كتب رئيس التحرير: يُجزم علماء السياسة أن لا سياسة خارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فكل ما يفعله على الصعيد الدولي ردات فعل وتقوقع على الذات، لذلك فقد انسحب من العديد من المنظمات الدولية، والاتفاقيات، وكأنه يُعيد أمريكا إلى عصر العُزلة الذي عاشته قبل الحرب العالمية الثانية.

هذا الانسحاب المتكرر من المنتديات الدولية رافقه تحرك غريب بدأ من أول يوم لترامب في الحكم، فهو يتعامل مع الدول العربية باستعلاء لم يكن موجوداً حتى في زمن هتلر والنازية، وقالها بوضوح لدول الخليج والعرب (ادفعوا لأحميكم)! 

ترامب يتعامل مع حكام العرب كأرجوزات، يحركهم كيفما يشاء بسيف المال وسحب الحماية عنهم، وتركهم للبعبع الإيراني! ومن هذا الباب سحب زعماء العرب بل جرَّهم جراً للتطبيع مع إسرائيل.

في خضم التحركات الترامبية لدعم إسرائيل لا مكان للحديث عن الفلسطينيين الذين حرمهم من المساعدات الأمريكية، وترك مستشفيات القدس للانهيار، ليؤكد أن هذا الرجل لا يسعى للضغط على الفلسطينيين، وإنما يسعى لتصفيتهم وإنهاء وجودهم! هو يريد لعبة (صفرية) يكون الرابح فيها إسرائيل والخاسر الأوحد الفلسطينيين.

كان ترامب يدرك أن هناك دعماً وموقفاً عربياً شبه مُجتمع حول القضية الفلسطينية (ولو نفاقاً)،؛ فعمل على فكفكته وتفسيخه، فدمر مبادرة السلام العربية من خلال الضغط على أرجوزاته في الخليج، وها هي السبحة فرطت، ودول أخرى على طريق التطبيع!

أيقن الفلسطينيون أن لا أمل من "أبو إيفانكا"، فتعلقت عيونهم وقلوبهم بالانتخابات الأمريكية المقبلة، داعين أن يمُن الله عليهم بفوز بايدن، وكأن الرجل سيأتي وبيده عصا سحرية يحول فيها الألم الفلسطيني إلى أمل وإنجازات، لكن الفلسطينيون يدركون بنفس الوقت أن الوضع والأيام المقبلة لن تكون أفضل مما مضى، فالعرب تفسخوا وتشتت موقفهم من فلسطين، فيما وصلت أحزاب اليمين واليمين المتطرف إلى عدد كبير من الدول الأوروبية، ما يحذر من تحول في الخطاب الأوروبي بشكل عام تجاه فلسطين.
كما يدرك الفلسطينيون أن بنية الدولة الأمريكية تجعل من تأثير الرؤساء المتعاقبين محدوداً على السياسة الخارجية، والتي تقوم في الشرق الأوسط على دعم إسرائيل وتعزيز وجودها وضمان تفوقها العسكري والسياسي.

يتعلق الفلسطينيون بقشة "العقلانية" عند بايدن، فهو إن فاز لن يكون مجنوناً يحكم أعظم دولة في العالم، كذلك فإن الحزب الديموقراطي الذي ينتمي إليه بايدن لا يميل إلى العنف وإشعال الحروب كالحزب الجهوري، وهذا ما عرفه التاريخ الأمريكي عن الحزبين.

ما الذي سيحدث إن عاد ترامب مرة أخرى للبيت الأبيض؟ سيُكمل ما بدأه من تصفية للوجود الفلسطيني ودعم لإسرائيل وتفسيخ للدول العربية، وربما يتعدى ذلك إلى إدخال العرب والخليج على وجه الخصوص في حروب مباشرة مع إيران، ليقف الأمريكي متفرجاً على احتراق دول العرب وإيران، وهو يضع رجلاً على أخرى في البيت الأبيض.

كثير من المحللين والسياسيين يتوقعون فوز بايدن، ويتوقعون كذلك أن فوزه لن يُعيد السفارة الأمريكية في القدس إلى تل ابيب بل قد يفتتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية ويعمل على إعادة المفاوضات وتبني حل الدولتين.

يصل تحليل المراقبين إلى أن أمريكا وضعت سفارتها في أراضي القدس الغربية وتركت المجال لإدارات أمريكية أخرى للمناورة السياسية باعتبار أن صفقة القرن لن تكون مرجعاً للمفاوضات كما يريد ترمب بل الحل باتفاق الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي بشأن الأراضي المحتلة عام 1967، وهذا سيكرر الفشل السابق لهذه المفاوضات الثنائية لكنه سيمنح مزيدا من الوقت للأطراف لاستمرار لغة السلام الدارجة في منطقة الشرق الاوسط بل وفي العالم.

تَعلُق الفلسطينين بهذه "القشة" دون غيرها لن ينقذهم من الغرق بل قد يمنحهم مزيداً من الوقت لمعالجة الواقع المظلم لديهم من خلال تعزيز وحدتهم وجهدهم الدبلوماسي لاستعادة مكانة قضيتهم في العالم و بين اخوتهم العرب، والبحث في خيارات أخرى منها مؤتمرات دولية تساهم في جعل الأمم المتحدة والعالم يفرض على إسرائيل تطبيق القرارات الدولية بشأن فلسطين.

اقتصاديا قد يعيد بايدن الدعم الأمريكي للسلطة، ما يعني أن دعماً من دول عديدة لن يتأثر أو على الأقل لن يتوقف جراء الضغط الأمريكي كما يحدث حالياً، وهو ما سيدعم موازنة السلطة الفلسطينية ويخفف عنها الأزمة التي تعيشها حالياً، والمتمثلة بعدم استلام أموال المقاصة من إسرائيل.

يبدو أن بايدن قادم، خاصة أن معظم الاستطلاعات تقول أن هناك فروقا غير مسبوقة لصالحه في مجمل الاستطلاعات التي اجريت خلال الأسابيع الماضية، ولكن الكل يعلم أن نسبة دعم أمريكا لإسرائيل تصل لـ100% بغض النظر عن الفائز بالرئاسة ولكن بشأن سياسته تجاه الفلسطينين فإن المتوقع ان سياسة بايدن تختلف نسبياً عن منافسه ترمب، وندرك تماما ان كل من ترمب وبايدن يريد تصفية قضيتنا لصالح إسرائيل، الأول بالسيف والثاني بالعصا.

بالنسبة للفلسطينيين فإن السيف أو العصا كلاهما قاتل بعدما انكشف ظهرهم بابتعاد العرب وغياب السياسة الخارجية الفلسطينية، فإذا خسرنا أشقاءنا،؛ كيف سنراهن على عدم خسارة من هم بعيدون عنا دينياً وثقافياً ولغوياً؟!