فالرجل يحمل أفكاراً ليبرالية ستدفعه لمساءلة النظام المصري عن اعتقال ومحاكمة وإعدام عناصر المعارضة ومن ضمنهم الإخوان المسلمين. 

لا يخجل بايدن من المجاهرة بأنه صهيوني داعم لإسرائيل، وقال في ثمانينات القرن الماضي إنه لو لم تكن اسرائيل دولة لليهود لوجدناها ولن نسمح بأي مس بها، ما يعني أن سياسة بايدن ستكون نفس السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، وهو المحافظة على التفوق الإسرائيلي في المنطقة.

ما سيتأثر بالنسبة لإسرائيل هم أشخاص ربطوا أنفسهم، كما بعض الزعماء العرب، بإدارة ترامب، هؤلاء من سيتأثرون، ومن بينهم نتنياهو، الذي كان قد وجد في ترامب ضالّته، فحاول من خلال ترامب المحافظة على بقائه رئيساً للحكومة، ما يعني أن ذهاب ترامب ربما سيرافقه ذهاباً لنتنياهو، في آخر المطاف.

بايدن سيعيد العلاقات مع القيادة الفلسطينية والتي أبدت (أي القيادة) رغبتها في إعادة العلاقات وفتح الباب الذي أغلقته في عهد ترامب، وهنا يجب أن لا ننسى أن العلاقات بين القيادة الفلسطينية والحزب الديموقراطي الأمريكي لم تنقطع أبداً حتى في ظل عهد ترامب، وهو أي الحزب الديموقراطي من أوصى الرئيس عباس من خلال بعض أعضائه بعدم فتح علاقات مع ترامب، لأنه لن يحظى بفترة حكم ثانية.

هذه العلاقة بين القيادة والحزب الديموقراطي ستعزز من فرص الفلسطينيين في تقليل الجور الأمريكي الذي من الممكن أن يلحق بالقضية الفلسطينية في ظل دعم أمريكي تاريخي لإسرائيل، وعلاقة قوية بين بايدن ونائبته ودولة الاحتلال.

سيستثمر الفلسطينيون في فترة بايدن من خلال موقف الأخير في حل الدولتين، ووقف قرار الضم وإعادة القنصلية الأمريكية إلى القدس الشرقية، وإعادة افتتاح مكتب منظمة التحرير في أمريكا، ما يعني تطبيعاً للعلاقات التي تدهورت في أيام ترامب.

من المرجح ان يدعم بايدن فكرة الرئيس عباس في إقامة مؤتمر للسلام بداية العام القادم، ليفتتح بذلك المسار الجديد للعلاقات الأمريكية الفلسطينية، ولتدخلات أمريكا في الملف الإسرائيلي الفلسطيني، وإذا تم ذلك فمعناه أن بايدن ألقى رسمياً بصفقة ترامب في سلة المهملات، واستعاض عنها بما تقرره الرباعية الدولية ومؤتمرات السلام والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية (حال استئنافها).

لا ينتظر الفلسطينيون ما سيفعله بايدن لإعادة بريق صورة الولايات المتحدة ومكانتها الدولية، بل ينتظرون ما سيقدمه للقضية الفلسطينية، فيما يرى كثيرون أن بايدن لن يقدم شيئاً لمسار التسوية وإنهاء الصراع، بل سيعمل على إدارته، وتأجيل الملفات الشائكة إلى المستقبل، أي ترحيل المشكلات وليس حلها.

ختاماً: يضع الفلسطينيون، الذين انتكسوا مرات عديدة من ملف المصالحة، أيديهم على قلوبهم مع قدوم بايدن، فهم متخوفون من أن تفتر همة حركتي فتح وحماس للمصالحة، حيث يرى البعض أن التقارب الحمساوي الفتحاوي كان من بين أهم أسبابه الضغط على إدارة ترامب، والتلويح بالوحدة في وجه إسرائيل والإدارة الأمريكية السابقة، أما وقد غادر ترامب الساحة، فإنه من المحتمل أن يغادر لاعبوا المصالحة الساحة أيضاً ولو مؤقتاً لمعرفة طريق سير سياسة بايدن! .. فهل سينتكس الفلسطينيون هذه المرة أيضاً؟ هل سنشهد قريباً انفجاراً في الملف وردحاً جديداً على الفضائيات بين حزبي الانقسام؟ نأمل أن لا تكون هذه النبوءة صحيحة.